قاسم عزالدين
ان الثورة السورية التي هزت العالم بصداها السياسي والعسكري والانساني والاعلامي وحركت اساطيل الدول وعقدت من اجلها العديد منالاجتماعات في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وجامعة دول العربية والكثير والاجتماعات واللقاءات الدولية ولكنها للاسف وبعد مضياكثر من عشر سنوات على انطلاقتها لم تحقق ابسط اهدافها في تأمين الحقوق الانسانية والحرية للشعب السوري الذي خرج الى الشارعيطالب بالاصلاحات واعادة الحرية المسلوبة له من قبل نظام الاسد الذي حول سوريا الى سجن كبير من خلال تدخل اجهزته الامنية بكلشاردة وواردة طيلة عدة عقود من هذا النظام وقمعه وديكتاتوريته وحكمه الفردي الذي لم يعد مقبولاً في اي مكان من العالم . هذه الثورة التيجعل النظام الاسدي يرتعد خوفاً من انتشارها ودخل كل دول العالم الى سوريا ليحافظ على كيانه وديمومته .
ان الثورة السورية وحدت الشعب السوري بكل مكوناته يدا واحدة من اقصى شماله الشرقي الى اقصى جنوبه الغربي واستطاع ان يهزعرش النظام الذي ورثه من ابيه ليستنجد بطائفته وبكل الدول الصديقة له والمستفيدة من جوده ليحافظ على كيانه ويمنعه من السقوط رغمبراءة طائفته من اعماله ومن دكتاتوريته الفردية ذات الطابع العائلي. الا ان النظام الاسدي استخدم كل اوراقه لتحويل الحراك الشعبيالمطالب بالحرية الى صراع طائفي رغم تعايش السوريين منذ الاسقلال بكل مكوناته العرقية والقومية وحتى المذهبية ، وساهم النظام بحنكتهوالعديد من أوراق القوة التي يملكه ان يحرف الثورة عن مسارها السلمي وباستخدامه القمع المفرط من القصف الصاروخي والطائراتوالدبابات والمدفعية لقتل شعبه وهدم المدن باكملها وتهجير ملايين الناس من مواقعهم .
من خلال النظر الى مراحل تطور الثورة السورية وتحولها من ثورة سلمية وتحركات جماهيرية سلمية الى مواجهات مسلحة ، يبدو انه يتطلبمراجعة نقدية عميقة لكل مراحل الثورة منذ البداية وحتى ظهور الثورة المضادة والتي عطلت مسيرة الثورة وأفقدت الشعب السوري بكل قواهالسياسية المعارضة والموالاة قراره الوطني الحريص على مصالح الشعب السوري واجنداته . ان الاسباب الحقيقية التي أحجمت الثورة عنتحقيق اهدافها او بالاحرى فشلها كثيرة منها الذاتية ومنها الموضوعية المتعلقة بطبيعة الدولة السورية ومكونات الشعب السوري والدول الحارةلها . كما انها مرتبطة ايضاً بالتدخلات الدولية والاقليمية بايقاف الربيع العربي في اوحال سوريا وعدم السماح لانتشاره الى باقي دولالمنطقة ، ولابد ان نذكر طبيعية الصراع العربي الاسرائيلي ودورها في افشال الثورة السورية . ولكن قبل البدء بخوض الاسباب الذاتية لابدمن ان نوضح الاسباب المباشرة لفشل الثورة واهمها :
· تسليح الثورة السورية وانعكاساته الحقيقية في تدخل الدول الاقليمية والدولية في البحث عن مصالحها من خلال الممولين الحقيقينلاستمرار الصراع العسكري .
· اسلمة الثورة وتحويلها الى صراع طائفي وقومي وبالتالي ابتعاد الثورة وقياداتها عن المشروع الوطني السوري الذي يعمق الوحدةالوطنية ، في الوقت الذي فشلت المعارضة باستقطاب كافة مكونات الشعب السوري استطاع النظام تحييد العديد من هذه المكوناتعن المشاركة في الثورة ، رغم مشاركة جميع هذه المكونات في التحركات الشعبية السلمية في بداياتها.
· خلق التنظيمات الارهابية في سوريا جعلت منها محطة استقطاب لكل الدول التدخل الدولي وتقسيم سوريا الى مناطق نفوذ ، حيث لاتوجد دولة دون مصالح في سوريا .
· ان احتلال تركيا لعفرين والعديد من المناطق الكردية ومشاركة اطراف من المعارضة في هذا الاحتلال والانتهاكات الخطيرة التي ترافقهذه الاحتلال ساهم في تفتيت المجتمع السوري وتشتيت شمل قوى المعارضة .
· دخول العديد من التنظيمات العسكرية ومنها حزب العمال الكردستاني الى سوريا وتنفيذ اجنداتها.
هنا لابد ان ندخل في بعض التفاصيل الدقيقة لتحول الحراك الشعبي السلمي الى مواجهات عسكرية و فتحه المجال امام بعض الدول ذوالاجندات الخاصة بهم خاصة تركيا التي فتحت حدودها امام الجهاديين والاصولين مع اغراق السوريين بالمال السياسي القطري ليفتح المجال امام تشكل مجموعات مسلحة متنوعة وبطابع اسلامي لا يهمها الشعب السوري ومصلحته ولا الدين بشيء سوى كسبها المادي ليأتيامراء الحرب ويستلمون مناطق متعددة ويتمددون على جغرافية سوريا باسم الثورة ، وهكذا تشكلت الثورة المضادة وافقدت الثورة طابعهاالثوري الداعي لبناء سوريا الجديدة سوريا دولة الجميع دولة الشعب الذي يطالب بالحرية الى حرب اهلية دمر من خلالها بنية النظاموالاقتصادوالامن ليفتقد الشعب ابسط مقومات العيش ويصبح القوت اليومي همه خاصة بعد مجيء الروس والايرانين وتدخلهم المباشر في الحرب من جهة وامراء الحرب والتجار من جهة اخرى ليتحكمون بمصيرهم. من هنا لابد ان نتسائل هل بقي على الارض السورية فصائلعسكرية تبحث عن مصالح الشعب والثورة السورية بل بالعكس تخدم هذه المجموعات والميليشيات المسلحة داعميها الاساسيين من الدولوخاصة تركيا والتي لعبت دورا سلبيا اتجاهها قد حولوهم الى مرتزقة تارة يحاربون في ليبيا وتارة في ازربيجان ووووو .
ان كل المجموعات والفصائل والميليشيات المسلحة المتواجدة في سوريا تعمل لصالح مموليها وبهذا الشكل تشكلت الثورة المضادة واظهرتالوجه الحقيقي لتجار الثورة والذين اساؤوا للثورة والمعارضة والشعب السوري عموماً والذي ضحى بكل ما يملك من حريته وكرامته ولكنللاسف المعارضة المشكلة بعد الثورة كانت سهلة المنال من الدول واستخدامها لمصالحها واجنداتها في سوريا .
اما بالنسبة لجغرافية سوريا فلم تعد كما كانت موحدة والتي يتباكى الموالون والمعارضة عليها فقد انقسمت الى ثلاث مناطق لم تعد تحتسيطرة السوريين وانما تقاسمها الروس والايرانيين من جهة والاتراك مع الفصائل المسلحة من جهة اخرى واالمنطقة المتبقية تحت ادارة قواتقسد المتشكلة من الكورد والعرب والسريان ليكون بذالك سوريا كلها تحت ادارة من يحمل السلاح والشعب غائب ينزف الدم وسلعة رخيصةللمتاجرة بهم بالاضافة الى الموارد الطبيعية لكسب المزيد من المال لتوصلهم الى حد التضخم من جراء ذالك.
رغم كل ما حدث في سوريا بعد انطلاقة الثورة وبقاءها في عنق الزجاجة وترافقت معها الدمار والقتل والارهاب والتهجير والتغيير الديمغرافيوفقدان القرار الوطني السوري مازال النظام متمسكاً بحججه وبراهينه في محاربة الارهاب كما أن المعارضة متفائلة بنجاح الثورة والكللازال يعيش في اوهامه والشعب السوري هو الضحية الكبرى ولازال المجتمع الدولي يراهن على الوقت في تحقيق المزيد من المكاسبلمصالح دولهم وتجار الحروب يكسبون الكثير امام المجازر التي ترتكب بحق البشرية والانسانية ولم يتحركوا لوقف نزيف الدم التي يقدمهاالشعب من الشيوخ والاطفال والنساء ليكون وصمة عار تلاحقهم.