استفتاء إقليم كردستان والغدر الدولي بالكرد

خورشيد محمد ملا سعيد
إنّ الاستفتاء الذي حدث في إقليم كردستان في 25/9/2017 م لم يكنِ السّببَ الذي غيَّرَ موقفَ الولايات المتحدة الأمريكية و موقفَ الدول التي تدور في فلك سياستها بين ليلةٍ و ضحاها من مصير إقليم كردستان و شعبه. على أنّها طلبت من قيادة الإقليم السياسية تأجيله، ولم تُلَبِّ القيادةُ طلبَها هذا، ففعلت ما فعلته ردّاً على تنفيذ الاستفتاء. لا. لا. إنّما الحقيقةُ هي أنّها لم تُرِدْ، ولا تريد حلَّ القضايا و المسائلِ و المشاكلِ التي كانت موضعَ خلافٍ بين حكومة بغداد و حكومة الإقليم دستورياً إلاّ في الوقت الذي تحدّده هي، وفق مخطّطها المرسوم منذ سنين طويلة. و تتحرك  وفق مصالحها القومية العليا التي تهمّها بالدّرجة الأولى ؛ ولا يهمّها ما تسبّبه سياستُها العرجاءُ هذه من أضرارٍ هائلةٍ على شعوب هذه المنطقة. بل يهمّها التحكّمُ بمصائر الدّول، و استمرارُ النّزاعات فيها، وفيما بينها، لتبيعَ سلاحَها، و تؤمّنَ حاجتَها النفطية بأبخس الأثمان. 
و بالنسبة لنا نحن الكرد: لا يهمّها متى ينتهي ويزول ظلم الآخرين عنّا، و متى ننعم مثل الشعوب و الأمم الأخرى بحياة حرةٍ كريمةٍ في دولةٍ مستقلةٍ. ولا يهمّها عددُ شهداء الكرد، ولا عددُ جرحاهُمْ، ولا مصيرُ النازحين من شنگال و كركوك و غيرِها، في ظل مناخات الصيف و الشتاء القاسية، ولا يهمّها مصيرُ أولاد هؤلاء النازحين صحياً، ولا دراسياً، ولا مصيرُ أملاكِهِم تعبِ شقاءِ أعمارِهِم، ولا سبيُ النساء، و لا…الخ.
و تبيَّنَ أنها تنسق سراً مع أعداء الكرد لنهب نفط شعب كردستان على حساب مصيره، و على حساب مستقبله. و دائماً كنتُ و آخرين، و ما نزال نصرّ على أنّ الولايات المتحدة شيمتُها الرئيسةُ هي الغدرُ السياسيُّ في الأوقات الحسّاسة . فمثلا” : غدرت بكرد إقليم كردستان سنة 1975م برعايتها لاتّفاقية الجزائر على يد مهندسها، وزيرِ خارجيتِها هنري كيسنجر، ثم غدرت بهم سنة 1991 م. ثم في سنة 2003م ، ثم غدرت بهم سنة 2014م، ثم في(16)أكتوبر 2017م. وكان أغلبُنا يعتقد أنّ الولايات المتحدة لن تغدرَ بنا – نحن الكرد – هذه المرّة لأن المصالحَ والمنافعَ المتبادلةَ بين الطرفين توثّقت جيداً.. ولكنّها غدرت بنا كعادتها بدم بارد ، وقضت مؤقتاً على تحقيق آمال الكرد المشروعة وفقَ الشرائع السماويةِ والوضعيةِ.. كأنّ لسانَ حالها يقول للكرد: الآن. الوقتُ ليس مناسباً لي لما تريدون و تطمحون و تأملون أيّها الكرد. و أدخلت الولايات المتحدة القواتِ الإيرانية في العراق في وضح النهار بشكل جليّ، و التي رفعت صور الخميني و خامنئي في كركوك و غيرِها. وكان للاتّفاق السرّي الذي حدث الأهدافُ الأمريكيّةُ التالية :
1- الإثباتُ القطعيُّ على دخول القوات الإيرانية الأراضي العراقية بشكلٍ غيرِ مشروع . و يبدو أنّها سوف تتذرّع، وتستفيد من هذا مستقبلاً ضد إيران.
2- نهبُ حصّةٍ من نفط كركوك الكردستانية.
3- إضعافُ إقليم كردستان سياسياً و اقتصادياً و عسكرياً و اجتماعياً.
4- إضعافُ العراق عامَّةً. لأن العلاقاتِ المتينةَ  بين بغداد و هولير هي قوةٌ للطرفين الحكومة العراقية، و إقليم كردستان، وتؤسّسُ للاستقرار العام في العراق .
5-ضربُ و إضعافُ العلاقة بين الأحزاب الكردستانية، و التّقليلُ من هيبة الرموز النضالية الكردستانية عند الشعب الكردستاني .
6- إن الولايات المتحدة لا تريد طرفاً أقوى من طرفٍ آخر في العراق حتى هذه اللحظة.
و لذلك على الكرد توثيقُ العلاقات مع كثيرٍ من الدول المتقدمة في العالم، و عدمُ الاقتصارِ والاعتمادِ فقط على الولاياتِ المتحدة و الدولِ التي تتمايل مع سياستها بشكلٍ تام. و من الضَّروري ترتيبُ البيت الكردستاني لتقوية العلاقات بين الأحزاب الكردستانية الفاعلة أكثر بكثير.. والأهمُّ من كلّ ذلك تمتينُ التّلاحمِ بين القيادةِ السياسية للإقليم و شعبِ كردستان بكافّة ألوانه الفسيفسائية. و كنّا و ما زلنا ننادي أن تعتبرَ الأطرافُ الفاعلة على الساحات الكردستانية من ما حدث في إقليم كردستان العراق، فإنّ في ذلك عبرةً مفيدةً. فقوّتُنا تكمن في اتّحادنا و في رفاهية و وعي و قوّةِ شعبنا. وضَعفُنا يكمنُ في تفرّقنا. و لأنّنا لم نعتبر فكان الغدرُ الأخيرُ للولايات المتحدة بنا في عفرين ، ثم في تل أبيض و رأس العين. فهل نأخذ العبرة؟!! .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…