قراءة سريعة في كتاب الرئيس بارزاني – بو ميزوو –

صلاح بدرالدين
تصفحت الكتاب الجديد للأخ الرئيس مسعود بارزاني بعنوان : – بو ميزوو – وبالعربية للتاريخ  المنشور باللغة الكردية ومقدمة الكتاب التي كتبها المؤلف يوجز مضمون الكتاب بشكل مكثف حيث تتضمن سردا تاريخيا موجزا منذ تقسيم بلاد الكرد بين الصفويين والعثمانيين ثم بين أربعة دول بعد اتفاقية سايكس – بيكو وكان الكرد طوال تاريخهم دعاة سلام والعيش المشترك مع الشعوب الأخرى بسلام ووئام وقد خلفت الاحداث تلك  منذ قرن مضى  وحتى الان واقعا جديدا بحيث برزت خصوصية كل جزء وبواقعه المعاش وحتى بطريقة حل مشاكله وإمكانية استفادة كل الأجزاء من تجارب البعض الاخر عبر الحوار السلمي والاحترام المتبادل .
  ويوضح الكاتب مسبقا أن هذا الكتاب يبحث في تطورات الحالة الكردية في كردستان العراق ورغم المآسي والكوارث تقدمت وبرزت قضيته  واستحوذت على الاهتمام الإقليمي والعالمي ووجدت أصدقاء ضمن القوى الوطنية العراقية  العراقية .
قبل ٢٠٠٣ كان الوضع اشد سوءا وبعده هناك كردستان فيدرالي ودستور متوافق عليه الدولة الديموقراطية الفدرالية اتخذت الطابع الطائفي الثنائي وبعد ٢٠٠٥ تخلى الحكام عن روح الدستور وضربوا عرض الحائط كل التوازنات والمبادئ المتفق حولها وأخلوا بالتوازنات القائمة.
 كان لابد من موقف كردي مسؤول جوابا على تراجع الحكام الجدد وتخليهم عن مواد الدستور لذلك كان لابد من معرفة ماهو موقف شعب كردستان ؟ هل يجب ان يبقى هامشيا وملحقا ويرضى بالواقع المرير ؟ ام يرفع الصوت امام المجتمع الدولي والعالم ويحدد مصيره المستقبلي ؟ .
  تم تقسيم كردستان بعد معركة – جالديران – بين العثمانيين والصفويين وفي العام ١٩١٤ وبمشاركة الشيخ عبد السلام الثاني البارزاني تم  رفع مذكرة للسلطان العثماني حول بعض الحقوق القومية – مما جلب غضب السلطان واحرق بارزان  بعيد قيام شيخ عبد السلام بارزاني ومار شمعون الآشوري واندرانيك باشا الأرمني بالذهاب الى تبليس ولقاء ممثل القيصر الروسي والحديث حول دولة فدرالية مشتركة من الكرد والارمن والاشوريين وكان ثمن ذلك – اعدام الشيخ عبد السلام ثم كانت اتفاقية – سايكس بيكو – و – معاهدة سيفر –  .
 وبعد تشكيل الدولة العراقية وضم الموصل اليها  ثم انهيار الإمبراطورية العثمانية وقيام الجمهورية التركية بزعامة كمال اتاتورك  وابرام– معاهدة لوزان – تطورت الأوضاع الكردية نحو الأسوأ وخرج الكرد من المعادلة بلاشئ ولم يستكين الكرد بل واصلوا كفاحهم التحرري .
  ثورة  أيلول ١٩٦١
بعد ثورة الرابع عشر من تموز وقيام الجمهورية العر اقية  ١٩٥٨  تنفس الكرد الصعد اء وتخللت العلاقات بين المد والجزر مع العهد الجديد وسرعان ما تحول الوضع الى قتال ثم مفاوضات الى ان اندلعت الثورة الكردية التحررية الديموقراطية بقيادة مصطفى بارزاني تحت شعار الديموقراطية للعر اق والحكم الذاتي لكردستان ثم سقطت حكومة الثورة وتتالت حكومات شوفينية على مقاليد الحكم وخصوصا حزب البعث الذي قرر إبادة شعب كردستان واستخدم من اجل ذلك السلاح الكيمياوي وحملة الانفال وتصفية آلاف البارزانيين واستمر نظام البعث في تغيير التركيب الديموغرافي لمناطق كردستان . 
 مخطط إبادة الكرد في العراق
واندلعت الانتفاضة في سائر مناطق كردستان بدءا من ١٩٩١ وحرر الثوار المناطق والمدن ولم يعد أي وجود للسلطة في كردستان ثم أجريت الانتخابات البرلمانية وأعلنت الفدرالية بإرادة شعب كردستان .
مؤتمر المعارضة العراقية وسقوط النظام السابق
 مؤتمر لندن ٢٠٠٢ ورؤيته لعراق جديد فدرالي ديموقراطي ثم بعد ذلك مؤتمرات أخرى للمعارضة الى حين سقوط الدكتاتورية عام ٢٠٠٣ بعد التدخل المباشر من جانب الولايات المتحدة الامريكية ثم دستور جديد عام ٢٠٠٥ وصودق عليه من جانب جميع القوى السياسية التي كانت معارضة في يوم ما ولكن  للأسف الحلفاء الشيعة لم يلتزموا بذلك الدستور خاصة – المادة ١٤٠ – . 
  حرب داعش 
  السياسات الخاطئة للحكومة العراقية والفساد المستشري دفعت العراق نحو الهاوية وسبق وان حذرت المالكي من خطر داعش حيث سيطر على الموصل ووسط العراق وحاصر بغداد ولكن كان له هدف احتلال كردستان مستغلا بعض الثغرات مثل نقص الموارد والأسلحة الحديثة حيث لم تسمح لنا الحكومات العراقية من الحصول عليها وسيطر على المناطق المتنازع عليها التي كانت تحت سلطة الحكومة وقد تصدت له قوات البيشمةركة وقدمت اكثر من ١٩٢١ شهيد  ١٧٥٧ جريح و٦٣ اسير والحق داعش اذى كبيرا بشعب كردستان -بما في ذلك كارثة شنكال ومأساة أهلنا الازيديين المعروفة ببشاعتها وطابعها الاجرامي . 
الكرد يفقدون الامل من العراق الجديد
بعد ٢٠٠٣  وفي قلب المعركة ضد داعش حاول البعض من المجموعات والتيارات العراقية الشوفينية العنصرية اثارة العداء ضد الكرد وفرض قيود حتى على وسائل العيش ومستحقات الإقليم . 
 زيارة أمريكا
 التشجيع الأمريكي لحق تقرير المصير كان متواصلا خاصة من جانب نائب الرئيس بايدن وغيره من المسؤولين وبعد العودة شرحت التفاصيل للأحزاب الكردستانية.
زيارة بغداد 
– خاطبت القادة الشيعة المسيطرون على الحكومة والقرار السياسي والجيش والامن لقد فشلنا في تحالفنا لمرتين وعلينا البحث عن طريق اخر مابعد داعش وكانت رسالتي لهم واضحة . 
قرار الاستفتاء
رسالتي لبغداد لم يغير الوضع نحو الأفضل ثم لكوني رئيس الإقليم اخبرت برلمان كردستان بضرورة التهيئة للاستفتاء وبعد ذلك علمنا بنيات مبيتة من القوى العراقية والحشد بالتقدم نحو كردستان بعد تحرير الموصل وفي الأعوام الماضية اخترقت الحكومات العراقية ٥٥ مادة من الدستور المتعلقة خصوصا بالكرد وكردستان.
في السابع من حزيران ٢٠١٧ وفي لقاء رئاسة الإقليم مع القوى السياسية في الإقليم تقرر اجراء استفتاء تقرير المصير في ٢٥ أيلول سبتمبر – وبموافقة كل من : ( البارتي الديموقراطي الكردستاني  -الاتحاد الوطني الكردستاني – الاتحاد الإسلامي الكردستاني –الحزب  الشيوعي الكردستاني – الاشتراكي الديموقراطي – زحمتكيشان – العمال والفلاحين – الإصلاح – القائمة التركمانية لاربيل – الجبهة التركمانية – االتقدم التركماني – قائمة الأرمن – الحركة الديموقراطية الاشورية – مجلس شعب الكلدان – سريان – وتم تشكيل الهيئة الخاصة للاستفتاء  بتمثيل معظم القوى . 
العمل بالمجال الخارجي 
اجتماع سحيلا مع ممثلي الحلفاء كان هناك  تاييد الاستفتاء من حيث المبدأ ولكن المطالبة بالتأجيل بالوقت ذاته ورغم كل الضغوط وحتى التهديدات من جانب من كانوا أصدقاء وحلفاء خصوصا الطرف الأمريكي وبدور سلبي واضح من السفير الأمريكي بالعراق وممثل الرئيس – ماكغرف – قررنا اجراء استفتاء تقرير المصير وكانت النتيجة :  ٩٢،٧٣ ٪ مع استقلال كردستان.
ردود فعل الحكومة العراقية  الشوفينية اخذت مداها وتحركت لايذاء شعب كردستان بالتهديد العسكري وبشق الصفوف والاغراءات لبعض ذوي النفوس المريضة الذين اصطفوا الى جانب الأعداء في ١٦ أكتوبر وحاولوا الالتفاف على انجاز الاستفتاء الذي نجح بامتياز وقرر شعبنا مستقبله الذي يتمناه . 
  
ملاحظات سريعة على مضمون الكتاب :
  أولا – الكتاب كما يبدو من عنوانه هو رسالة وتوضيح موقف من المؤلف الى التاريخ والأجيال القادمة وتقديم فاتورة مراحل كاملة وهو في قمة هرم القرار الى شعبه وفي الوقت ذاته اعداد مسوغات وأسباب مبررة للاقدام على عملية استفتاء تقرير المصير بالرغم من مخالفة الأصدقاء والحلفاء على التوقيت مستذكرا بصدق أن حلم تقرير المصير يظل ملازما منذ الشيخ عبد السلام مرورا بنهج الزعيم الراحل مصطفى بارزاني وحتى الآن .
  ثانيا – مايستشف من بنود الكتاب أن المؤلف وهو زعيم شعب وفي الموازنة بين المبدئي الثابت والموضوعي العصي على التغيير في هذه الحالة المشخصة بالذات اختار المبدئي بالرغم من العواقب ويستحضرني الآن رأي الدبلوماسي والقيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني الصديق الاستاذ هوشيار زيباري في احدى محاضراته بمؤسسة بحثية باربيل العام المنصرم الذي قيم فيها عملية الاستفتاء باجراء مبدئي وحق ألحقت بعض الأذى الوقتي بشعب كردستان وكانت بالوقت ذاته لصالح الحزب الديموقراطي وقيادته وشعبيته الجماهيرية .
ثالثا – تأكيد المؤلف على خصوصية كل جزء من كردستان من حيث الأهداف والمطالب ووسائل النضال واحترام هذه الخصوصية بات من المسلمات الواجبة مراعاتها مع الاخذ بعين الاعتبار عدم التدخل بشؤون البعض الآخر بل الاستفادة من تجارب البعض .
رابعا – واضح من التجربة النضالية الطويلة بحلوها ومرها  للمؤلف التي تتجاوز نصف قرن أنه يميل الى الاعتقاد وخصوصا بعد ( نجاح عملية الاستفتاء بدون تحقيق الهدف ) ومن ثم العودة الى بغداد العاصمة الفدرالية أن لا طريق لحل القضية الكردية في كل جزء الا بالتوافق والتفاهم مع شعوب كل بلد وعبر التفاعل مع النضال الوطني الديموقراطي المعادي للدكتاتورية والاستبداد .
خامسا – بحسب فهمي لموضوعات الكتاب فان الشيعية السياسية في العراق وخارجه التي يتولاها المرشد الأعلى الإيراني كانت العقبة الأساسية أمام طموحات شعب كردستان العراق والسبب في إيذائه وحتى في انقسام الحركة الكردية من الداخل وذلك لاينفي طبعا الدور التخريبي المماثل للاسلام السياسي السني .  
سادسا – لقاء – تبليسي – الثلاثي الكردي – الأرمني – الآشوري مع ممثل القيصر الروسي ( ١٩١٤ ) من أجل إقامة فدرالية مشتركة الذي يذكره المؤلف معلومة جديدة بالنسبة لي ولأهميتها القصوى تحتاج الى متابعة وتفسير والتوسع في جوانبها المختلفة وفي تحديد مصادرها للقراء والمتابعين.
سابعا – بحسب فهمي وقراءتي للكتاب ولموضوع الاستفتاء بالذات توصلت الى تصور وهو مدى تقدم الشعب على أحزابه ففي حين صوت مايقارب الكل على استفتاء تقرير المصير وقفت قيادات أحزاب ضد الاستفتاء سرا بل حبكت المؤامرات ضده بالرغم من اضطرارها الى ركوب الموجة علنا وهذا مايدعونا الى الاستجابة لضرورات إعادة بناء الحركة الكردية على أسس ومفاهيم جديدة ونبذ التحزب وتبعية قياداتها للمراكز المعادية لارادة الشعب الكردي في كل جزء.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…