رسالة من مواطن كوردي إلى زعماء المعارضة السورية

جان كورد *
 بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (الحجرات-6)
السادة الأكارم في المعارضة السورية
السلام على من اتبع الهدى وخشي الرحمن بالغيب
إلى الزعماء الذين تسنّموا مناصب قيادية في المعارضة التي تأمل في أن تحكم البلاد السورية في المستقبل، ومنهم السادة أحمد طعمة ونصر الحريري و أنس العبدة وسليم ادريس على وجه الخصوص.
أريد التوجّه إليكم ببعض الأسئلة كإنسانٍ سوري لا زال بعد 42 عاماً من الغربة المستمرة عن موطنه يأمل في العودة إلى حيث سوريا حرة، ديموقراطية، عادلة ترفرف عليها رايات الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والتآخي والمساواة دون تمييز بسبب العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس. وظل يأمل طويلاً في أن تختلف المعارضة عن النظام في كثيرٍ من الأمور والسياسات والرؤى المستقبلية. وأعلمكم منذ البداية بأنني أكتب باللغتين الكوردية والعربية ولي العديد من الروايات والدراسات والمساهمات في النشاطات الديموقراطية وأنني من الذين سجنوا لمراتٍ عديدة في المعتقلات الشهيرة كالآمرية والمزّة وسجن القلعة في دمشق والسجن المركزي في حلب وسواها لأسباب سياسية، واتخذ أهل الحكم بحقي إجراءتٍ قاسية منها الطرد من الوظيفة والتجريد من الحقوق المدنية ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، فلا يظنن أحد أنني من الذين هادنوا النظام الأسدي أو وقفوا إلى جانبه ضد الشعب السوري، كما ستجدون لنا العشرات من المقالات باللغة العربية مشحونة بالنقد للحركة الوطنية الكوردية بشكلٍ عام، ومنها حزب العمال الكوردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديموقراطي، وساهمت في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا واقليم جنوب كوردستان في مؤتمرات عديدة منذ عام 2004 بصدد أوضاع المعاناة التي يعيشها الشعب السوري عامةً والكوردي خاصةُ،  ولي العديد من المقابلات التلفزيونية في الإعلام الكوردي، كما ساهمت في المؤتمر الأوّل الشهير للمعارضة السورية في أنتاليا… ولم أتابع نشاطي لأسبابٍ شخصية، فلا يتهمني أحد بموالاة هذه الجهة أو تلك، فأنا مع الحق أينما كان ومن الذين يؤمنون بالمقولة الشهيرة:”ضع رأسك على صدر الشعب ولا تخف.”                      
كما تعلمون، فإن على السوريين تقديم وثائق ومستندات وصور وفيديوهات موثوقة عن الجرائم التي ترتكب في سوريا ضد الإنسانية، من قبل أي جهةٍ كانت، كوردية أو عربية أو من التنظيمات الأجنبية والجيوش المتنافسة على الأرض السورية، وهذا واجبٌ وطني وإنساني يقع على عاتق كل محبي الإنسانية في العالم. ومن الضروري أن تكون تلك المعلومات مثبتة بوقائع وحقائق دامغة لأن المجتمع الدولي يريد منا قول الحقيقة عما جرى ويجري حقاً في سوريا، والتهم الفارغة التي يطلقها هذا أوذاك من المتحاربين لا تغني ولا تسمن من جوع، وليست لها قيمة قانونية أثناء وضعها على المحك أو السعي لغربلتها بجدية. 
أولاً- لقد اتهم العديد منكم حزب الاتحاد الديموقراطي الذي أنا من معارضيه بشدة في معظم سياساته، بأنه حزب “إرهابي”، وعلى الرغم من أن ليس للإرهاب من تعريف دقيق وموّحد في عالمنا اليوم، فالكورد يتساءلون: كيف تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية، وهي ذروة سنام النظام الديموقراطي في العالم، مع هكذا حزب إرهابي وتسعى لتوحيد الخطاب الكوردي السوري من خلال إحداث “تفاهمات” بين هذا الحزب ومجموعة من الأحزاب الكوردية الديموقراطية المشاركة معكم في هيئات المعارضة السورية؟ فهل لكم تقديم أدلة ومعلومات مدعومة بوثائق وصور وفيديوهات عن العمليات الإرهابية التي تزعمون أن هذا الحزب ارتكبها بحق المواطنين السوريين؟ مثل هذه التوثيقات – إن وجدت لديكم- ستنفعنا في وضعها أمام سائر المنظمات الدولية المهتمة بسوريا، وكذلك بعض المنظمات الكوردية السورية الفعّالة في هذا المجال ك”هيئة العمل من أجل عفرين” التي تعمل في أوروبا وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا… وتعاونكم معنا في تقديم ما لديكم من اثباتات بصدد “إرهاب” حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يعتبره بعض رموزكم أخطر من “داعش” سيكون خطوةً جيدة في مجال التنسيق بين الكورد والعرب المناضلين من أجل القضاء على الإرهاب في سوريا.
-ما أسماء القرى التي طرد (قسد) منها العرب أو التركمان، مواقعها وعدد مواطنيها وأين هم الآن وهل بإمكاننا إجراء تحقيق ومقابلات مع المطرودين والمهجرين منها بشكل عملي وفعلي؟
– ما هي العمليات الإرهابية التي قام بها هذا الحزب، سواء ضدكم كمعارضة سورية أو ضد سيدكم الخليفة التابع لآتاتورك المعادي لدينكم أو ضد العرب أو ضد التركمان. هل لديكم اثباتات بتلك العمليات أم كلام أجوف تطلقونه يا سادة العرب عندما تزعمون بأن (حزب الاتحاد الديموقراطي أخطر من داعش!).
– في أي وثيقة كوردية، وبأي لغة وأين وجدتم اثباتات عن وجود تنظيم كوردي انفصالي في سوريا؟ فهل تساعدوننا في العثور على هكذا تنظيم طالب بانفصال أو استقلال كوردي؟ ولعلمكم بأن نظام الأسد كان يلقي التهمة التالية على كل المعتقلين الكورد الوطنيين، من أي حزب كانوا: “العمل على ضم جزء من سوريا العربية إلى دولة أجنبية!” من دون ذكر اسم تلك الدولة الأجنبية. أو التهمة التالية: “العمل على الانفصال المدعوم من اسرائيل!” فها أنتم العرب صرتم في وضح النهار شركاء لاسرائيل وها أنتم مع احتلال دولة أجنبية لشمال سوريا… 
أهذا هو الدين الذي تؤمنون به؟ أهذه هي الديموقراطية كتلك التي يمارسها معلمكم الخليفة في جبل الكورد (عفرين)؟
نحن الكورد الذين عانوا من إجرام وإرهاب ما يسمى بقوات المعارضة السورية، وبخاصة في منطقة جبل الكورد (عفرين) لدينا كميات هائلة من الصور والفيديوهات والقرارات، بل الفتوى الظالمة لشيوخ الإرهاب، التي حوّلت المنطقة إلى جحيم لا يطاق ومورس فيها التغيير الديموغرافي في ظل الاحتلال الأجنبي، وقد قدمنا كل تلك المعلومات لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ثم صدر تقرير من الأمم المتحدة يدين أفعال أتباعكم وأحزابكم وفصائلكم حاولتم عبثاً إنكار مضامينه الدامغة ففشلتم، فهل لديكم صورة واحدة تثبت أن كوردياً اقتحم دار مواطن عربي أو تركماني وسلب منه ما فيه من أغراض، كما يفعل دواعشكم وحمزاتكم وعمشاتكم في القرى الكوردية، أو أن كوردياً من هؤلاء الذين تعتبرونهم “أخطر من داعش!” قد أنزل جماعة من العرب المسالمين من عربة وأطلق عليهم النار في وضح النهار؟ فكيف يستطيع الكورد البسطاء جمع أكداسٍ من الوثائق عن إرهاب أبطالكم المرتزقة وأنتم جيش المستقبل وحكومة المستقبل تفشلون في عرض بضاعتكم على المجتمع الدولي؟ أفلا تخجلون؟ 
ربما أنتم أطهر قليلاً من شيخ الحقوقيين الناكر للوجود القومي الكوردي في سوريا قبل مجيء أوجالان إليها، أو بسام جعارة الذي قال بأن الأمريكان جاءوا من أجل فتيات الكورد، أو أسعد الزعبي الذي ربما لا يدري أن الزعبيين من أصل كوردي وتفوح من عباراته رائحة الكره للشعب الكوردي أو الطراطير الآخرين من أمثال مصطفى السيجري وميشيل كيلو فتظهرون على شاشات التلفزيون وتباركون للمحتل الأجنبي احتلال أرضكم ورفع علمه على ذرى جباله ودوائر الحكومة وتغيير التعليم المدرسي والإدارة في مدنكم والتصريح العلني بأن هذه الأراضي جزءٌ من أراضي “الميثاق المللي”، فتغضون الطرف وتزعمون أن هذا وجه من وجوه “السياسة!” فيا لها من سياسة على قياس خضوعكم للمحتل والسكوت عن سلوكه. 
لقد أصبحتم مشردين أيها الغزلان التائهون بين مراعي ليبيا السنية وجبال أذربايجان الشيعية، ولربما ستحاربون قريباً في بلاد الأويغور في شمال الصين خدمةً للطورانية التي لا تخفي نواياها لاحتلال حلب والموصل وكركوك وضمها كولايات لدولة الخلافة العثمانية الجديد،ـ فمن يضحك على الآخر، أنتم المعارضون الديموقراطيون السوريون أم الخليفة الإسلامي الذي يقول بأن ليبيا من إرث أجداده، ويزعم الإسلامية في الوقت الذي يضع الزهور على قبر عدو الإسلام ويقدّس حضوره الدائم في دولته: مصطفى كمال الذي قال مرةّ: “الاسلام لاهوتٌ سخيف، صنعه بدوي بلا اخلاق، وهو جثةٌ متعفّنة تسمم حياتنا.”  وعمل طوال فترة حكمة على إزالة الدين الإسلامي دون غيره من الأديان في تركيا… نعم إنه لا زال أعظم المقدسات في البلاد التي يحكمها معلمكم الخليفة الجديد. 
ننتظر وثائق إداناتكم للإنفصاليين الكرد وإرهابهم، إذ هل من المعقول أن يكون هناك حزب أخطر من داعش وليس عنه أي وثيقة أو ثبوتية بمكن عرضها على مجلس حقوق الإنسان الدولي؟  
 الأول من أوكتوبر   2010
والسلام على من اتبع الهدى وخشي الرحمن بالغيب
 
*  روائي وناشط مدني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…