هل النقد سيغير من الواقع الكردي

دلكش مرعي

 لقد تعرض المشهد السياسي الكردي إلى آلاف المقالات النقدية الموجهة إلى المواقف السلبية للفعاليات السياسية والثقافية وحتى الفعاليات الاقتصادية والدينية وغيرها من الفعاليات الكردية لكنها لم تستطع تلك المقالات النقدية المتنوعة من أن تزحزح أو تعدل ولو قيد شعرة واحدة من مواقف تلك القوى المدمنة في السير على تراث الاباء والأجداد المبني على الشقاق والتبعثر والتشرذم ومحاربة الذات والتناحر التي أوصل الكرد في أحياناً كثيرة إلى حد التصفية والقتل الأخوي !!!.. فالنقد في إطاره النظري كحل أحادي الجانب ودون أن يقترن بحلول علمية وعملية ناجعة وبمشروع حداثي تنويري يتمتع بقيم المعاصرة يقر ويلتزم به الجميع  كمنهج للمستقبل يترجم ويجسد على الأرض وبشكل عملي لن يجدي النقد نفعاً أو سينتج تغيراً على الأرض فالنقد هنا تشبه كالذي يقول للسقيم إنك سقيم دون أن يقدم له المعالجة أي أن النقد النظري الموجه إلى حالة التخلف والبعثرة ودون أن تحمل برنامجاً عملياً لإزالة الأسباب الي أدت إلى حالة التخلف والتبعثر سيبقى الحالة كما هي وسيعيد انتاج نفسها على الدوام وسنبتعد عن جوهر القضية على الأرض وبالتالي لن يتفاعل النقد والحلول النظرية مع حركة المجتمع ولن يعطي البعد الحقيقي لحل قضاياه الموبوءة وسيستمر الحالة المثارة بدلاً من تغيرها أو تطويرها .
فالذي لا يمتلك مشروعاً علمياً وعمليا ممنهجاً يجسد ويطبق على الأرض وعبر عقد اجتماعي يلتزم به الجميع لن يرى على الساحة السياسية إلا تبادل الإتهامات والنقد المتبادل التي يحمل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية ما يجري من تناحر مبطن وهدام في الشارع الكردي … فالذي يتحرك عبر فكر هجين وشمولي مستورد ومعلب اثبت فشله تاريخياً كالبيدا أو فكر سطحي بدائي عاطفي متخلف متمخض من أرث الأجداد الموبوء مثل الأنكسة لن يتمكن مثل هذا التوجه المأزوم من أن يتفاعل مع حركة الواقع على الأرض ولا مع حامله الاجتماعي ولا مع المعاصرة وآفاقها الرحبة وسيؤدي مثل هذا التوجه بنهاية المطاف  إلى تعثر الفكر واغترابه بالتطابق مع الواقع والاصطدام بجداره وإلى هدر شبه شامل في الطاقات الفعلية داخل المجتمع والإضرار بمسار حركته ونهوضه والأهم من كل ذلك هو هدر الفرصة التاريخية التي سيهدرها الكرد من تحقيقيها من مايسمى بالثورة السورية التي قد لا تكرر… 
 فالصراعات التناحرية الجارية بين التيارات السياسية الكردية  تجعل الشارع الكردي  تتأرجح وتهتز بين حالة من التنافر والتداخل والاختلال  تجعل هذا الشارع  تمر في حالة  من الدوار الدهليزي تعجز عن الانتظام في أي نسق أو أية منظومة تكوينية متجانسة توحد موقفها اتجاه ما يحدث على الأرض.. ناهيك بان كل تيار متشظي ومنقسم في داخله يبحث كل عضو فيه عن ذاته المأزوم وعلو شانه الشخصي المتوعك والمتورم مما يزيد الأمور أكثر تعقيداً وتصدعاً . 
   فالواقع المأساوي التاريخي لهذا الشعب يفرض على السياسي والمفكر والمثقف والأديب الكردي أن يتجهوا جميعاً نحو بناء  مشروع نهضوي تحرري أنساني يسمح بطرح الأمور على نحو قابل للحل والاغتناء وقادر على استشراف أفاق المستقبل برؤية فكرية حية يشخص حاجات الواقع الكردي وينميه ويمتزج ويتفاعل مع الجماهير ويستنبط الجديد من الفكر الإنساني المتحضر برؤية متفحصة ساطعة وشفافة اكثر عمقا وشمولا ومعرفة لرسم مسار حركة النهوض التحرري للشعب الكردي وآفاق تطوره وتقدمه لنتجاوز عبر ذلك جميعاً الروتين الممل والمواعظ السياسية المثقلة بميراثها العاطفي التقليدي المتخلف والبائس الذي يعطل الوعي ويخدر الواقع عبر مسارات مجهولة الرؤى والوضوح للممكن النهضوي  فعلى الرغم من معانات الشعب الكوردي ومآسيه وبدلا من ان يعمل هذا الطرف المعني  أو ذاك الذي يقع على عاتقه المسؤولية على تأسيس ثقافة انسانية معاصرة كي يتخطى عبرها المجتمع الكوردي التكلس الثقافي والفكري والتيبس السياسي تراه وبسبب إرثه المتخلف يدير ثقافة الصراعات في هذا الاتجاه أو ذاك من اجل مصالح حزبية بائسة لا تخدم في نهاية المطاف سوى تكريس الواقع المتأزم والتأكيد على استمراره فيبدو إن قرونا من المعانات والمآسي لم تكن كافية لبعض العقول الكوردية المتخلفة والمتحجرة كي تجد لنفسها فضاء يتنفس من خلالها الحرية كبقية البشر في هذا العالم 
 ومهما يكن فالخروج من هذا المازق التاريخي لا يأتي بالتمني بل بالدعوة الى الحرية والتحرر عن طريق القضاء على جذور الفكر الظلامي المتعفن ومفاهيمه الشمولية وأسباب القهر وعوامل الطغيان المترسبة قصراً في وعي الشعب الكردي ومخزونه الفكري الذي كرسه الاحتلال منذ قرون عديدة حيث تقع على عاتق النخبة بغض النظر عن موقعها أو الجهة التي تنتمي إليها تفعيل روح الحوار والمحبة  بدل روح التخاصم والشجار والأنانية وأحياء الثقافة الوطنية على اسس جديدة يعيد للإنسان الكردي فعاليته الإنسانية بعيدا عن المحسوبية والبيعة والاستزلام والوصايا الحزبية … فالوقوف ضد حرية الرأي والمكاشفة والمصارحة والبعد عن احترام إنسانية الإنسان وحقوقه لا يحقق سوى التقهقر والنكوص وتكريس روح الطغيان والاستبداد والدكتاتورية …. إن الواقع الراهن للشعب الكردي وبسبب شريحة سياسية متخلفة ومترهلة فكريا وسياسيا يتحكم بمصير هذا الشعب ويفرض إرادته على الشعب الكوردي في غربي كردستان قد قوّض بسبب ممارساتها الخاطئة ومفاهيمها الشمولية منها والبدائية المتخلفة قد قوض الضمير الوطني والاجتماعي لهذا الشعب  وسيمزق في المستقبل إذا ماستمروا على هذا النهج المجتمع الكردي الى اشلاء متناثرة مبعثرة وهزيلة متناحرة ومتحاربة ستسيء إلى مقومات وجود هذا الشعب ومستقبل أجياله

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…