زاكروس عثمان
يرفض الاسلاموي الكوردي مبدأ فصل الدين عن السياسة ويحاول بكل خباثة شرعنة وقوننة التنظيمات الدينية اسوة بالتنظيمات العلمانية، ويُظهر التنظيم الديني بمظهر الحمل الوديع، ناكرا ان يكون لفكره السلفي ـ الاصولي اية تأثيرات سلبية او اخطار على المجتمعات الكوردية، ويقدمون التنظيم الاسلاموي على انه كأي تنظيم آخر يمارس نشاطه المعتاد، يقول جمال حمي من حق الحزب الاسلاموي (أن يروج لنفسه، وبما انه حزب ديني من الطبيعي ان تكون بضاعته الاسلام)، وهنا مكمن الخطورة فالرجل نطق الحقيقة في زلة لسان واعترف بان الاسلام لدى تنظيمات الاسلام السياسي مجرد بضاعة، اي تجارة واية بضاعة اخطر من الدين حين يزج به في سوق السياسة، فالدين الذي يروج له الاسلامويون ليس ذاك الدين الذي يعرفه جدي وجدك ذاك الدين العفوي البريء البسيط الذي لا تشوبه السياسة، بل هو إيديولوجيا شاملة يشرف على نشرها وتطبيقها تنظيم سياسي عالمي عابر للحدود.
وتتبع التنظيمات الاسلاموية الكوردية مثلها مثل قريناتها في البلدان الاخرى مركز القيادة العالمي لتنظيم الاخوان المسلمين الذي يتولى تخطيط المشاريع والبرامج وتصدير الاوامر والتعليمات إلى التنظيمات المحلية في كل بلد، ويتلقى المركز دعم سياسي دبلوماسي وحماية من عواصم عدة، كما انه يمتلك قدرات مالية هائلة، وجيش من رجال الدين “علماء الدين” والدعاة وخبراء في علوم الاجتماع وشبكات اعلام وصحفيين، ما يساعده على توفير ما يحتاج إليه من اجل تنفيذ اجندته سواء على الصعيد العالمي او الصعد المحلية، ويصل الامر إلى حد ان الحكومات الراعية للإسلام السياسي تستخدم نفوذها لدى دول اخرى بالتوسط لدى حكوماتها للسماح للتنظيمات الاسلاموية القيام بمزيد من الانشطة الدينية على اراضيها بغرض نشر پروپوگندا الاصولية ـ السلفية وكسب الانصار، حيث يشهد إقليم كوردستان الجنوب طفرة في بناء الجوامع وسط احاديث ان الممولين هم جهات من خارج الإقليم, وليس هناك عاقل يصدق ان كل هذا الحماس في بناء مؤسسات دينية هو لوجه الله والتعبد، في الحقيقة فان حركات الاسلام السياسي بجناحيها السني والشيعي تمارس اسلوب التقية في نشاطها، وان مساجد ومراكز دعوية ومؤسسات خيرية كلها تتبع جماعات الاسلام السياسي.
إذ يعتبر النشاط الدعوي اداة غاية في الفاعلية لنشر التعاليم والمعتقدات الاسلاموية، و يحرص التنظيم الإسلامي في المراحل الاولى على اظهار وجهه الدعوي النقي، فان اقام نشاطا في المسجد فهو لوجه الله؟ وان قدمت جمعيته الخيرية سلة غذاء او مبلغ نقدي إلى بعض الاهالي فهو فعل خير، وان تولى التنظيم تكاليف معالجة احد المرضى فهو نجدة لمحتاج، بهذه الاساليب الماكرة يتم استغلال حاجة الفقراء والبسطاء والتلاعب بعواطفهم الدينية لربطهم بالمنشآت التي بحوزة التنظيم، لتبدأ عملية وضع السم بالدسم، وتكون البداية خطب وندوات تقليدية تلقى على الناس لا تحتوي افكار متطرفة، وبعد ذلك تضاف الى الخطب جرعات من افكار متشددة ويتم زيادة كمية الجرعة مع مرور الوقت إلى ان يشبع عقل المتلقي بهذه الافكار ويصبح مؤمنا بها، حينها يكون مستعدا لتقبل الفكر السلفي والتكفيري، وهنا ينجح التنظيم الاسلاموي في تجنيد الناس لنشر الفكر المتطرف والاستعداد لفرضه بالقوة “العمليات الارهابية”.
وهناك من ينكر ان يكون للفكر الديني اضرار واخطار على المجتمع، بالقول ان تنظيمات الاسلام السياسي في اقليم كوردستان الجنوب لم تأتي بحركة تدل على خطورتها، وهنا يجب الاشارة إلى عدة نقاط ومنها، ان هناك تنظيمات اسلاموية كوردية نسخة من داعش تمارس الارهاب على نطاق ضيق كونها صغيرة الحجم، كما ان حكومة الاقليم تبذل جهدا كبيرا في مكافحة الارهاب، وهناك تنظيمات اسلاموية مرخصة لا تمارس العنف المسلح لكنها تنشر الفكر الداعشي بل تكفر كل من لا يؤمن بشريعة داعش، وجدنا تسجيل يظهر سلفيين كورد بمسجد في العاصمة هولير يبكون على سقوط دولة الخلافة الارهابية، فهل يتوانى هؤلاء عن ممارسة الارهاب ان توفرت لهم حاضنة شعبية وظروف مناسبة، ولا بد من التنويه ان الارهاب لا يقتصر على العنف الجسدي بل هو استهداف العقل بأفكار طلامية متطرفة، والفكر السلفي مثل تأثير العقاقير السامة على الجسم اثاره المدمرة لا تظهر مباشرة بل تستغرق عقودا، وإذا كانت عمليات تطهير الجسم من المخدرات صعبة ومؤلمة، فان عملية تطهير المجتمع من فكر الاسلام السياسي تكون اشد واصعب، والمسألة لا تتعلق بانتشار العقيدة الاصولية ـ السلفية في المجتمع فحسب بل كذلك بامتلاك التنظيم الاسلاموي نفوذا سياسيا واجتماعيا وماليا وفي المناطق الهشة يمتلك قوة مسلحة ايضا، اي انه يصبح امرا واقعا ليس من السهل التخلص من خطورته، بل شواهد كثيرة ما زالت قائمة تشير إلى ان التنظيم الاسلاموي يتحول إلى دولة ضمن دولة ان لم نقل انه عمليا يقضي على السلطة الشرعية، ويفرض اجندته وعقيدته على الدولة والمجتمع، فهل الكوردي الذي يناهض العلمانية ويدعم بناء تنظيمات اسلاموية، يريد ان يفتح الطريق امام هذه التنظيمات كي تسيطر على كوردستان كما سيطر حزب الله على لبنان و الحوثي على اليمن و حركة حماس على الاراضي الفلسطينية، و التنظيمات الشيعية على العراق، حيث انتهت الدولة في هذه البلدان وباتت اسيرة لدى تنظيمات هي مجرد ادوات لطهران وأنقرة اللتان من خلال الاسلام السياسي تعملان على احياء امبراطورياتهم القديمة، وتعمل الدولتان على خلق تنظيمات اسلاموية في كوردستان لتكون راس حربة لهما في مشاريعهما التوسعية، ما معناه ان تنظيم الاسلام السياسي صبور في عمله ويحتاج عدة عقود للوصول إلى اهدافه بل اهداف مُشَغليه.
يتبع