دعوا قامشلي/ قامشلو آمنة لأهلها المتبقّين

إبراهيم محمود

للذين يرون العالم أبعد من فوهة البندقية، للذين يعيشون أبعد من الإصبع التي تشد على الزناد، للذين يسمعون ما حولهم، أكثر بكثير من أزيز الرصاص، وغليان الدم، للذين يبصرون قامشلي/ قامشلو، أبعد، أوسع، وأرحب من الحاجز الذي يوتّر نبض الشارع الطويل، الطريق العام، أعلى من سقف القناص الرابض على سطح مموه. هذه مدينتكم جميعاً. ليس من قتل، مهما كان مبرّره بجلاب خير، أو بمدشّن سلم أهلي. ليس من رصاص يطلّق في الهواء اللاطلق، الهواء المكتوم الأنفاس، هواء الحياة التي تخص الجميع، بمبرّر، وعامل إسناد لأي كان.
هذه مدينتكم جميعاً. ليس هناك من لسان واحد. كل الألسنة سواء، كل الوجوه سواء، كل القلوب سواء، كل الدماء من الفصيلة عينها. اخرجوا من الأنفاق الضيقة، من خلف المتاريس، ابصروا المتبقي الحياة في هذا البلد، في هذه المدينة، تسلموا، تسلم المدينة بأحيائها، بشوارعها، بأسواقها، بجهاتها ، قبل فوات الأوان.
لا قوة قادرة على فرض أمر واقع إلى أجل غير مسمى، احتكموا إلى الضعف قليلاً، دون تحديد، لتبصروا أن القوة التي تتحدث بلغة الرصاص، القذيفة، والقنبلة، هي في الختام جلابة النهاية الوخيمة للمحتمي بها .
ليس من رصاص عشوائي، وأنتم تطلقونه مشرقاً، ومغرباً، فثمة دائماً ضحايا: أهلكم، مهما ابتعدت درجة القرابة. إنها قرابة المدينة الواحدة، المصير الواحد، الغد الواحد، للآتين من بعدكم، لكي يذكروكم ببعض من الخير المتبقي، قبل استفحال ما يهدّد الجميع .
ليس من أحد سالماً، أو في وضعية الأمان، وسماء قامشلي / قامشلو تمطر مخاوف، تيبّس الحليب في أثداء الأمهات المرعوبات أصلاً من أهوال سنوات وسنوات، وتعدم الابتسامة من على شفاه الأطفال في أوان طلعتهم للحياة، واليافعين المقبلين على الحياة.
دعوا قامشلي/ قامشلو آمنة، لأهلها المتبقين، قبل أن يقوم طوفان لا يعود من أحد فيها ليذكر اللاعبين بالمصائر، ويرثي الضحايا، حتى بهيمة الأنعام وهي في رعبها، حتى النبات، وهو في هول الجاري، حتى الجماد في قشعريرة الصدمة..جميعاً جميعاً في مسلخ مفتوح .
أيها المعنيون بشئون الموت والحياة، من وراء لغة الرصاص، اخلوا الساحات، الطرقات، الشوارع، والجهات، فالذي في الناس، لأهل البلد المقهورين المهدورين ” مكفّيهم “، خذوا الحكمة مما جرى ويجري على التخوم… إن نقطة دم واحدة، قد تشكل شرارة حرب مدمرة، وضحية واحدة، قد تدشّن لضحايا فوق الحصر.
لا أحد يتفاخر بأنه الغالب، وأنه المنتصر، وأنه سينتصر.. والمدينة تتقصف وترعف وترجف..لا مفخرة من وراء إطلاق رصاصة في مدينة منجرحة، تعيش عنفاً يومياً، حيث الجوع، العطش، الألم، الظلام، والموت المضطرد بالمرصاد لعوب نهاب .
الكل سواء. لا آخر في اللعبة المميتة، ليكون هدفاً لغيره.
حباً بالمتبقي من الحياة استعيدوا المتبقي من العقل، وسداد الرأي، قبل تلفظ الحياة الجميع .
لا متاجرة بدماء أبرياء وهم بمئات الألوف، إنها الحياة الحقة تقول ذلك. لا عربي، لا كردي، لا أرمني، لا سرياني على حدة. الكل في المواجهة…ويا أهل القوة المحكومة بالرصاص..تنبهوا، وتقدموا بالحياة المتبقية… حرام عليكم وأنتم في هذا العنف المتشظي..
حباً بقامشلي/ قامشلو، وبأهل قامشلي/ قامشلو، بالألسنة التي تلقي السلام على بعضها بعضاً بلغات شتى، كما هو ثراء الحياة…ارفعوا أصابعكم عن الزناد، وصافحوا بعضكم بعضاً تسلموا جميعاً…قبل أن تصبحوا أنفسكم في عداد العنف الذي تديرونه هنا وهناك ..
رجائي الوحيد الأوحد..أن تعيدوا لمدينتكم المصدومة روحها المعذبة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأنتم تدخلون في محكمة التاريخ و….  !

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…