نظام الملالي على بعد خطوات قليلة للمحاكمة!

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
کتب سبعة مقررين خاصين للأمم المتحدة رسالة إلی نظام الملالي في سبتمبر، أعربوا فیها عن “قلقهم الشدید من رفض النظام المستمر للکشف عن مصیر ضحایا مجزرة السجناء السياسيين في عام 1988 ومواقع دفن الجثث”. وقد حثوا إیران علی إجراء تحقيق “کامل” و”مستقل” في المجزرة وإعداد “شهادات وفاة دقیقة” من أجل عوائل الضحایا.
وقال خبراء الأمم المتحدة في رسالتهم “نشعر بالقلق من أن الوضع قد یرقی إلی مستوی الجرائم ضد الإنسانية”، محذرین من أنه إذا استمر النظام الإیراني في الامتناع عن الوفاء بالتزاماته بموجب ما نص علیه القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنهم سوف يطالبون المجتمع الدولي بتقصي الحقائق ومتابعة الحالات المتعلقة بمجزرة السجناء السياسيين في عام 1988، من خلال إنشاء مسار دولي لتقصي الحقائق، علی سبیل المثال.
 ووصفت ديانا الطحاوي، نائبة مدیرة المكتب الإقلیمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، الرسالة بأنها “تحول نوعي طیلة ثلاثة عقود من النضال لإنهاء هذه الجرائم وتحقيق العدالة”.
حملة حراك المقاضاة
بدأت حرکة المقاضاة لضحايا مجزرة عام 1988 برسالة  السيد مسعود رجوي إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاریخ 17 أغسطس و 25 أغسطس من عام 1988، الحركة التي دخلت مرحلة جدیدة ومصیریة في صيف 2016 بدعوة الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإیرانیة، السیدة مريم رجوي.
هذا ودعت المقاومة الإيرانية إلى إنشاء محاكم دولية للتحقیق في الجریمة، والتي کانت “أسوأ جريمة منذ الحرب العالمية الثانية” وفقاً للسير جيفري روبرتسون، قاضي محكمة الأمم المتحدة الخاصة بسيراليون (یولیو 2020).
نشاطات المقاومة الإيرانية
عقب الإعلان عن حراك المقاضاة، قامت المقاومة الإیرانیة بالعدید من النشاطات بما ذلك إجراء لقاءات مكثفة مع شخصيات سياسية وبرلمانية وحقوقية، وإقامة الکثیر من المعارض في الأماكن الرسمیة في مختلف البلدان، وتنظیم العديد من التظاهرات والتجمعات، وإلقاء الخطب من قبل أعضاء المقاومة في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتقدیم معلومات مفصلة عن ضحایا مجزرة 1988 وعن الآمرين بالجریمة ومنفذیها.
وفي عام 2017، دعا عدد من المقررين الخاصین للأمم المتحدة، بمن فيهم السيدة  الفقيدة عاصمة جهانغیر ، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتحقيق في قضية مجزرة عام 1988، وکتبوا رسالة بهذا الشأن.
أهمية رسالة مقرري الأمم المتحدة
لهذه الرسالة أهمية خاصة من عدة جوانب، أهمها:
• إشراك المجتمع الدولي والهيئات الرسمية في التحقيق في مجزرة عام 1988 وهو ما حصل فعلیاً.
• إثبات تورط كبار مسؤولي النظام في ارتکاب مجزرة 1988.
• ضرورة إجراء تحقيق کامل ومستقل في مجزرة عام 1988 والکشف عن المعلومات المفصلة حول مصیر کل ضحیة ومحاکمة الجناة.
• إجبار النظام على الاعتراف بجرائمه بواسطة المجتمع الدولي. وهو المطلب ذاته الذي دأبت عليه المقاومة الإيرانية منذ سنوات وعقود.
• تدخل المجتمع الدولي في حال لم یستجب النظام.
وهكذا فإن الرسالة تمثل بداية مسار سیؤدي إلى تشكيل محاكم دولية لمحاكمة قادة النظام.
نظرة على الصراع التاريخي!
تعود المواجهة بين مجاهدي خلق ونظام خميني إلى الأيام الأولى من استیلاء النظام علی دفة الحکم.
عمل مجاهدو خلق بجد لتجنب حرب مبكرة غير مقصودة. لکن في 20 يونيو 1981، فرض خميني الحرب على مجاهدي خلق وعلی الشعب الإيراني، وعزم علی تدمير مجاهدي خلق، وشرع في قمع الحریات وسلسلة غیر متناهیة من الاعتقالات والإعدامات.
وقد أصدر خميني فتوى بشأن ارتکاب مجزرة بحق مجاهدي خلق، راح ضحیتها أكثر من 30 ألف سجین سیاسي مجاهد ومناضل، أعدموا بشکل جماعي وبطريقة وحشية یکتنفها الغموض، في غضون شهرین إلی ثلاثة أشهر في عام 1988.
وبالتوازي مع سلسلة الاعتقالات والإعدامات والممارسات القمعیة، سعی خمیني إلی إبادة مجاهدي خلق عن بکرة أبیهم في إطار عملية همجیة واسعة النظاق، وإخفاء الحقیقة عن الأجيال القادمة.
لذلك قام نظام الملالي بتدمیر المقابر الفردية والجماعية للشهداء وسط تعتیم إعلامي، ومنع وسائل الإعلام الحكومية من ذکر أسماء المجاهدين (المنافقین بلسان الملالي)، وأعلن مراراً أنه قد قضی علی مجاهدي خلق بالکامل ولم یترك لهم أثراً!
ولم یقف النظام عند هذا الحد، بل تابع نهجه الإجرامي إزاء مجاهدي خلق خارج حدود إیران، حیث دشن آلیة الإرهاب والقتل بأکثر من 200 سلسلة من العمليات الارهابية والهجمات الجوية والصاروخية والبرية في الأراضي العراقیة استهدف فیها مجاهدي خلق وأماکن إقامتهم. وفي حربه القذرة ضد من یسمیهم بالمنافقین والمفسدین،جنّد العدید من المرتزقة والخونة المتعطشين لدماء مجاهدي خلق وقدم لهم الدعم المالي والنفسي. ولم یدخر جهداً في شیطنة حرکة مجاهدي خلق ووصمهم بالإرهاب وإطلاق تسمیات قبیحة علیهم.
ووفقاً لمنطق الملالي المضلل وما یروج له إعلامیاً من أکاذیب وترهات، يجب أن یکون کوکب الأرض الیوم خالیاً تماماً من مجاهدي خلق وأنصارهم!
الوفاء بالعهد واستمرارية الهدف (المثال)
یقوم هذا الإنجاز العظيم للشعب الإیراني وللمقاومة الإيرانیة علی أساس صمود ومقاومة الشهداء علی “مواقفهم” الخالدة، إذ أصروا على تعریف أنفسهم باسم “مجاهدي خلق” وقولهم “لا” لخميني حتی أعدموا بکرامة.
کما أن شرط هذا الانتصار یرجع إلی مقاومة مجاهدي خلق ورفقاء الشهداء المعدمین الذين واصلوا طریقهم في كل السنوات التي تلت مجزرة عام 1988، واجتازوا المشقات والصعاب، وخلقوا العديد من الملاحم، وحاکوا الضمائر الحیة في جميع أنحاء العالم وهم یصرخون بأعلی صوت مطالبین بتحقیق العدالة ومحاسبة الجناة، إلی أن أوصلوا المجتمع الدولي الیوم إلى مرحلة متقدمة یكتب فيها سبعة من المقررين الخاصیین للأمم المتحدة رسالة یدعون فیها المجتمع الدولي إلى محاسبة نظام الملالي.
الرسالة التي قالت عنها السيدة مریم رجوي، الرئيسة المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية: “رسالة خبراء الأمم المتحدة عائق في طریق أولئك الذین يحلمون بإعادة إحیاء سياسة الاسترضاء داخل النظام وخارجه”.
رافقت تلك المجزرة المروعة مؤامرة من الصمت والإخفاء. فقد أخفى الملالي أسماء الذين تم إعدامهم وأماکن دفنهم، والتزم شركاؤهم الصمت داخل البلاد، وكان غض الطرف عن هذه الجريمة الکبری عنصراً أساسياً في سياسة الاسترضاء الدولية.
وقد أدى هذا الصمت إلى فرض رقابة كاملة على حراك المقاضاة التي بدأها مجاهدو خلق منذ الأسابيع الأولى التي تلت المجزرة، وعدم الرد علی مطلباتهم المتتالیة.
ضرورة إحالة ملف مجزرة عام 1988 إلى مجلس الأمن
لنسمع من السيدة مريم رجوي ما هي مطالب الشعب والمقاومة الإيرانية في هذا الصدد؟
“إرادة الشعب والمقاومة الإيرانية وأقارب الشهداء تتمثل في إحالة قضية هذه الجريمة إلى مجلس الأمن الدولي وإقامة محكمة دولية. يجب إنهاء حصانة خامنئي وبقیة قادة النظام. الحکام الحالیون في إیران لا سیما خامنئي وروحاني ورئيس القضاء، الجلاد إبراهيم رئيسي، والعدید من الوزراء والمدراء في قضاء الفاشیة الدینیة ومخابراتها وقوات الحرس متورطون في مجزرة السجناء السياسيين في عام 1988 وفي جميع عمليات الإعدام في الثمانینات. لذلك يجب تقديمهم للعدالة لارتکابهم جرائم ضد الإنسانية”.
مضیفةً “نحث كل الدول على دعم إحالة ملف هذه الجریمة المستمرة ضد الإنسانیة إلی مجلس الأمن الدولي”.
إذن نحن أمام منعطف حاسم في تطور حراك المقاضاة لدماء الشهداء، وضع قادة النظام علی بعد بضع خطوات من “المحاکمة” لارتکابهم “جرائم ضد الإنسانية”!
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…