عفرين و ليبيا في ميزان الجنائية الدولية

المحامي عماد الدين شيخ حسن 

لا زلنا كقانونيين و كجهات أو مراكز قانونية حقوقية سورية و كردية موضع الاتهام لدى الكثيرين بالإهمال و التقصير لجهة عدم اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي و الإدعاء أمامها بشأن الجرائم التي ترتكب في عفرين ٱو في عموم سوريا من قبل مختلف أطراف النفوذ و الصراع فيها ، كتركيا و النظام و الفصائل المسلحة التابعة لما تسمى بالمعارضة و غيرها ، و التي ترتقي في معظمها الى مستوى جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية و حتى جرائم الإبادة .
و ازدادت حدة اللوم لنا و العتب علينا و مناسبات إثارة ذلك ، مع بروز دور المحكمة الجنائية الدولية في الآونة الاخيرة في ليبيا و قبولها الاختصاص في دعوى او دعاوى جرى تحريكها ضد ٱطراف ليبية مثل حكومة الوفاق التي يرأسها السراج و كذلك ضد تركيا و مرتزقة تابعين لها . حيث تساءل الكثيرون ..لماذا لا و لم تحرّك  دعاوى على غرارها في سوريا ؟؟؟
و الجدير ذكره ..أن الاستاذ رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان كان له سؤال واضح كالسؤال أعلاه على احدى القنوات الاعلامية قبل إيام ، داعيا ابناء عفرين الى تحريك دعاوى ضد تركيا على غرار الليبيين  .
أمام مجمل ما سبق و سواه ..كان لا بد لنا مجددا من توضيح حقائق سبق لنا و أن اتينا على ذكرها مرارا .
علينا أن نعلم يقيناً بأن سبيل الجنائية الدولية ما زال مسدودا أمام السوريين و ان المسألة ليست مسألة اهمال أو تقصير أو ما شابه، بل هي مسألة حواجز و موانع قانونية و سياسية و اضحة .
ما يجب معرفته قبل كل شىء كمانع و سدّ قانوني هو أن كل من تركيا و سوريا هما دولتان لم تصادقا على اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية ( ١٩٩٨ ) بالتالي هما من حيث المبدأ خارج صلاحيات و سلطة المحكمة ، مع العلم أن ليبيا أيضا ليست دولة مصادقة على نظام روما ، و بالتالي ما اللغز إذاً ؟؟؟
 اللغز يكمن في أنه… في حال لم تكن دولة ما مصادقة على نظام روما ، فإنه بالإمكان عقد ولاية المحكمة عليها في حالتين :
– إما أن تقبل الدولة ذات نفسها الخضوع لولاية المحكمة و اختصاصها في جرائم تقع على أراضيها .
– و إما أن يمنح مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة الاختصاص للمحكمة بشأن الجرائم المرتكبة في دولة ما، إذا رأت أنها جرائم من شأنها أن تهدد الأمن و السلم الدوليين .
بناء على ذلك ، لنعلم بأن الليبيين أو ليبيا حصلت على مثل ذاك القرار من مجلس الامن الدولي منذ فبراير من العام ( ٢٠١١ ) ،( القرار ١٩٧٠ ) ، حيث احال مجلس الامن الوضع في ليبيا الى ادعاء المحكمة بموجب ولايته سندا للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة .
قد يتساءل البعض ..لماذا لم يقدم مجلس الامن على ذات الخطوة بشأن سوريا ، على الرغم من أن الواقع السوري و مستوى الجرائم المرتكبة فيها هي أسوأ بكثير مما هو عليه الحال في سوريا ؟!!!
نقول بإختصار ..أن الإجابة هي في السياسة و لدى الساسة لا أكثر .
اخيرا ..بقي ان نؤكد  أن قانونيين سوريين لم يدخروا جهدا في البحث عن ثغرات قانونية من شأنها اقناع المحكمة بقبول دعاوى تخص الجرائم المرتكبة في سوريا ، مثل ثغرة ما تسمى بالجريمة المستمرة ، اي استمرار أثر الجريمة على اراضي دولة او دول تتبع اختصاص المحكمة ، الا انه و للاسف لا تزال المحكمة توصد ابوابها أمام كل المحاولات .
تبقى للكورد في سوريا و لعفرين و غيرها من المناطق المحتلة تحديدا أمال في أن تخرج المحكمة الجنائية الدولية بنتائج و قرارات صائبة و جريئة في ليبيا ، من شأنها أن تدين و تفضح حقيقة الدولة التركية و مسؤوليها و مرتزقتها و تفضح ارهابهم في العالم كما في عفرين و أن تلاحقهم و تحاكمهم على ذاك الأساس .
ألمانيا ..٢٦/٥/٢٠٢١

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…