ماجد ع محمد
منذ سنوات والكثير من سوريي الخارج ينبهون أهاليهم وأصدقائهم ومعارفهم في الداخل السوري بضرورة ألا يعبروا قط عما يؤمنون به وما يتمنونه، وذلك لأن كشف مستبطناتهم أمام أي جهة أمنية أو عسكرية قد يكون كارثياً عليهم، هذا مع أن المقيم في ظل الأنظمة الشمولية معرّض كل يوم لأن يدفع ضريبة تطلعاته وتوجهاته، سواء باح بما يضمره على أرض الواقع، أو أظهر ذلك من خلال الفضاء المفترض، وحيث أن المرء في ظل تلك السلطات الاستبدادية مهيأ كل حين لدفع ثمن مواقفه المعلنة، إلاَّ أن الغريب في الأمر هو في تحمُّل المقيم في الدول المتقدمة والماكث في ظل الحكومات الديمقراطية تبِعات التعبير عن رأيه عبر السوشال ميديا.
عموماً من المتوقع جداً أن تختلف وجهات النظر لدى الناس حيال بعض القضايا الشائكة، خاصةً إذا ما كان الأمر متعلقاً بحدث مبهم أو بمسألة غير واضحة المعالم أو بعمل أدبي أو فني سريالي، وحيث أن باب التأويلات حينها يكون مفتوحاً إلى ما لا نهاية، ولكن كيف للآراء أن تتعارض كلياً حيال وقائع ملموسة ومرفقة بالأدلة والبراهين؟ أليس ذلك يعني بأن الآراء المتضاربة حول موضوعٍ واضح وضوح الشمس دلالة على أن الرأي لا يخص الحدث والواقعة نفسها؟ إنما له علاقة مباشرة بالموقف من الشخصيات المشاركة بالحدث، وبالتالي يمكننا القول بأن الرأي لم يكن مبنياً على ما جرى ويجري، إنما هو مبني على تصورات سابقة ولم يقم الحدث الراهن إلاَّ بإعادة تأكيد ما كان مركوناً في قاع اللاشعور.
وبخصوص المقول والمعمول بعكسه، ومن باب التخمين إذا ما سألنا أيَّ متعلم أو مسؤول في مؤسسة ما لا على التعيين عن رأيه بأهمية ومضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لقال بدون طول تفكير بأنه مع ذلك الاعلان قلباً وقالبا، أو أنه ملتزم به أو يؤيده، وذلك من دون أن يتأكد مما يقوله ويمارسه مقارنةً بما جاء في نص الإعلان العالمي كمعيار وقياس لرأيه وسلوكه، إلاَّ أنك إذا ما ذكرتَ له بعض ممارساته الميدانية وقراراته التي تخالف تماماً ما جاء في ذلك النص الذي حظيَ بإجماع عالمي لأخرَجَ لكَ لحظتها عشرات المبررات التي دفعته لاتخاذ ذلك الموقف؛ ويبدو أن هذه الإزدواجية ليست خاصة بالدول الاستبدادية، إنما قد تراها في الدول المتقدمة جداً ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر ما جرى مؤخراً في دولتي ألمانيا والكويت.
إذ تبيّن بأن الحروب والمعارك الطاحنة لا تضر فقط مَن تطالهم ألسنة المعارك، إنما قد تطال مَن يبعد عنها آلاف الكيلومترات، وذلك من خلال التعاطف مع أي طرفٍ فاعلٍ فيها، كما أن التطاحن والالتحام العسكري في مكان ما قد يتسبب بإزالة حدود حرية التعبير والشفافية والحيادية وغيرها من القيم التي ترفعها الدول والمؤسسات في أماكن أخرى، وحيث تبغي بعض المؤسسات أن يكون الموظف نسخة عن موقفها من المجريات، وبالتالي ألا يعبّر عما يناهض سياسة المؤسسة التي يعمل بها، وإلاَّ فإن المجاهرة بالرأي المناهض لسياسة المؤسسة التي يعمل بها قد تؤدي به إلى الوقوف عن العمل وخسران الوظيفة.
وبسبب التعبير عن الرأي حيال ما يجري بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، خسر شاب سوري عضويته في المجلس الاستشاري للشباب في الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، وقد ذكر الشاب السوري معتصم الرفاعي، في بيان نشره على صفحته الرسمية، إن هذا الإجراء جاء “نتيجة مواقفي المعلنة المتضامنة مع حقوق الإنسان بشكل عام ورفضي للانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل بحق الإنسان الفلسطيني”، وحيث أن الموقف الإنساني للشاب السوري وتعبيره عن رأيه حيال ما يجري في فلسطين كلفه خسران موقعه في بلد الحريات ألمانيا!!.
وفي الإطار ذاته أنهت الإدارة العامة للتعليم الخاص في وزارة التربية الكويتية خدمات معلمة أمريكية تعمل في إحدى المدارس الخاصة بعدما كتبت على حسابها الشخصي في أحد مواقع التواصل الاجتماعي عبارة «I stand with Israel» ، وعبارة المعلمة الأمريكية “ألونا كيكر كاستاين” المؤيدة لدولة اسرائيل التي ارتفعت حصيلة عدوانها على قطاع غزة إلى أكثر من 212 شهيد و1300 جريح، أثارت استياء الوزارة وإدارة المدرسة وأولياء الأمور، ما دفع بإدارة التعليم الخاص إلى فتح تحقيق في الموضوع، ومن ثم إصدار قرار بفصل المعلمة من سلك التعليم وإنهاء خدماتها من المدرسة؛ إذ أن تعبيرها ذاك عن تضامنها مع إسرائيل كلفها إنهاء عقد عملها في دولة الكويت.
على كل حال فإن مَن اتخذوا القرار بحق الشخصيتين المذكورتين ربما كرروا في أدبياتهم مراراً وفي أكثر من مكان ومناسبة بأنهم مع حرية الرأي والتعبير، وبما أن كل من الشاب السوري والمعلمة الأمريكية قد عبّروا عن رأيهم حيال ما يجري بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، فكان ذلك التعبير عن الرأي وبالاً عليهم؛ وبدورنا فمن باب الاستئناس والتذكير سنورد هاهنا ما جاء في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي أن” لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي اِلتماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة دونما اعتبار للحدود”.