هل من حل لكل هذا التشرذم؟!

حوران حم

كلنا يعرف أن لا حل لقضايا الشعوب إلا بوسائل النضال العملي والفكري، ومن لا يعمل لا يحصد ومن لا يدفع شهداء في سبيل الحرية وتحرير شعوبها لا يستطيع نيل حقوقه، وهناك أمثلة من الثورات التي شاهدناها كثورة تشي كيفارا والبارزاني وعمر المختار والتي حققت أهدافها، ورغم التحارب التي مرت علينا وعلى أسلافنا علينا أن نتعلم كيف نعيد ثورتنا السورية إلى مكانتها وحسب متطلبات الشعب والمرحلة المستقبلية؛ إذ لا سبيل للحريات وتحرير الأوطان إلا بدفع الأثمان الباهظة من الأرواح، ورسالتي لكل الشعوب المضطهدة هي أن تعمل في سبيل قضيتها وحريتها، فكما قال علي بن أبي طالب: «لا خير في أمةٍ يكون السيف في يد جبنائها، والمال في يد لصوصها، والقلم في يد منافقيها»، إذاً علينا أن نكون على قدر المسؤولية تجاه شعبنا وكل منا على قدر ما يستطيع، فحزمة القلم لا تنكسر بسهولة وعلينا أن نكون حزمة واحدة بكل فئاتنا تجاه شعبنا وقضيتنا.
حديثاً انتفض الشعب السوري قومياً وطائفياً ودينياً، والذي كان التواق إلى الحرية والعيش الكريم كسائر شعوب العالم، ومن خلال هذه الثورة دفع هذا الشعب القرابين بالغالي والنفيس، فكانت نتيجتها أن انطلقت من درعا وصولاً إلى مدينة ديرك ومنها إلى كافة المناطق السورية، لممارسة النظام القمعي الذي مارسه الأب والابن (الأسدان) عبر أجهزتهما البعثية، فلعب ذاك النظام على وتر القومية والطائفية وبعقلية (فرّق تسد).
منذ ما يقارب الخمسين عاماً فرض النظام البعثي قيوداً كبيرة علة حق حرية التعبير، وشروطاً لخصت عمل الأحزاب في خانات ضيقة، فيما العائلة الحاكمة مارست الفساد الإداري والسياسي والتعليمي والمالي وحتى الاجتماعي في جميع مسالك الدولة، رافضة الاعتراف بالتعددية القومية والدينية بالرغم من وجود شعب عريق كالشعب الكردي الذي يشكل القومية الثانية في البلاد بنسبة (١٥٪) من عدد سكان سوريا، والتركمان والشركس والأرمن والكلد الآشور، وكل هذه القوميات كانت ولازالت محرومة من أبسط حقوقها. 
وبعد مضي عشر سنوات على الثورة السورية الوطنية الديمقراطية وبمشاركة مختلفة من مكونات الشعب وأطيافه وتياراته السياسية والتي كانت ساعية لإسقاط النظام المستبد من أجل مستقبل مزدهر للأجيال القادمة، لكن مع ارتداد المعارضة المعترف بها عالمياً وبقيادة جماعة الإسلام السياسي من المجلس الوطني السوري والائتلاف وهيئة التفاوض وخروجها رويداً رويداً من منطلقات وثوابت الثورة السورية وهروبها إلى خارج البلاد وتعاملها التجاري مع هذه الثورة بأجندات إقليمية، التي رمت بالمال السياسي في فاهها، وعدم تقديم تلك المعارضة الحساب إلى يومنا هذا.
ونتيجة لتشرذم قوة الثورة السورية من التنسيقيات وفصائل الجيش الحر والضغط على الثوار من قبل آلة القمع من نفي وتهجير وتسلط قوى إرهابية وركوبها على موجة الثورة من فصائل إرهابية وجماعات إسلامية إلى واقع إسلامي بفعل وتفاعل قوى إقليمية وأجندات دولية ومحلية لتتدخّل ميليشيات موالية للنظام السوري من الحشد الشعب الإيراني وحزب الله اللبناني، ومن الجهة المقابلة على الجغرافية الكردية حزب العمال الكردستاني، وبهذه تكون الثورة قد خرجت من شرعيتها التي انطلقت في البداية وأصبحت الآن في فراغ تام.
ومن منطلق حرصنا على الثورة ومنطلقاتها، وإيماننا بالثوابت الوطنية ومن خلاله حل قضية الشعب الكردي عبر حلول سياسية وحوارات وطنية، والرغبة في إعادة الثورة على سكّتها الصحيحة، ليكون أولوية عملنا هو إسقاط النظام بكافة ركائزه من مؤسسات ودعائم أمنية وعسكرية واقتصادية، ومن منطلق حرصنا على هموم وأهداف الثورة علينا إخراج جميع الميليشيات الإقليمية والأجنبية وعدم تدخلها في الشؤون السورية وعليه يتم حلها وفق الأسس والمنطلقات الوطنية. 
انطلاقاً من الحس الوطني وإنقاذ سوريا مما تبقّى منها من آلة القمع والتنكيل علينا إعادة النظر في ثورتنا والتزامنا بتحقيق أهدافها التي لم تتحقق بعد، فعند تحقيقها علينا قيادة البلاد من جانب مجلس حكم انتقالي يتشكل من الوطنيين والداعمين للثورة، ويقوم هذا المجلس الانتقالي بتشكيل قيادة مؤقتة عسكرية للسهر على أمن المواطن والمواطنين وتكليف هيئة من السياسيين والقانونيين لصياغة مشروع الدستور الجديد للبلاد يتضمن تعريفاً موضوعياً بما في ذلك الاعتراف بسوريا بلد متعددة القوميات والأديان والمذاهب ومراعاة حقوق جميع مكوناته القومية، وتقدم هذه الهيئة مشروع مقترح بخصوص اسم الدولة وشعارها ونشيدها الوطني ليتناسب مع تنوع المجتمع السوري، وتعويض الشهداء بتبني ورعاية ذويهم، والسجناء ومعتقلي الرأي بمن فيهم شهداء الانتفاضة الكردية في عام ٢٠٠٤ والاغتيالات التي صارت بحق السياسيين الكرد في مناسبات نوروز السنوية والحزام العربي والمجردين من الجنسية.
أما فيما يخص الكرد فقد ارتددت الحركة الكردية مثلها مثل المعارضة العربية السورية والاستيلاء على القرار الكردي من طرفي المجلس الوطني الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي وأجنداتهما، فكلنا يعرف أن الشعب الكردي من الشعوب الأصيلة في المنطقة؛ لها عاداتها وتقاليدها وفلكلورها ولغتها الخاصة بها، كان وضع الكرد قبل القرن التاسع عشر تحت الاحتلالين الصفوي والعثماني، وكان لديهم إمارات وممالك عبر العصور، كالإمبراطورية الميدية والدولة الحسناوية والدولة الشدادية والدولة المروانية والدولة الزنكية والإمبراطورية الأيوبية وآخرها جمهورية مهاباد بقيادة القاضي محمد، فالكرد لديهم العديد من اللهجات كالكورمانجية والسورانية وزازا-غورانية… الخ.
بعد الحرب العالمية الأولى كان للكرد حصة من هذه التقسيمات عبر اتفاقية سايكس بيكو عام ١٩١٦ حيث تقسّم الكرد إلى أربع أجزاء (تركيا، العراق، إيران، سوريا)، وكانت حصتنا في الجزء الملحق في سوريا، وجرت العديد من المؤامرات والاتفاقيات حسب مصالح الدول الإقليمية والغربية بحق الشعب الكردي منها: اتفاقية لوزان ومعاهدة سيفر.
منذ نشوء الحركة الكردية في سوريا بعام ١٩٥٧ كانت وما زالت هذه الحركة بدون مشروع قومي واستراتيجي للقضايا الوطنية والقومية للشعب الكردي وهناك تياران لهذه الحركة الكردية، تيار ديمقراطي معتدل وتيار قومي مغامر الذي خرج من رحم الأنظمة الإقليمية المقسمة للكرد ووطنهم.
بعد استقلال سوريا من الانتداب الفرنسي ما حصل من المشرعين حين أخطأوا في كتابة الدستور السوري الأول عند تجاهلهم والإقرار بتعددية الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية، وإغفالهم عن تثبيت وجود الكرد وحقوقهم القومية والسياسية والثقافية.
ومنذ ذلك الوقت والكرد يعانون الأمرّين من سياسات شوفينية وعنصرية، حيث التمييز العنصري وإنكار وجود حقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية، وممارسة التغيير الديمغرافي في مناطقنا، حيث الحزام العربي بطول ٣٦٠ كيلومتر وعرض ما بين ١٥٣٠ كيلومتر وسياسية التعريب في المناطق الكردية واستبدالها بأسماء عربية من أشخاص ومدن وقرى وهضاب وحتى الطرقات والمحلات التجارية، وإثارة الفتنة بين العرب والكرد، ومن آثارها انتفاضة قامشلو وامتدادها إلى جميع المناطق الكردية وخارجها، واغتيال شخصيات ورموز كردية مثل الشهيد مشعل تمو وبهزاد دورسين ومعشوق الخزنوي وسليمان آدي وغيرهم الكثيرين مما نفي في المعتقلات أو اغتيل في السجون، فلم تستطع هذه الحركة من تحقيق أي مطلب من مطالب الشعب الكردي.
حركتنا مازالت تعمل بأجندات وتبعية خطيرة من قرارها المُصادر إقليمياً ومحلياً وعملها حسب إملاءات الأشقاء الحزبيين، وليس لديها أي مشروع وطني قومي، رغم الظروف التي سمحت لقيادة المرحلة، ورغم ذلك إننا نحترم كافة الجهات الكردستانية وخصوصياتهم ونشاركهم تبادل الآراء والمناقشات حول القضايا العامة وعليهم ما علينا يجب أن يحترموا خصوصياتنا من إرادة شعبنا وأن لا يتدخلوا في شؤوننا، لأن كل طرف من الأطراف الكردستانية لها ظروفها الخاصة.
وبعد كل الذي جرى في الثورة سورياً وكردياً من هنا يقع على عاتق كافة المستقلين للعمل من أجل إنجاز مشروع بزاف وإعادة بناء الحركة الكردية إلى سكتها الصحيحة عبر مؤتمر كردي وطني جامع ويكون القرار فيه لغلبة المستقلين ثلثين والثلث الآخر للأحزاب ومن هذا المنطلق نستطيع إعادة القرار الكردي المصادر عبر هذا المشروع بجهود المستقلين، وأدعو كافة الشرائح الكردية من المثقفين والكتّاب والكوادر والمستقلين القراءة بتمعن لمشروع بزاف لأنها الحل الوحيد لخلاص شعبنا الكردي وتحقيق كل المتطلبات القومية والوطنية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…