د. حكيم بشار
لا أتذكر بالضبط تاريخ لقائي الأول مع الكاتب المبدع ابراهيم اليوسف، ولكن بالتأكيد كان ذلك قبل أكثر من ثلاثين سنة. حينما عرفته كان منتمياً للحزب الشيوعي السوري، ولكن بعد لقاءاتنا المتكررة، و بسبب دماثة أخلاقه ونخوته وشهامته، وبعد نظره والتصاقه بقضايا الجماهير في سوريا عامة، والقضية الكردية على وجه الخصوص، نشأت بيننا صداقة، وكثيراً ما كنا نناقش القضايا المطروحة، ونتبادل وجهات النظر حيالها، حيث إنه صاحب موقف مبدئي لا يساوم، و يملك ذخيرة ثقافية ومعرفية ولغوية كبيرة جداً، ويتعامل بتواضع مع الجميع من حوله، وكانت علاقته مع الحركة الكوردية والكوردستانية مميزة، ومحل احترام ولم يتم ترشيح أحد من قبلنا لاستشارة إلا وكان هو منهم، وقد كتب مقالات كثيرة في الثمانينات والتسعينات دفاعاً عن القضية الكردية وتم تكريمه من قبل وزارة الثقافة في إقليم كردستان مع وسام من الدكتور المرحوم فلك الدين كاكائي، وتمت تهنئته بعيد الصحافة الكردية في التسعينات من قبل الرئيس مسعود بارزاني، وهكذا من قبل كاك نيجيرفان بارزاني مكافأة على كتابه – شنكالنامه- ومقالاته ضد داعش،
ومع انه كان شيوعيا فكان من القلة الأوائل الذين كتبوا في أوائل التسعينات في – جريدة خبات- ودافعوا عن القضية الكوردية وتجربة إقليم كوردستان، ورد على الكتاب العنصريين من سوريا وخارجها بقوة في الصحافة العربية والكردستانية، وكانت له زاوية ثابتة في مجلة كولان العربي ورفد الصحافة الكوردية وذلك بلا مقابل، وهو محط احترام لدينا وفي الإقليم، وقدم خدمات للكثير من الأحزاب الكوردستانية التي لجأت إلينا وكتب في إعلامها، ولا يهدأ قلمه أمام أي ظلم على شعبه وكل كتبه لا تخلو من نفسه القومي، وقد حورب بسبب ديوانه الأول في الثمانينات ونقل من عمله الوظيفي، وشخصياً تعمقت هذه الصداقة بيننا أكثر إبان انتفاضة اذار الكردية 2004 حيث كانت اجتماعات الحركة الوطنية الكردية حينها تعقد في منزلي وتم الثناء عليه بعد الانتفاضة بشكل رسمي لدوره وبيته من قبل مجموع الأحزاب، حيث وصلتني رسالة مبادرة من السيد ابراهيم يوسف عن طريق المرحوم توفيق عبدالمجيد، وطرح علي فيها فكرة إنشاء مكتب اعلامي خاص يواكب الانتفاضة ومجرياتها واجتماعات الحركة الوطنية الكردية. وقد عرضت الفكرة على اجتماع الحركة الكردية، فرحبوا بها فاتصلت به طالبا منه ترتيب لقاء مع الكتاب ففعل، وكان هو بالأصل قد تطوع وفعل ذلك في بيته وكان يسمي الشهيد توفيق عبدالمجيد بيته بغرفة العمليات، كما عرف عن بيته وصار الوصف مشهورا، وعلى الفور تشكل وفد من قبلنا ضم كلاً من:
عبدالحكيم بشار
فؤاد عليكو
نصرالدين ابراهيم من طرف الحركة
وفي الجانب الآخر كل من
الشهيد مشعل التمو
إبراهيم اليوسف
علي الجزيري
الشهيد توفيق عبدالمجيد
وربما آخرون سأتأكد لاحقاً من هم وأثبت اسمهم لأنني ذكرت الموقف وغيره في مخطوط لي، ولكن للأسف لم نصل الى اتفاق لتأسيس هذا المكتب، ودون الخوض في التفاصيل، الا ان كلاً من السيدين ابراهيم يوسف وتوفيق عبدالمجيد بقيا على تواصل دائم معي، وكنت أزودهما بقوائم أسماء الجرحى و المعتقلين وتطورات الأحداث، وأنقل إليهما توجهات وقرارات وبيانات المطلوبة للنشر بالإضافة إلى مهمته التطوعية الخاصة التي قام بها عفويا في تغطية الانتفاضة مع أسرته وبرز اسمه بعدها كما قبلها في الدفاع عن شعبه، فقد كان بالإضافة إلى كتاباته وتغطياته الكثيرة، ينشر مع الشهيد توفيق عبدالمجيد كل ما يصدر عن الحركة، بل وكانا اكثر من يقدمون لنا النصح والمشورة الإعلامية ويزوداننا بدورهما بالمعلومات المختلفة التي تصلهم، فقد كانت المعلومات تصل السيد إبراهيم من الشارع الكوردي في البلاد بسبب الثقة الكبيرة به، وأتذكر لقاءات كثيرة تمت بيننا في تلك الفترة الحرجة: في بيت عمر الهسو وبيت توفيق عبدالمجيد وفي بيت المرحوم أكرم الملا وفي بيت أهل إبراهيم اليوسف الذي كان يعمل فيه، لأن بيته كان مراقباً.
انني هنا لا انكر جهود باقي الاعلاميين والصحفيين والمثقفين الكرد الذين أدى كل من طرفه دوره ولكن من عرفتهما أنا عن قرب في تلك الأيام كان السيدان إبراهيم اليوسف وتوفيق عبدالمجيد اللذان بذلا جهودا إضافية واستثنائية، واصبح الموضوع قضيتهما وكيفية تسويق الانتفاضة وتسويق توجهات الحركة الكرية والتصدي للمساعي التي حاولت النيل من الانتفاضة، إذ إن الراحل توفيق خصص صفحات جريدتنا المركزية ليوميات الانتفاضة، وكان هو صلة وصل مع إبراهيم يزوده بما لدينا من أخبار وبيانات من جهتنا كما ذكرت، وان كانت للسيد إبراهيم كشخص معروف وثقة المصادر الجماهيرية الخاصة التي نشهدها له مع أسرته.
ان ما قام به السيد ابراهيم يوسف وضعه في دائرة الخطر الشديد، وجعله محارباً من قبل النظام، وتم منع سفره مرات، وتم تهديده، وأتذكر أنني تحدثت مع شخصية وطنية هو إبراهيم باشا المللي وأحد الأطباء للتوسط له بالسماح بالسفر لمرة واحدة للإمارات، وكان المرحوم حميد حاج درويش قد تحدث مع الباشا، وعلمت أن الباشا دفع مبلغاً مالياً لأجل ذلك، ومع ذلك لم يتردد السيد ابراهيم لحظة واحدة في تقديم افضل مغامرا بحياته وبيته واصيبت زوجته بمرض نتيجة صدمة مداهمة بيته، وظل ملتصقا بالحركة والحراك والانتفاضة، وظل هناك تنسيق كبير بينه والحركة قبل الانتفاضة، وبيننا وبينه رسائل محتفظة بها من قبلي، وله بصمات كبيرة في الجانب الاعلامي للانتفاض مع وضعه الاقتصادي السيء الذي كنا نعرفه و ان الذي دفعني لكتابة هذه الشهادة هي قولة حق وأعتقد أن لدى الحركة الكوردية بمختلف أحزابها شهادات عن دور هذا الإعلامي والكاتب والشاعر الذي ضحى بالكثير وتم التضييق عليه وملاحقته ولم يستسلم وظل صوت شعبه ومحل تقدير واحترام لدينا ولدى كل كوردستاني وكل سوري شريف .