الكعكة السورية

أحمد مرعان

الوجود الإيراني في سوريا بدأ بخطوات حذرة متثاقلة بأيام الأسد الأب، وسرعان ما هرولت إيران بخطى أسرع أيام الأسد الابن ، وبدت أكثر تسارعا مع بدء الحراك الثوري السوري منذ عام ٢٠١١ ورسخت كل قواها في التمدد لتحقيق مكاسب بعيدة عبر تقديم الدعم اللوجستي والعسكري والميليشاوي لمساندة النظام والحفاظ عليه بكل قواها ، رغم انهيار الوضع الاقتصادي نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عبر الملف النووي الذي تحاول جاهدة عدم التنازل عنه ، رغم تفشي الفقر والعوز الذي ينخر الشعب الإيراني..
وبات تسلل الميليشيات الإيرانية إلى المنطقة ومساندتها لما يسمى بالجيش العربي السوري بشكل سري ، حتى اتضح للعلن ، وعلى مرأى ومسمع الجهات الدولية للتمدد نحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط ، ونشر ثقافة التشيع من خلال بناء الحسينيات منذ بداية التدخل في سوريا تمهيدا لتلك المرحلة الراهنة ، لقاء رواتب شهرية مغرية للمنتسبين ،
 وإلى جانب ذلك باشرت ببناء قواعدها العسكرية على أطراف دمشق العاصمة وسهل حوران والجولان المحتل إسرائيليا بدعم ومساندة من ميليشيا حزب الله اللبناني ، وانتقلت إلى تشييد المعسكرات والقواعد على الحدود العراقية السورية في مناطق دير الزور ، وتجنيد الشباب السوري باغرائهم وساطة الدولار،  ونتيجة الحاجة وضعف النفوس ..
وهذا مما أثار حفيظة القوى الروسية على الأرض المتزعمة بحماية النظام السوري وعدم قبولها بالامتداد بهذا الشكل السافر الذي يضر بمصالحها ، ومما يؤدي إلى تفاقم الأمور والانجرار الى تصادم عسكري لا ترغب به روسيا رعم تفوقها الجوي ، لإدراكها الموقف بالحاجة الى قوى عسكرية قائمة على الأرض من جهة ومن جهة أخرى لوجود علاقات دولية تصالحية مشتركة بين الدولتين،  وبذلك تحاول روسيا لعب دور الخفاء في ضرب القواعد والوجود العسكري الإيراني من خلال توجيه الضربات الصاروخية من قبل القوات الإسرائيلية بذريعة الحفاظ على أمنها الحدودي من الأطماع الإيرانية ، وإسرائيل تدرك تماما كيف تحافظ على مصالحها وأمنها وسلامتها وتنفيذ مخططاتها وتحقيق مكاسبها بما تراه الأنسب ، و لعب دور الشرطي في المنطقة ، ورغم كثافة الضربات الصاروخية المعلنة وبشكل متكرر على القواعد الإيرانية إلا أنه مايزال التموضع الإيراني قائما بشكل علني منذ أكثر من خمس سنوات ، وما هذا التضخم الإعلامي سوى مناورات للتغطية على أطماع كل من تدخلوا في التناحرات على الأرض السورية ..
والنظام لا يهمه من هذه المعمعة سوى الاحتفاظ بالكرسي..
وأما روسيا التي تدرك حقيقة قوتها في المحافظة على استمرارية النظام وعدم قدرته حاليا على دفع الفواتير المترتبة عليه ، فانها لجأت إلى استثمار الموانئ والمطارات عبر عقود زمنية طويلة ، إضافة الى تأمين حاجتها من الغاز المكتشف على سواحل المتوسط ، واثبات وجودها كقوى قادرة على حل القضايا الدولية بقدراتها العسكرية ، والانفتاح على الدول العربية والشرق أوسطية بإمكاناتها في المحافظة عليها، لقاء دفع الفواتير المترتبة عبر عراب السياسة الروسية ووزير خارجيتها لافروف ، واليوم أدركت تورطها في الملف السوري من خلال الديون المتراكمة لقاء الأدوات العسكرية وآلة التدمير المستخدمة بحجة محاربة الإرهاب، ومحاولاتها المستميتة واستخدامها للفيتو المتكرر في مجلس الأمن لحماية النظام وبالتعاون مع الصين الطامحة لإثبات وجودها كقوى دولية منافسة بالمستقبل القريب ..
وتركيا التي لا ترغب بالتورط مع إيران ، في حين تصب جام غضبها على القوى الكردية واقتطاع أجزاء من سوريا وتحديدا المناطق الكردية تحت مسمى مكافحة الارهاب بمساندة الميليشيا المنضوية تحت خيمة الائتلاف السوري الذي يدعي المعارضة، وكذلك بمساندة دواعش العصر .
وتركيا التي بدأت ببناء مستوطنات باسم المناطق الآمنة والتي وصلت إلى ثماني عشر مستوطنة حسب التقارير في منطقة عفرين بعد تهجير الأهالي ، ولم تتوقف عن البناء في المناطق الأخرى المحتلة فيما لم يتم توقيفها الآن دوليا ..
وأمريكا في ظل قيادة بايدن الجديدة حذرة من التورط بالمنطقة ، وحوارها مع القيادة الإيرانية في فيينا حاليا بشأن الملف النووي ، لا تريد الاستعجال في فرض عقوباتها لحين التوصل إلى اتفاق للحد من التوسع بالمفاعل النووي لقاء منحها امتيازات بالمنطقة وخاصة على الواقع السوري ..
والقوى الكردية ..بكل أسف ما هم إلا بيادق تتحرك على الرقعة وفق الأجندات المرسومة لها من القوى الدولية والاقليمية ، وتعتاش على التناقضات ، وليس إلا جنودا تحت الطلب ، لا تعي ما تؤول إليه النهايات ، وماهي إلا الوقوع في مطبات السياسة الملعوبة دوليا سيحددها التاريخ بالكثير من الإنتكاسات ../ ..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ريزان شيخموس في الثامن من ديسمبر، سقط النظام الأسدي بعد عقود من القمع والاستبداد، وساد الفرح أرجاء سوريا من أقصاها إلى أقصاها. خرج الناس إلى الشوارع يهتفون للحرية، يلوّحون بأعلام الثورة، وتغمرهم مشاعر النصر والكرامة. لقد ظنّ السوريون أنهم طووا صفحة قاتمة من تاريخهم، وأن الطريق بات سالكاً نحو دولة مدنية ديمقراطية تحتضن كل أبنائها دون إقصاء أو تهميش….

د. محمود عباس   عزيزي إبراهيم محمود، قرأت كلمتك التي جاءت إضاءةً على مقالتي، فلم تكن مجرد “ردّ”، بل كانت استئنافًا لحوارٍ أعمق، طالما تهرّبت منه الساحة الثقافية الكوردية، أو تم اختزاله في شعارات مستهلكة، لم أتفاجأ بجرأتك في تسمية الأشياء، ولا بذلك الشجن الفكري الذي يسكن سطورك، فأنت كتبت كمن يعرف أن لا أحد سينقذ هذا الجسد الكوردي من…

بوتان زيباري   في مسرح الشرق الأوسط، حيث تتبارى الإمبراطوريات القديمة والحديثة في نسج خيوط مصائر الشعوب، تبرز سوريا كقماشةٍ ملوّنة بدماء التاريخ وأحلام الثوار، تُحاك عليها سرديات القوة ببراعة الفيلسوف ودهاء المحارب. ها هي أنقرة، وريثة العثمانيين، تُعيد تمثيل مسرحية “الفوضى الخلّاقة” بأدواتٍ أكثر تعقيدًا، حيث تتحول الجغرافيا إلى رقعة شطرنجٍ وجودية، والسياسة إلى فنٍّ مركبٍ لإدارة الأزمات عبر…

سمعنا عن الأحداث من الراديو، وبعدها حاولت الاتصال مع أخي دجوار، الذي كان متواجداً في ملعب قامشلو البلديّ، لكن ردّ عليّ شخصٌ آخر وهو الصديق حسن، قال: إنّ دجوار ترك هاتفه معي..!، وبعدها علمنا أنّ هناك شهداء، حاولتُ الاتصال بالكثيرين وأخيراً اتّصل دجوار من قامشلو. الساعة الرابعة أتى جوان خالد إلى منزلي، وقال: شعبنا يُقتل.. علينا أنْ نفعل شيئاً، ولا…