غياب العدالة..مشهد يتكرّر دومًا

نجاح هوفاك

مشهدٌ هزّ الوجدان الانساني، فتاةٌ جريحة تحملها أيادٍ قذرةٌ ملوّثةٌ بالدّماء، و أصواتٌ قبيحةٌ  تنادي ” للذّبح   للذّبح” و قهقهاتٌ تعلو المشهد مع فرحةٍ لم يخفوها لا بل تباهوا بها أمام كاميراتهم و هم يصوّرون انتصارهم على تلك الصبيّة الّتي كانت مثل كلّ رفاقها ورفيقاتها يدافعون عن وطنٍ غزوه تحت ذرائع الحفاظ على الأمن القومي لتركيا التي تتربّع فيها قيادات الإخوان و كل السّيئين و المتورّطين بعمليات الارهاب والتّخريب في سوريا وفي دولٍ أخرى و يحظون بالتّكريم و الاقامة في أفخم الفنادق ، تركيا الّتي تدرّبت في أراضيها عناصر “داعش” وفقًا للكثير من الاثباتات والتّصريحات الّتي وردت على ألسنة شخصيّاتٍ سياسيّةٍ وعسكريّةٍ في الإعلام المرئيّ والمكتوب والّذين قدموا إليها من الدول الأخرى العربيّة والأجنبيّة ليزرعوا الخوف و الرّعب في نفوس النّاس الآمنين في دول الجوار و تدرّبوا على أراضيها على القتل والذّبح
فكيف لشبابٍ جاؤوا من صالات السّهر و الديسكو ليحملوا السّلاح و يتفنّنوا بقتل وتعذيب النّاس، هذه الدّولة التي غزت عفرين و سري كانية و كري سبي و قتلت الآلاف  و  جرحت وشرّدت  وهدمت بيوتًا و قطعت وحرقت أشجار الزّيتون و قطعت المياه عن الحسكة وقراها
هذه الدّولة التي تجاوزت على كلّ القوانين الدوليّة و اعتدت على  جارتها سوريا، و احتلّت أراضي الكورد مع صمتٍ دوليٍّ يحمل ألف علامة استفهامٍ ، و الآن تحكم على “جيجك” تلك الفتاة الّتي تطوّعت في صفوف “قسد” لتقدّم المساعدة الإنسانية و الطّبيّة لأهلها وأبناء قومها ، تحكم عليها بالسّجن المؤبّد ضاربةً بالقانون الدّوليّ عرض الحائط،لأنّ “جيجك كوباني” و اسمها الحقيقيّ هو “دوزكين تمو” من مواليد كوباني ١٩٩٧ تحمل الجنسيّة السّوريّة فهي لا تخضع للقانون التّركيّ ولا  للمحاكم التركيّة  ولا تملك الاختصاص المكانيّ أيضًا لأنّها أُسرت على أرضٍ كورديّةٍ في سوريا ،و لم تعامل معاملة أسرى الحرب بل عاملوها كغنيمة حربٍ كما تفعل “داعش” بأسراها لتظهر بعد أسبوعٍ في أحد مشافي تركيا وهي مكبّلةٌ، علمًا  أنّه ليس من حقّ تركيا نقل أيّ شخصٍ أو جماعةٍ لأيّ سببٍ  كان من أراضي سوريا الى أراضيها وفق المادة ٤٩ من اتفاقيات وبروتوكولات جنيف عام ١٩٤٩ ومع ذلك تخرق تركيا كلّ الاتفاقيات الدّوليْة  الخاصّة بأسرى الحرب و قد كان هذا واضحًا في الفيديو الّذي تناقلته القنوات الاخبارية ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، وبالرّغم من عدم اعترافٍ دوليٍّ بأنّها دولةٌ محتلّةٌ إلّا أنّها تمارس سلطتها و جبروتها بالسّلاح مستخدمةً عناصر الفصائل المسلّحة الّتي تنتهك حقوق الانسان لا بل حتّى حقوق الحيوانات والنباتات والأشجار، وحتّى القبور والأموات لم يسلموا من أفعالهم المشينة، ناهيك عن المعابد و الأماكن الأثريّة الّتي هدموها  وسرقوها  وعلى مرأى من العالم متذرّعةً بأمنها القوميّ لتحتلّ أراضي الكورد وتبسط سيطرتها على ما يتسنى لها من أراضي سوريا بهدف إعادة أمجاد الامبراطوريّة العثمانيّة وحلمها الطّورانيّ
وهكذا وبكلّ وقاحةٍ تخرق القوانين الدوليّة، وللأسف يصمت العالم ، وتصمت الدّول الّتي تتفاخر بمحاربتها للإرهاب
والسؤال هنا :
أليس ما فعلته تركيا وتفعله بالكورد في عفرين وسري كانية وكري سبي إرهابًا؟
وأليس قصفها لقرى إقليم كوردستان إرهابًا؟؟؟
أم أنّ الأعمال الارهابيّة تصنّف وفق أمزجة الحكّام ومصالحهم في مناطقنا؟!
“جيجك كوباني”  ليست هي  الضّحيّة الوحيدة للمزاج الدّوليّ
وقلقهم المخزي على أمن تركيا و تفهّمهم لقلقها على أمنها القوميّ
بل إنّ شعبًا بكامله هو الضّحيّة ، إنّهم يتفرّجون على أرضه يدنّسها الأوباش ويحرقونها ويعيثون فيها فسادًا.. 
“جيجك كوباني” إيقونةٌ كورديّةٌ و مثالٌ حيٌّ على غياب العدالة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…