لماذا يكره الشعب الإيراني النظام الحاكم؟

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
أصبح الاختيار بين السيء والأسوأ هو البديل للانتخابات في ثقافة الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، على الرغم من أن الشعب يتطلع إلى شيء آخر. فقد عاش الشعب الإيراني أيامًا سوداء، حيث تم تضييق الخناق عليه وحُرم من البقاء على قيد الحياة على مدى 42 عامًا تحت وطأة سلطة ولاية الفقيه، أو أنه كان مضطرًا للرضا بما هو واقع ويلتزم الصمت، وإلا عليه أن يختار السجن والتعذيب والإعدام. ويعني الرضا بما هو واقع إضفاء الشرعية على بقاء هذا النظام المناهض للشعب وكل ما هو إيراني، ونتيجة ذلك هي ما نشهده الآن من واقع لا علاقة له بالمروءة الإنسانية وفخر المرء بكون إيرانيًا. وأصبح الوقوف في وجه الاستبداد الديني ودفع الثمن لتحقيق طموحات الشعب الإيراني الذي دفع الثمن من أجلها غاليًا؛ أمرًا حتميًا.
ومن هذا المنطلق، نشاهد فضلاً عن الزج بمئات الآلاف في السجون وتعذيبهم وإعدامهم اضطرار ملايين الإيرانيين إلى مغادرة البلاد وتوجههم إلى ديار الغربة. والمحزن في الأمر هو أن السبب الرئيسي في ذلك هو المجرمين الذين يحكمون إيران. 
وخيَّر خميني، مؤسس هذا النظام الديني أبناء الوطن في تقديم هذه الثقافة قبل 42 عامًا، وتحديدًا في 1 أبريل 1979 بين مفترق طرق متشابه، ألا وهو نعم للجمهورية الإسلامية أم لا؟ وحدد “نعم” باللون الأخضر و “لا” باللون الأحمر. وكان المجتمع ينقسم إلى مجموعتين من وجهة نظر خميني ورفاقه، فإما أن يختاروا الأخضر رمزًا للمسلمين أو يختاروا الأحمر رمزًا للكفار والملحدين، وهو أسلوب انتهي في ذروة العبثية الدينية ووادٍ من جهل المجتمع بما يخدم مصالح الملالي، وأصبح نقطة انطلاق لتأسيس ديكتاتورية أسوأ من الديكتاتورية السابقة. 
لقد مر الآن 42 عامًا على ذلك اليوم. وقاطع أبناء الوطن كل عام مسرحية انتخابات هذا النظام الفاشي استجابةً لدعوات المقاومة الإيرانية. ومن المؤكد أن رد أبناء الوطن على هذه المسرحية السخيفة سيكون أقوى وأكثر سحقًا مما كان عليه في السنوات السابقة، نظرًا للأسباب التالية:
أولاً : قام المواطنون في السنوات الأخيرة بانتفاضات ناجحة جدًا ضد نظام الملالي، وقلبوا التوازن الدولي لصالحهم، وفي الوقت نفسه، صعَّدوا حرب السلطة في قمة نظام الملالي؛ بتوجيه ضربات متتالية لجسد هذا النظام الهرِم، لدرجة أنهم أجبروا علي خامنئي على تقليص هذا النظام الفاشي حتى أنه لم يعد يطيق الملالي المحتالين المراوغين، من أمثال حسن روحاني المتورط في جميع جرائم هذا النظام على مدى 42 عامًا. 
ثانيًا: لم يعد المواطنون يشعرون بالوحدة نتيجة للتمتع بعنصر قيادة الانتفاضة وانتشاره فيما بينهم في مسار المزيد من تفعيل المقاومة  الإيرانية داخل إيران، وأصبحوا متفائلين بما يفعلونه ويتمتعون بالمعنويات العالية والشجاعة التي يعجز اللسان عن وصفها في التعبير عن معارضتهم وتنظيم احتجاجاتهم المناهضة للحكومة، خاصة وأنهم لم يعودوا خائفين من الاعتقال أو السجن أو التعذيب أو حتى الإعدام، وكما يقولون “لقد بلغ السيل الزبي وفاض بهم الكيل ولم يعد لديهم ما يبكون عليه”. 
ثالثًا: ينحصر الشغل الشاغل للنظام الديكتاتوري الحاكم في الحفاظ على بقائه مهما كان الثمن، ولتحقيق هذا الهدف تجاوز حدود الجريمة ضد هذا الشعب وأبنائه. فالمواطنون في إيران يعانون من الجوع الآن بسبب ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة والفساد الإداري في جميع هيئات هذا النظام الفاشي، والأقلية الضئيلة تحكم الأغلبية البالغة نسبتهم 95 في المائة، وتقوم قوات هذا النظام بإعدام أعداد كبيرة من شباب هذا الشعب أو إبادتهم. ويدرك الإيرانيون الآن أن الملالي فرضوا سلطتهم على الشعب منذ البداية بفتح متاجر الدين. والخرافات التي ينسبها الملالي إلى جوانب مختلفة من الدين غير مسبوقة في التاريخ. 
رابعًا: بات نظام الملالي في الوقت الراهن أكثر عجزًا وضعفًا من أي وقت مضى في مواجهة أزمة الإطاحة، وقبل كل شيء، يسمع الملالي أنفسهم أصوات تحطم عظامهم، ويشبهون في جهودهم الأخيرة شخص عالق في مستنقع، ويتشبثون بمخالبهم بأي شيء حتى يستمر نظامهم لفترة رئاسية أخرى. وما هو مهم لولي فقيه الملالي، على خامنئي في مسرحية انتخابات العام الحالي أكثر من السنوات السابقة هو مشاركة أبناء الوطن في التصويت. والشخص الذي سيجلس على مقعد رئاسة الجمهورية محدد مسبقًا من وجهة نظر على خامنئي. 
خامسًا: بات الفرق بين الطيب والخبيث واضحًا الآن، والمواطنون على وعي تام ببدائل نظام الملالي المزعومة وعملائه ويعلمون جيدًا من هو الشخص أو التيار الذي يستحق الإطاحة به في هذا النظام؛ بعد جهود نظام الملالي الفاشلة في السنوات الأخيرة لتعكير المشهد الحقيقي في إيران اليوم . وما يسعى إليه المواطنون هو الإطاحة بهذا النظام ودعم الشخص أو التيار الجدير بهذا العمل كما ينبغي. 
الكلمة الأخيرة
لقد رفض الشعب الإيراني ومقاومته الاستبداد الديني منذ البداية وقالوا “لا”، بيد أن تكلمة هذا الرد هو قول “نعم” للسيادة الوطنية الشعبية الخالية من أي شكل من أشكال القمع والتمييز والمتبلورة في البديل الديمقراطي الوحيد، ألا وهو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.  
نعم لجمهورية إيران ديمقراطية
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…