د. محمود عباس
الأغلبية الكوردية المطلقة يدعمون المفاوضات، ويتمنون لها ولهم النجاح، ويأملون في تشكيل هيئات تمثل الشعب الكوردي، وفي كل المجالات، قلة من هم ضدها، بينهم من يتمنون فشلها، وهم شريحتين، المعارضون بشكل مباشر، ودون مواربة، وآخرون يعملون بشكل خفي ولا يتجرؤون على المواجهة. حججهم معروفة، مثلما هي حجج الأطراف المتحاورة حول إطالتها وما يصدر عن الجهتين من التصريحات الاستفزازية، وغير المطمئنة.
الشعب الكوردي بعفويته يجد أن الاتفاق، جسر متين لبلوغ الغاية، والسند الأهم للحصول على الدعم الدولي، وخلق قوة ذاتية على سوية ثقل الأمة، لا يبالون فيما يقال عن هوية أحد الأطراف، أو مع من يتعامل الطرف الأخر. فحسب الهيئات الدولية والقوى الإقليمية المتربصة بأمتنا تدرج الأولى كقوة كوردية، رغم تكوينها عسكريا وفي الإدارة من كل مكونات المنطقة، فمهما ادعت الأممية وغيرها من المسائل الإيديولوجية الطوباوية، تظل هويتها غير ما تريد أن تكون عليه، وسيتم التغاضي عن ارتباطات الطرف الثاني الخارجية، فيما إذا اتفقا.
وبما أن الأغلبية المطلقة مع إنجاح المفاوضات، فالفشل ومن أي طرف كان، ستكون طعنة في القرار الجمعي لأمتنا، وبالتالي شبه خيانة، وعليه نأمل ويأمل شعبنا أن تعود المفاوضات وغاية أنجاحها في جعبتهم، حتى ولو كان الطرف الدولي الحاضن أو الداعم غائبا حاليا عن الساحة، فالنتيجة الإيجابية ستجذبهم، وسيقدرون فيما لو تمخضت عنها هيئات مشتركة.
لا شك في حال الفشل، ستتصاعد الاتهامات من الطرفين، وكل جهة ستقدم مبرراتها وحججها، وهنا لا يهم الشعب، أي طرف هو المذنب، بقدر ما سيقف على أن الأحزاب الكوردية أعادت تجارب الفشل التاريخي المتتالي، وربما تأخير حل قضيتنا إلى قرن أخر، وربما بعد عقود قادمة ستكون المفاهيم والجغرافيات القومية قد انعدمت. وبالتالي سنظل شعب يتم التلاعب بتاريخنا ولغتنا وأدبنا وفننا، وستنهب موارد جغرافيتنا وسنستمر العيش في الذل والفقر دون رادع. والسبب جهالة البعض المفضل المصالح الحزبية على الوطن، وسذاجة البعض في توسيع الصراعات على خلفية الإيمان المطلق بمفاهيم تنبذ الكوردي الأخر، فنحن وبأغلبيتنا نندرج تحت هذه الخانة، كثيرا ما نقف على مفهوم نجده المطلق، وعندما نتركه نهاجمه بالمطلق، ونؤمن من جديد بالمطلق، لا نعرف المساومة، وجميعنا نتبجح بالديمقراطية، وهي أكثر القيم غائبة عندنا في الواقع العملي.
ما سيحصل في حال تحالف الطرفين المتفاوضين، وتمكنا من تشكيل هيئات مشتركة تمثل الشعب، أو العكس:
قبلها علينا أن ننوه أننا نعول على الطرفين، علما أنهما لا يمثلان سوى جزء بسيط من الشعب الكوردي، لكن هناك قوى خارجية فضلوهما على الأطراف الأخرى وفرضوهما على الساحة الكوردية، علما أنه هناك قوى وطنية أفضل وأصدق من كليهما، لكنهما لا يستطيعان تقديم الخدمات للقوى الخارجية مثلما يقدمها هذين الطرفين، مع ذلك وكبعد سياسي علينا دعمهما، على أمل أن يكونا مقدمة لتوسيع المفاوضات وشراكة الأخرين، وبالمناسبة خلفيات التباطؤ وتمرير الزمن هي بسبب تضارب المصالح وأجندات الأخرين، لكنها تغطى بعباءة مطالب الشعب، وهذه بحد ذاتها، عند دراستها، تتبين أنها مطالب حزبية.
1 رغم أنني لا أعطي أية أهمية لمسيرة كتابة الدستور السوري الجاري في جنيف، والتي هي الأن في جلستها الرابعة، والممتدة على الأغلب إلى ما لا نهاية، فيما لو لم يتم وضع حل نهائي للسلطة الحالية والمعارضة بكل أشلائها، وبالتالي ستكون هناك جولات عديدة كالمؤتمرات المنعقدة من أجل مستقبل سوريا، والمعادلة الكوردية ستظل كما هي ما دام وفدهم بهذا الحجم من التمثيل. فلو كانت هناك هيئة كوردية مستقلة، تمثل المنطقة، من عفرين إلى ديركا حمكو، لكانت للمطالب والأوراق الكوردية ثقلها، ولما تمكنت اللجان المتحاورة التغاضي عنها، ولما اعتمدنا على ما ستقدمه تلك اللجان من بنود على أنها وطنية تتضمن مطالب الكورد، وهي على الأرجح ستكون محصورة في حقوق المواطنة، والتعليم في بعض المدن والقرى باللغة الكوردية، وهي أقصى ما يمكن توقعه، وحيث الوفد الكوردي من شخصين، وهما يمثلان منظمة من بين سبع منظمات تتكون منها هيئة المفاوضات العليا، مع غياب الكورد في النصف الأخر؛ حيث السلطة.
أي أن الوفد الكوردي لا يمثل سوى نسبة أثنين بالمائة، ولهذا يلاحظ عدم الاهتمام بما سيقدمه المحاور الكوردي، وحتى لو تم تقديمه، فسيخسره في العملية الديمقراطية، في الوقت الذي يتطلب فيه من الكورد تقديم أوراق ببنود ثابتة، بعضها كانت من ضمن مطالب الثورة السورية قبل أن تغتصب، وعلى رأسها لا مركزية السلطة، وقد تبنى الشارع الكوردي النظام الفيدرالي للمنطقة ولسوريا عامة، وقد قدمناها نحن في المجلس الوطني الكوردستاني-سوريا، مركزها واشنطن، كمشروع للدول الكبرى أمريكا وروسيا، في عام 2008 وثانية 2014م ولم يتم الاعتراض عليه، والدولتين في البدايات، عندما كانت الثورة على النظام، طرحوها كحل لقادم سوريا.
وتحت هذا البند فيما إذا تم فرضه، سيدرج الكثير لاحقا، كقضية الجغرافية الكوردستانية، والتغيرات الديمغرافية، وقضية مستعمرات الغمر وأراضي الفلاحين الكورد، وغيرها من القضايا الرئيسة. وهنا، وللشفافية أمام الشعب، وبما أن الوفد الكوردي الأن ضمن المتحاورين، فليتهم يقدمون للشعب أوراقهم التي عرضوها على طاولة الحوارات، أو التي قدموها لوفد هيئة الأمم المتحدة، والنتائج التي حصلوا عليها.
فكما بلغنا من مصادر، ما تم تقديمه، لا تتجاوز بنود خجولة تبحث عن حقوق المواطنة بجذورها القانونية، وعلى أن سوريا تحتضن عدة قوميات وأديان، ولم يتطرقوا إلى اللا مركزية السورية ولا إلى الفيدرالية، ولا إلى الدولة الإتحادية (المصطلح الذي تم إدراجه كتلاعب من قبل بعض أطراف المعارضة المدعية بالوطنية) ولا حتى إلى إدارة ذاتية كوردية، كما لم يعرض على أن الكورد شعب يعيش على أرضه التاريخية، ولنفرض جدلاً فيما لو تم تقديمه لاحقا، فما هي نسبة قبولها من وفود الطرفين المتحاورين؟ ونسبة الكورد بينهم أثنين بالمائة.
2- فيما لو المفاوضات ناجحة، على الأغلب، لما تاجرت روسيا بالمنطقة الكوردية على جنوب إدلب مع تركيا ومنطقة ناكورني كارباخ، المتوقعة من قبل المراقبين اجتياح تركي ومعارضة لمنطقة عين عيسى أو غيرها، كما ولما شاهدنا لامبالاة الأمريكيين حيال ما يجري الأن في منطقة نفوذهم، ولما قدمت روسيا عروضها المذلة على قسد لصالح سلطة بشار الأسد، والتي تتبين على أن تركيا تعمل بدورها لعودة السلطة أو المعارضة إلى المنطقة الكوردية. وعلى الأرجح هذه التحركات من قبل روسيا والجمود الأمريكي هي نتيجة معرفتهم أو توقعهم فشل الطرفين المتفاوضين حتى الأن (الأنكسي وأحزابها الوهمية الجديدة مع الـ ب ي د والأحزاب التي شكلتها) وقد نوهنا إلى أن الدول الكبرى لن تضغط أكثر من حضورها جلسات المفاوضات، ولكنها تراقب، ونتائج فشلهم ستكون وخيمة، وتجربة جنوب كوردستان أكثر من واضحة، قضية الاستفتاء ونتائجها.
3- لتعلم الأحزاب المتفاوضة، والتي تظهر ذاتها كطرفين، أن منهجية مفاوضاتهم، تعني فشلهما، وفي المقدمة تلام أو ستلام الإدارة الذاتية وأحزاب القوى الديمقراطية الكوردية وعلى رأسهم الـ ب ي د لكونهما يملكان (الإمامة-الدولة العميقة) والسلطة.
4- وهذه تعني أنهما سيخرجان من الساحة بدون أن يجدا سندا دوليا، بل تعني نهاية المنطقة الكوردستانية، ومن المؤلم القول إنها قد تكون نهاية الإدارة الذاتية عاجلا أم آجلا. والدستور المفاوض عليه الوفد الكوردي الهزيل، خالي الوفاض من أي حق كوردي شرعي، ربما باستثناء حق المواطنة كما ذكرنا، وهذه ستكون منة من المعارضة.
وبالتالي ما قد يخلفونه ستكون كارثة أخرى على شعبنا، ولن تكون هناك أية إدارة ذات أمة ديمقراطية، ولا أممية ولا كوردستانية، وعلى هذا يمكننا الحوار عليه مطولا، نبنيها على مخرجات حوارات، وتصريحات من خلف الكواليس. ونقول عكس ما يقال (لا عذر لم أنذر) وكلنا أمل أن نكون على خطأ.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
8/12/2020م