عفريننامة..!

إبراهيم اليوسف

لايمكن فهم مايجري في عفرين، من حصار رهيب من قبل بعض الكتائب المسلحة التي باتت تقطع تواصل هذه المدينة عبر الشريان الوحيد الذي يربطها بمدينة حلب- في إهاب قطع أوصالها وهي الرمز الكردي في هذا المقام- ما يعني إزالة أهلها عن مسرح الوطن، وهم الذين باتت أعدادهم تقترب من المليون نسمة، المليون من أصل أربعة الملايين، أو أكثر، في الإحصاءات الأكثر دقة في موازين الدقة، وهو أمر آخر، يقودنا للحديث عن هذا المليون، في هجرته- حيث كلهم مهاجر العائد للصدر والصدر الضام في لحظة الضيم- لاسيما في ما إذا وضعنا في الحسبان عودة أبنائها الذين تم هدم منازلهم، أو طردهم منها، في أكبر تجمعين كرديين في حلب وهما: الأشرفية والشيخ مقصود، ما يخلق تضخماً سكانياً، في هذه المنطقة المعطاء، الوادعة، الأبية، بما لم يكن في الحسبان، حيث لا بيوت تأوي هاتيك الأعداد الهائلة التي لاذت بأهلها، عندما وجدت نفسها، بعد أن فتح أهل هذين الحيين الكبيرين صدورهم لأخوتهم أبناء حلب، من الأحياء الأخرى، كي يجدوا أن خيوط مؤامرة باتت تتضح – في الأفق- بغرض تفجير أوضاع هذين الحيين، 
فلم يتوان النظام السوري- وهو يتنفس الصعداء- عندما وجد أن الأمور قد آلت إلى هذا المآل، كي يفرغ هذين الحيين من سكانهما- وأية تسمية للحي دون أهله إنه اللاحي أو الميت- وحدث ذلك، عندما ظهر من لديه المقدرة لدقّ الإسفين بين مكوني الثورة: الكرد، وأخوتهم العرب، ولاننسى سواهم، في سياق التفصيل المشخص، وحدثت هناك أخطاء استراتيجية، مالبثت أن تمَّ حلها، ولكن بعد أن تحولت بعض بيوت الحي إلى أطلال دارسة، فامحت عن بكرة إسمنتها وعلوها، وبعد أن تفاجأ كثيرون منهم بطردهم من قبل بعض المجموعات المسلحة، كي يسكنوا بيوتهم أمام أعين الملأ، وهي إقامة مؤقتة، سيستطيع النظام- وهو يواصل تجريب كيميائه المقنَّن بحسب التوصيف الأممي- أن يترقب الفرصة، لضرب الطرفين، مادامت هناك أخطاء استراتيجية، تمت، كي يحدث هذا الشرخ بينهما، وإن كان النظام- وفق سلوكه الدموي الذي بدا في شكله الحقيق- لايوفر سورياً من مجازره، وهو مستعد أن يبتر أي عضو من جسده، في سبيل استمراره، ومؤكد أنه لن يوفر الكردي الذي قال عنه الأسد، في حوار أجري معه، قبل سنوات، من قبل صحيفة أخالها-الآن- أجنبية: الكرد المحيطون بدمشق براميل ديناميت موقوتة” وأرجومن متابعي حواراته بهذه المناسبة إعادة نشره، ولعلي كنت قرأته في موقع كلنا شركاء- للإعلامي د. أيمن عبدالنور، وهو شأن آخر..!.
أبناء حيي الشيخ مقصود والأشرفية- كرافدين عفرينيين لروح حلب وألقها- كانوا، وكما تؤكد ذلك الفيديوهات التي تابعناها عبر الإعلام، من الأوائل الذين ساهموا في المشاركة في المظاهرات الاحتجاجية- وكانت شوارع مدينة إبراهيم أو الشهباء تشهد لهم مشاركاتهم في أولى انتفاضة في سوريا شغلت أكبر بقعة فيها هزت أركان النظام- وهم لايمكن فصلهم عن عفرين المهاد، وهنا نحن أمام ضلعين آخرين للمهاد ذاته: كوباني، والجزيرة، ولقد تعرفت عفرين: الضلع المعني-هنا- على مصطلح التنسيقات ممارسة، لاتنظيراً، وكانت هناك تنسيقيات أولى، تواشجت مع حركة شباب الانتفاضة، التي ولدت من رحم الثورة السورية-ولها في كرديتها كل مسوغات الولادة والتاريخ- لتتوزع في الاتجاهات الثلاثة، ومابينهما من مدن تابعة، وأرياف، في إطارمشاركة الكردي في ثورته، أجل، في ثورته، وإن كانت هناك عقبات، أوعقابيل، كاداء، ستقف في الطريق، نقرُّبها-ولها نصيبها من النقدين: الآني، والمستقبلي، منها ماتعود أرومته إلى شروش الاستبداد، ماتصادى في رؤى بعض ركاب موجة الثورة، أو بسبب عدم حسم الأمور من قبل شريك المكان، حيث كان ولايزال أبعاضهم يتحركون وفق إيقاعات الماستر والمخابراتي، ما جعل الكردي غير مطمئن، في الإقدام على ماسيسارع في إذكاء فتيل الفتنة، الفتنة التي كانت شراراتها تنطلق هنا وهناك، من قبل هؤلاء البيادق، بيد أن حكماء المكان كانوا يلتفون عليها، مطوقين شرورها، ليطفئوها، مادام أن العدو الأول: النظام، سبب كل الانتهاكات العنصرية بحق الكردي، والذي سيؤكد لاحقاً لمن استجر إلى النظر شزراً وريبة إليه، أن هذا النظام، لا أب له، ولا أم، كما لاكرامة، ولامبدأ له، وهو سيحاول التهام كل من يقف في وجه ألهبته، المسعورة، وهو ذاته أصداء ترجمة مقول الكردي، لشقيقه، السوري، بصوت عال، عبرعقود ظلامية، دفع فيها أعظم فاتورة اضطهاد ممكنة.
الإيروسنصرسديين”
ثمة من يعيد أرومة سيلان لعاب مستأجر البارودة- وكل من يستخدمها في غير مكانها- مستأجر، كما بارودته التي هي ليست له، مالم تتوجه للدفاع عن أهله، وهم يستغيثون، في أصعب مرحلة في خط مسارالثورة، وهي دخول الميليشيات “الإيروسنصرسدين” على الخطِّ، على نحو، عاهر، فاجر، علني، ولم يتردد الشخص المزوَّر، المأجور الأول، أن يهدد بسبابته-التي تفوح برائحة الجرائم المنفذة ومن بينها دم الكردي عبدالرحمن قاسملو – كل من لايرعوي لجبروت وإرهاب النظام، مالم تتحرك لهم-شعرة واحدة- بيد أنهم راحوا ييممون وجوههم – شطرالاتجاه المعاكس- وهو مواجهة الكردي، تعويضاً عن الهزيمة، والتمترس وراء مزاعم انتهاكات ي ب ك التي لها مواقف لاتنسى فمؤازرة الجيش الحر، رغم كل مالنا من نقود على سياسات ب ي د، وهوما كان يمكن حله- في مالوثبت- عبر الحوار، في البيت الوطني، مادام الكردي ليس عدواً، ومادام أنه من الضروري أن تكون هناك-الآن- قوة كردية، تحمي أهلها- وهوما لم يكن في حسبان كثيرين قبل مسيل لعاب من لهم حساباتهم مؤجلة الدفع أو معجلتها، مع الكردي، هذا الذي يرونه مجرد فاتح له، منسي الصنيع، يصلح للتكرار، كأداة مستنسخة، دون أن يعلموا جميعاً- ومنهم واجهات المعارضة، وأسماء ارتفعت ظلالها أعلى من صنيعها في : المجلس الوطني السوري والائتلاف- وهما الهيئتان الأقرب لنبض الثورة، كما ارتفعت الأصوات المشابهة، خارجهما أيضاً- دون أن يعلموا أن تراكمات قرون هائلة، من استغلال إخلاص الكردي، والتلويح بإلغائه، بل وإدخال التلوح في مرحلة التنفيذ، حيث استجداد ذلك في معرض مواجهة النظام من خلال سلوك مماثل، أو متجاوز لسلوك النظام من قبل بعضهم، جعل الكردي- وهنا أنا في معرض توصيف رؤية بعضنا- بات لايأمن جانب من هومجرب، متناسخ مع النظام، حتى وإن احتل مراكز متقدمة، ناهيك عن تبدد كلمة الكردي، واختلاف مطالبه، وعدم الاتفاق على كلمة سواء، وتفكير بعضنا بإلغاء الآخر- وهو نفسه المستهدف بالإلغاء- كان وراء اللااكتراث بقضية الكرد، وحقه، وكان لسان حالهم أقوال بعضهم، ومنهم في مركز مسؤول في المعارضة” دوركم بعد النظام”، هكذا، ناهيك عن هزال بعض من تنطعوا لتمثيل أهلهم، وممارسة بعضهم الإرهاب المعنوي، والسياسي، بحق المختلف معهم، في سلوك زائف، متخلف، ناهيك عن سوء حسابات بعضهم، في تقويمهم لقوة النظام، والرِّهان على مستقبله، في أبسط توصيف لسلوكهم، وهم-القلة- في الوقت الذي يمكن الحديث عن ان الشعب الكردي في سوريا، لايمكن إلا أن يكون ضد آلة النظام، والحديث في هذا المقام عن أنفار، فحسب، لعبوا دورهم سلباً، بكل أسف..!
وإذا كان كثيرون من الكرد لايفكرون- في بداية الثورة- بإيجاد قوة عسكرية، كردية، فإن ذلك-كما بدا- لم يكن إلا مجرَد رومانس وطني، حيث بات ذلك ضرورياً في ظلِّ ظهور المجموعات المسلحة، المنفلتة من العقال، البعيدة عن روح الجيش الحر، وظهور قطاع طرق من بينها، إلى جانب حراس بقايا إقطاعات تريد إعادة تأسيس نفسها، وإن كان لابد من أن تكون هذه القوة ممثلة لإرادة سواد الشعب الكردي، وليس عبر أية قناة حزبية، تتفرد، بفرض ذاتها، مادام أنه من الضروري أن تكون هناك قوى مستقلة، ذات حضور حقيقي، فإنه- لكذلك- من الضروري أن تعمل جميعها ضمن إطار انتمائها القومي، العام، وبالتنسيق مع كل من هو وطني فعلاً، والتخلص من عقلية الهيمنة، من أيِّ طرف كانت، وألا تكون هناك أية قوة خارج إطار حماية أهلها، كما أن عليها ألا تقف في مواجهة قوى الثورة التي تدافع هن أهلها، وتسعى في إطار إسقاط النظام، وإن من بين أولى مهمات أية قوة عسكرية كردية، أن تعمل من أجل حماية أهلها في عفرين، وفكِّ الحصار، وإن كان من الضروري النأي بالنفس- ما أمكن- عن أيِّ صدام، من شأنه إسداء خدمة لشبيحة النظام ومرتزقته.
إن مايجري في عفرين من حصار رهيب- أياً كان الغطاء الذرائعي له- بعد سلسلة الانتهاكات التي تمَّت في عدد من المناطق الكردية، أو مناطق التواجد الكردي، يؤكد بجلاء، أن وراء الأكمة ما وراءها، وإن كل التسويغات التي تقدم- هنا وهناك- إنما هي عارية عن الصحة، مادامت أنها لن تكون ملك مجرد حزب أو قبضة- وإن أي تلاعب- في ظل التحولات الجديدة بورقة هذه المناطق- يعني إسداء خدمة كبيرة لمن قام بهدم أكثرمن سبعة ملايين بيت في سوريا حتى الآن، ناهيك عن قتل ما يقارب مئتي ألف شخص، وجرح ما يقارب الثلاثمئة ألف شخص آخر، وهجرة ستة ملايين سوري داخلياً، وحوالي مليونين ونصف سوري إلى دور الجوار، وها هي أمَّات أنظمة الإرهاب تواصل نصرة النظام، ومدّه بالعدَّة، والمرتزقة، حيث فتح النظام الذي طالما لعب على ورقة” منع التدخل الأجنبي” يفتح بواباته، على مصاريعها أمام جند الإرهابيين، مادام أن ذلك يمنح بعض وميض أمل استمرار سطوة كرسيِّه، وعرشه، في قراءة خاطئة، لايلام عليها، مادام أنه المؤسَّس على دعامات الإرهاب، بيد أن داعميه باتوا يفضحون أوراقهم، ليمنوا بالفشل الذريع، وهم يفضون على آخر ما تبقى لهم من أحصنة طروادية، ولجوا خلالها إلى بلدنا..!.
مدينة السلام، عفرين، تعضُّ على جرحها المفتوح، وهي ترمق الغرباء يحيطون بها، من كلِّ صوب وحدب، واثقة أن هؤلاء الذين تحول زيتها إلى بعض كريات دمائهم، وأن خصوصيتهم صينت، بفضل دماء بنيها الزكية، وبات موجهوهم يمارسون خياناتهم ضدها وأهلها، كما مورست الخيانة ذاتها مع صلاح الدين الأيوبي، الجدّ، كرمز غيري، بين تاريخ من رموز مماثلة، ولاتزال هذه الخيانة مستمرة، ضد رقعة واسعة، هي كردستان الكبرى، فهي تعرف- عبر حدسها وقراءاتها لحركة التاريخ- أن كل من وقف ضد إرادتها قد مني بالخذلان، وأن لا أحد قادر أن يقف في وجه حريتها، وإبائها، وأن من يقدم على استكمال هذه الجريمة النكراء، إنما يوجه طعنة نجلاء لتاريخه، وحاضره ومستقبله، كما أن المدينة- ذاتها- وهي تقرأ خلاف الكردي مع أخيه، تستصرخ ضميري كلا الأخوين: “أن التقيا على “، وهي في-  لحظة الحصار والحرب- لاتجد أن الوقت مناسب للفصل بين: من المخطىء؟، من المصيب؟، بل لايجوز مواجهة الخطأ بالخطأ، كما أن الرهان على الشبِّيح، أياً كان الراهن، ملغي من سجل الكردي، لاشأن له، تلك يقينات الكردي، عالياً كجبله، حيث تكمن المصيبة- في صعقتها- في استمرار استمراء هدرالكردي لدم أخيه، دمه، والاستعلاء عليه، وكأن لسان حال المدينة هو: إلغاؤك لأخيك إلغاؤك لنفسك، قتلك لأخيك قتلك لنفسك، فاحذرمن محاكمة التاريخ، في ما لم تقرأ اللحظة، بعين الحكمة، الباصرة، الثاقبة، التي لاتتلكأ في فهم المعادلة، في بسط امتدادها، ووعورتها، تلك هي صرخة عفريننا، ذلك رجع الصوت من ضمير المخلص الكردي: واعفرينااااااااااه…!
 
9-6-2013
 
النص من ثلاثية بعنوان:
ثلاثية المكان الكردي:
عفريننامه-1
2-كوبانيامه
قامشلوكامه
 
*الحوار المتمدن-العدد: 4118 – 2013 / 6 / 9 – 10:37
الأحد 09 حزيران 2013- ولاتي مه
 
 
ملاحظة:
النص يمثل رؤيتي- آنذاك- قبل حدوث الكثير من التحولات ومن بينها- غزو واحتلال كوباني2014، ولكن ثمة ماهو استراتيجي في النص، أنشرالنص، كما هو، بلاتغييرات تمثل حال اللحظة، للأمانة، ولاستكناه نبض لحظة الكتابة، لاسيما فيما يتعلق بماسمي ب”الجيش الحر”، وانقلابه، الارتزاقي، على الذات، وتأجيره: الدم والكرامة والأرض والعرض للمحتل!
النص- أول مقالات كتابي عن”عفرين-! 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…