في نقد منهجية القطيع

 وليد حاج عبدالقادر / دبي 
في بعض من وصايا سقراط هناك حكم مستدامة ، تكاد ان تتلمس فيها روحية العصور وهي تتجدد مثل : ( .. إبحث دوما عن الحقيقة .. إسأل كثيرا .. لا تؤذي من يخالفك الرأي .. تجنب الإيمان بالمسلمات .. لا تتبع القطيع .. انتقد الأفكار ولا تقدسها .. ) . وعلى هدي الوصايا اعلاه ، يمكن الإرتكاز على قواعد اختزلت قضايا عديدة وتشابكت ، ولكنها اثبتت ببساطة ايضا ، على أن ثقافة الموائمة والتبرير هي من اخطر المطبات التي تستولد كمنهج ، ومن خلالها تمرر أبشع المخططات وأقذرها ، ومع الإختزال الخاصوي ونزعة الوهن المرادف لانقشاعات سوف تظهر أمام حجم ما حدث ويحدث ! رغم أن بعضهم يصر في الإستمرار على ذات الوهن وبطاقة أشبه بسيل جارف و : ايجاد اداة او موقع / مجموعة تراكب عليها كامل الأخطاء بدل إزاحة الوهن التي ما انتجت سوى نفسها الوهن ؟! وهنا ؟ وكمثال ؟
 أما كانت عقلية الوهن المصطنع هي التي تحكمت في واقع شعبنا وأودت به بدل الذهاب / زعما / الى ادلب ودمشق ودرعا وها نحن لانزال نهدد حتى في ديريك ؟ ومن دون التشكيك بقدسية أية مقاومة حقيقية ونبيلة ، إلأ انها لن تدفعنا للبحث والتمحيص في خلفية كثير من القضايا ، والتركيز على ظاهرة الدفع بصناع المقاومات الى صرف وخفض قواها ، فيتناسى ذلك الواقف في برجه العاجي يوزع الصكوك هنا وهناك ، وبشعبوية مستهلكة يحاول التنصل من الكارثة بكارثة أسوأ ، ويتجاهل حتى حكاية القنفذ الذي ما ان يتكالب عليه الخطر فيحتمي بجلده . وعليه ؟ أوليس العودة الى أوسع قاعدة شعبية هو المطلوب بدل محاولة التهرب وراءا والهاء / الجموع حتى لا أقول القطيع / بتراجيديا مخلوطة دسمها بسمها ! .
إن تراكم الرعب في العقلية الباطنية عند بعضهم تنكشف وبشكل كارثي في الممارسة الدونية تجاه كل شيء ، فتراه قبل المبرر يصفق للنجاحات المبهمة ! رغم أنها هي ذات عقلية الإنكسار الباطني التي لن يخفي على الإطلاق الحقيقة مهما تصنعوا وببراعة لصقها بالآخرين ! في حين ان مكمن القوة تتجلى في جرأة الإقرار وتشخيص الأخطاء ومد الأيادي الى الجميع تشاركا في المسؤولية ، مع الإستيعاب الرئيس على أن الشعبوية باتت موضة قديمة امام هدير المرثيات الجمعية ، وبات الشعار مكشوفا ومعه كل من ( يحتكر كل شيء ) فالانكسارات هي منها كمسؤولية كلية وان كان الآخر ايضا مسؤولا عن بعضها ، وكمثال حي عن الكوارث الشعبية الفظيعة : 
في حرب العدوان على عفرين كان عشرات الآلاف من اهاليها تغادر قراها ومساكنها صوب المدينة ، وكانت الحاجة ماسة للمواد الغذائية والماء والدواء ، طلع علينا أكثر من شرحبيل قيادي وقيادية ! على وسائط الإعلام وتباهووا بان كل شيء متوفر وعفرين لا ينقصها أية شيء . وأتذكر بأنني كنت في لقاء مباشر على قناة سكاي نيوز ، ومن خلال مداخلتي ركزت وطالبت العالم بتقديم المساعدات العاجلة والفورية و .. لم أكن قد غادرت استوديو القناة بدبي ، وإذ بهم يتصلون مع سيدة فاضلة ولتنسف مناشدتي بالكامل ، وأن كل شيء متوفر وكاف ليغطي مقاومة العصر ! في حين أن أعتى الدول في حالات الحروب تتبنى اقتصاد المعركة ، وتطالب المساعدة من المنظمات العالمية و .. تبين بأن – منظرونا الأشاوس –  مشغولون بإعداد مؤتمر عرمرم أعلنوا فيها إكتشاف دواء فعال وب ٣٠ ثانية . 
وفي جانب آخر لابد من التأكيد بأن القضاء على داعش هو فخر للبشرية جميعا ولكن ! هل فسرنا فكرنا ولم نزل بخطوة ما قبل وبعد ذلك ؟ سيما أن تجارب عديدة واقربها لوضعنا كانت تجربة درعا وما حل فيها ! أما تمخضت عن الفيلق الخامس وبذات توصيف وزير دفاع النظام حينها ! إما المصالحات او القتال ! هذا من جهة ، وقابلها الترويج الممنهج للذهاب الى ادلب وهذه توضع ضمن مزدوجتين وبخطين واضحين : الاتفاق مع النظام وروسيا ومشاركتهما المعركة في خطوة ستستهدف استنزاف القوات الحقيقية على الأرض ومن جديد – ببلاش – سوى التضحية بالشباب الكردي ( ولازالت تصريحات ذلك المسؤول في ب ي د تطنطن في مخيلتنا باستعدادهم للذهاب الى فرنسا وانهاء داعش فيها بعد جريمة استهدافها للصحيفة الباريسية ! .. بينما نصيبين هي على مرمى حجرة منه ! ) ..  وبرز خط مخيالي آخر تمثل فيما روج لها بعضهم كرديا ، في خاصية معركة ادلب كخطوة لتحرير عفرين وكنوع من التخبط أولا وثانيا في انتظار لدور قادم هم لا يستطيعون بتاتا التكهن بها ، وأيضا : دور النظام وروسيا ومافعلوه قبل الهجوم التركي عليها ، وفي كل الأحوال فأن كل ماهو مطروح ويروج له هو ذاته أنموذج درعا ، أي التوجه الى نوع من الضبضة العسكرية ، والتسويات التي قد تتموه ولكنها عمليا لن تتجاوز الحلول الشخصية ، الأمر الذي يطرح تساؤلا مشفوعا  بعشرات إشارات الإستفهام ؟ أين هو البعد السياسي ؟ هل هي على شاكلة أن مناطقنا هي جزء من شرق الفرات وشرق الفرات جزء من الجزيرة السورية الفسيحة وهي جزء من سوريا الشمالية التي هي جزء من سوريا الطبيعية و .. الأمر الذي سيعيدنا مجددا لإستذكار تهديدات ق س د بوقف معركة شرق الفرات بعد 15 يوم ان لم توقف تركيا هجومها على عفرين ؟ طبعا المهلة كانت كافية لاحتلالها ، ومن ثم ؟ هل العمل في منحى تحرير عفرين كانت ستستوجب ذلك المنحنى الدموي الثقيل جدا بكلفتها في الهجين ؟ لابل ! وهذه بحرقة وألم أقولها : أن كل المعارك التي خضناها ولم نزل ، وفي غياب أي غطاء سياسي من جهة ، وتقدم فيها كل المؤن والذخيرة حتى الطعام لنا من الآخرين سوى الدم ! ستبقى نتائجها محتسبة كما وإفرازاتها برسم الآخرين ، وكل المشاركين فيها مستخدمون على هدي ما قاله السيناتور الأمريكي الراحل جون مكاين رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي سابقا ( … من الصعب إقناع / إردوغان / بمزايا دعم المقاتلين الأكراد .. / وأضاف / .. المعضلة هي أنك إذا لم تستخدم الأكراد – كلمة تستخدم مترجمة حرفيا – فإن الأمر سيستغرق وقتا أطول في حين يرسل داعش الإرهابيين الى خارج الرقة .. / .. وأضاف .. / لكن إذا أقمت بذلك فأنك تواجه تحديا هائلا في ما يتعلق بالعلاقات مع تركيا / .. وأضاف .. / أن العلاقة مع إردوغان مهمة في شكل خاص… / .. ( جريدة الحياة عدد يوم الأحد صفحة ٣ .. ٢٦/٣/٢٠١٧ عدد ١٩٧١٤ ) .. وطبيعي ان يبقى هناك السؤال الأهم لنا جميعا ؟ هل فكرنا بمعنى الإستخدام خاصة انها صدرت من شخص بمستوى الراحل جون مكاين ؟ .
أن الوقائع تصرخ وكثير منها قلناها وسط إرهاب فكري وكنتاج لرهاب بعضهم تماشيا مع طوباوياتهم التي يؤسسون عليها وهما تلو آخر ، تلك الأوهام التي – ياما – صفعتها الحقائق المرة ، ولكنها بقيت تطرح تساؤلاتها عن كل ما تم ويتم وبمعزل عن البروباغندا وكنتاج تطرح على أنها حزمة انجازات ، فإذا بها مجرد اوهام كانت ليس إلا .. والآن .. ومع عديد جوائز الترضية التي ستنكشف ، وعلى الرغم من كل الفرص التي ضاعت ولم تزل ؟ ، أما آن وقت التأمل والكف عن صناعة الوهم وتضخيمها لتستخدم كجرعات للتنويم من جهة ، والسياحة في فضاءات أحلام تصفع من جديد لتنتج وهما آخر ، وخاصة ونحن نستذكر تصريحات جيفري قبل ان يودعنا جيفري ، وما تم طبخه في الخاصية السورية قبل رحيل ترامب ، والتي أثبتت الوقائع بأنها كلها كانت تصب في خانة الإستدراج الممنهج ، ونماذجها واضحة امامنا ، سواءا في درعا او محيط تدمر والسخنة ، ورغم ضخامة التهديدات التركية ، إلا أن هناك امور تتحرك تحت الرماد ، ولن تكون عين عيسى ومنبج وترسيمات الحدود وبمسمياتها المختلفة من منطقة آمنة او عازلة او حتى كمعبر ، إلا أنها لن تكون سوى وسائل لتفعيل اتفاق أضنة الذي ما جمد أصلا .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…