عزالدين ملا
السيل عندما ينجرف من الأعلى للأسفل يتلاطم يميناً ويساراً إلى أن يركد في مكانٍ ما، حيث يلاحظ على سطح الماء الراكد أوساخ وشوائب طفت، هو ما جمعه السيل خلال طريقه الطويل، ومع مرور الوقت تتجمّع الشوائب على جوانب الماء ورويداً رويداً يلقيها الماء على الضفة بمساعدة الرياح، ويبقى الماء ويرجع كـ سابقه صافيا نقياً، وهذا ما يحدث في سوريا عامة والمناطق الكوردية خاصة، حيث هبَّ إعصار الأزمة السورية وخرج الشعب السوري في ثورة سلمية كانوا كالسيل الهائج والمتعطش إلى الحرية للمطالبة برحيل النظام الأسدي المجرم، امتلأت الشوارع والأزقة، وهتفوا بشعارات الحرية والكرامة، حتى كادت الثورة أن تحقق مُرادها.
ولكن النظام وبمساعدة المجتمع الدولي المتخاذل والمنافق حرَّفوا اتجاه بوصلة الثورة من سلمية إلى مسلحة تنفيذا لمصالحهم الدنيئة، وجعلوا من الأرض السورية ساحة مفتوحة، قاموا بجلب ما هبَّ ودب من عناصر ومرتزقة يعدّون من أوسخ خلق الله على وجه الأرض، أرادت جميع الدول التخلص منهم والاستفادة منهم في مناطق أخرى لتنفيذ أجنداتهم من جهة، وأدخلوهم الأرض السورية وتنظيف بلدانهم من هؤلاء المتشددين من جهة أخرى.
المجتمع الغربي المنافق لمبادئه وشعاراته عن تقرير المصير وحقوق الإنسان، خذلوا الشعب السوري وأداروا ظهورهم وغضّوا الطرف عن كل ما حصل من جرائم وانتهاكات لم يشهدها التاريخ على مرّ عصوره.
ما حصل عدا ذلك أظهر هذا السيل الجارف الوجه الحقيقي لطباع وأخلاق السوريين، حيث أفرزت الأزمة الصالح من الطالح، وكذلك مدى الشرخ الذي فرزته عقلية البعث الشوفينية في أخلاق وطباع السوريين، في عدم تقبل الآخر والإقصاء والتهميش وإزالة ما هو تاريخي في أقدم بقعة في العالم سكناً.
استمرار الأزمة لهذه الفترة الطويلة ونتيجة الفوضى والدمار والقتل، أدى إلى ظهور شوائب وأوساخ طفت على السطح، هذه الظروف والفوضى الخلاقة جعل من المناضلين والوطنيين يتحاشون الدمار والتخريب ويبتعدون عمّا هو سيئ، قيمهم ومبادئهم لم ولن تسمح لهم بالاشتراك في تلك الأفعال، لأنها ليست من شيمهم ولا شيم كل مخلص لأرضه وعرضه.
أما الذين كانوا في الماضي من المنبوذين في المجتمع والوطن فقد فُتِحَ المجال لهم، بأن يتمادوا عندما وجدوا أن لا رادع لهم، واستميتوا في التمادي، حتى وصل بهم بأن يستولوا على جميع مقدرات البلد اقتصادياً وبشرياً. هذا كله أدى إلى التقاء مصالح من كانوا من بائعي الوطن وتجاره مع النظام الديكتاتوري وأعداء الوطن والشعب، فبدؤوا بتشويه كل الحقائق لصالحهم، وإظهار كل ما هو حقيقي زيفاً وإظهار ما هو مزيف حقيقياً.
لذا الشعب السوري عامة والكوردي خاصة تائه بين كل ذلك، لم يعد يستطيع التمييز بين الحقيقة والباطل.
هذا كله ليس بزمن طويل لأن الحقيقة ستظهر حتى ولو بعد حين، فالشمس لا يمكن أن يحجبها الغربال، مثله مثل السيل الجارف عند ركوده تطفو الشوائب ومن ثم تتجمع على الأطراف إلى أن يخرج من الماء.
ما نلاحظه أن كل ما هو فاسد ومنافق ودجال وعميل اجتمعوا معاً، ورويداً رويداً الشعب يكشف الحقيقة إلى أن يأتي ذاك اليوم الذي يعود فيه الوضع إلى طبيعته، والبلد سيعود إلى مجراه الطبيعي، ويأخذ كل شخص مكانه الحقيقي ويذهب من شوَّه الحقائق ودمرها إلى مزبلة التاريخ.