صلاح بدرالدين
نشطت وسائل الاعلام باليومين الأخيرين في متابعة ملف اتفاق الأحزاب الكردية السورية واعتبار قدوم المبعوث الأمريكي السيد – جيمس جيفري – الى القامشلي والحسكة ليشرف على اعلان الاتفاق فيما تتضارب الانباء وسط تكتم امريكي حول مدى صحة اشرافه المباشر على اعلان الاتفاق (العتيد الموعود) أو تكليف غيره بالمهمة خاصة وأن ماتسرب عنه يوحي بأن مهمته لا تقتصر على هذا الملف بل سيعمل جاهدا على اقناع كل الأطراف الكردية والعربية شرق الفرات للابتعاد عن النظام والروس والمضي قدما مع التوجهات الامريكية وتحت مظلتها.
اذا تركنا العموميات والتمنيات في الأوساط الشعبية بشأن موضوعة وحدة الكرد السوريين أو اتحادهم أو توحيد صفوفهم أو اجماعهم وهي بطبيعة الحال تنبع من مشاعر وجدانية إو قومية مشروعة مهما تباينت المنابت الاجتماعية والمناطقية والرغبات الخاصة ولاشك ان جميع شعوب العالم يتشاركون في مثل هذه الاماني المحقة الرامية الى السلام المجتمعي والوئام والعيش الرغيد والتطور الطبيعي نحو آفاق التقدم الاقتصادي والاجتماعي .
منذ عقود وفي مختلف المراحل وخصوصا مابعد الهبة الكردية الدفاعية الآذارية ( ٢٠٠٤ ) التي لم تسعف الظروف الذاتية والموضوعية لتتحول الى انتفاضة وطنية عامة حقيقية والتي أفرزت خلاصة واضحة بل درسا لن ينسى عن عجز الأحزاب الكردية بطبيعتها التنظيمية والفكرية والسياسية في قيادة النضال بجانبيه القومي والوطني وكذلك في الأعوام التي تلت اندلاع الثورة السورية حيث بات من حكم المؤكد أن تلك الأحزاب مضافا اليها حزب – ب ي د – الحديث العهد والمسميات الأخرى المرتبطة به لم تكن بمستوى الحدث السوري وغير مؤهلة لتمثيل الغالبية من الكرد السوريين وتحقيق طموحاتهم .
في خضم هذه الوقائع وضمن تلك الملابسات تعرضت الأحزاب الكردية الى هزات زلزالية وفقدت معظم أعضائها وأنصارها وبينهم مناضلون صادقون فقدوا الثقة ليس من قيادات أحزابهم فحسب بل من جدوى العمل الحزبي المتأخر عن الركب بمجمله وخسرت الأحزاب خيرة الكوادر مما ضاعفت من أزماتها الداخلية ودفعتها اكثر الى مهادنة النظام المستبد الى حدود بعيدة والى فقدان استقلاليتها في القرار السياسي والاعتماد الكامل على العامل الخارجي وهذا ما عطل آلية استيعاب مايجري من حولها ونضوب منابع الفكر والوعي وعدم القدرة على تحضير أجيال جديدة لقيادة النضال.
نهجان مختلفان في الدعوة الى ( وحدة الكرد السوريين )
منذ البداية اقتصرت مساعي ” الوحدة الكردية السورية ” على ارادتين ونهجين مختلفين واحد يتبناه الوطنييون المستقلون ومجاميع الشباب ومنظمات المجتمع المدني الناشطة أكثر بين الكثافات الكردية السورية بالمخيمات والبلدان الأوروبية والامريكيتين وأستراليا ( بحسب التقديرات هناك مايربو على أكثر من نصف الكرد السوريين يقيمون بالخارج ومعظمهم من الشباب وشاركوا في التظاهرات الاحتجاجية ضد النظام وتعرضوا للاعتقال ) وتميز وسط الوطنيين المستقلين حراك – بزاف – الذي قدم مشروعا متكاملا منذ أكثر من ستة أعوام من أجل إعادة بناء الحركة الكردية السورية من الأساس من خلال مؤتمر جامع بغالبية مستقلة ومشاركة الأحزاب ومازال مشروعه قيد النقاش والتداول عبر اللقاءات التشاورية التي عقدت بالمئات كما وقع عليه الآلاف عبر مواقع التواصل الاجتماعي .
لاشك أن المنطلق الأساسي لدعاة هذا النهج يستند الى رؤية تعتبر أن الحركة القومية – الوطنية الكردية لاتقتصر على الأحزاب خصوصا بعد مايقارب المائة عام على ظهور أول حزب منظم ومن دون اغفال الكم الهائل النوعي لإنجازات بعض الأحزاب وتراثها الثمين في الإصلاح وإعادة البناء والتعريف فكريا وثقافيا وسياسيا في الستينات والسبعينات والثمانينات فان التكاثر غير المبرر والانقسامات والتمحور حول أجندات خارجية قد أخل بالعمل الحزبي المتبع وأن الحركة أوسع من ذلك بكثير وتشمل جميع طبقات المجتمع الكردي وفئاته العمرية الى درجة أن الوطنيين المستقلين ضمن الجيل الناشئ من النساء والرجال لوحدهم يشكل الكتلة التاريخية الأهم في مستقبل الحركة وأن الأحزاب تحولت الى كتل مناطقية وعائلية وباتت مصدرا للمحاصصات المصلحية الضيقة ولم تعد موئلا للمناضلين الاحرار الى جانب انغماسها بمحاور وتورطها في علاقات مع نظام الاستبداد وكذلك القوى المحتلة لبلادنا .
من تلك الرؤيا فان أصحاب هذا النهج لايراهنون على إمكانية استمرارية الأحزاب بشكلها الراهن وطبيعتها في قيادة النضال الوطني الكردي السوري بنجاح لأنها لاتتمتع بالشرعية الشعبية ولا بالاجماع القومي ولم تنتخب من الشعب وليست مخولة في إقرار المصير السياسي للكرد السوريين بل يرون أن الأحزاب تعيش أزمات مضاعفة : أزمة تنظيمية أزمة الشرعية أزمة الفكر والموقف السياسي الى جانب الأزمة الثقافية التي تتمحور في عدم الثبات على مبادئ واضحة وحاسمة بشأن تعريف القضية الكردية وسبل حلها ومسائل استقلالية القرار الكردي والشخصية الكردية المستقلة وكذلك حول الموقف من نظام الاستبداد والبديل والعلاقة مع الشركاء السوريين بمختلف مكوناتهم وقواهم الديموقراطية المعارضة وبالتالي فانه من غير المعلوم على ماذا ستتفق الأحزاب من حيث الجوهر وليس من حيث شكل البيانات المنمقة.
أما النهج الآخر فتتبناه قيادات الأحزاب الكردية ( الخمسة والعشرون والعدد في ازدياد ) وترى أن في اتفاقها حول المحاصصة والتشارك في مسؤوليات ” الإدارة الذاتية ” والانضواء في ( الهيئة العليا أو المرجعية ) التي ستتشكل من نحو مائة عضو وستكون على الاغلب بمثابة هيئة استشارية لأنها ليست هيئة تشريعية منتخبة ولا تنضم الى الهيئات التنفيذية القائمة منذ أعوام تحت سلطة – ب ي د – .
الأمر الآخر غير المعلوم هو مدى مسؤولية– الهيئة العليا أو المرجعية – وحدود صلاحياتها بشأن القضيتين السورية والكردية وهل ستكون بحدود ( شمال شرق سوريا ) أو المحافظات الثلاث ( الحسكة – الرقة – دير الزور ) أم مختصة بكرد سوريا في مناطقهم الثلاث : الجزيرة وكوباني – عين العرب وعفرين ثم ماذا بشأن المعتقلين والمخطوفين وكذلك المسألتان العسكرية والأمنية في المناطق الكردية وكذلك السياسات التي تتبع بشأن الملف الكردستاني خصوصا إقليم كردستان العراق وحزب العمال الكردستاني .
هناك أيضا وعلى ضوء التصريحات الإعلامية المستقوية با ( الحليف الأمريكي ) الذي سيشرف على اتفاق الأحزاب وموقفه معروف على الأقل يقف ضد أي تمدد روسي في الساحة الكردية فماذا سيقول حول علاقات – الإدارة الذاتية – وب ي د – كأحد طرفي الاتفاق مع الجانب الروسي والالتزام بتعهدات تجاهه ؟ الى جانب علاقات – المجلس الكردي – مع أطراف أخرى قد لاتروق للطرف الآخر.
المسألة الأخرى تتعلق بتمثيل المستقلين والسؤال هنا هل ستنطلي ادعاءات الأحزاب على الجانب الأمريكي بأنها الممثل الشرعي الوحيد للكرد السوريين في حين أن الوطنيين المستقلين يشكلون كما ذكرنا أعلاه الغالبية الساحقة في مجتمعنا والغريب في الامر أن الطرفين الحزبيين أقنعا أنفسهما بأن يختار كل طرف ستة مستقلين ؟؟!! .
كما أرى وأعتقد بأن هكذا أحزاب لن تحقق أكثر ماهو مرسوم ومعلن ولعل الحسنة الوحيدة (وأتمنى أن تكون هناك حسنات أخرى) من اتفاق طرفي الاستقطاب الحزبي الكردي هي احتمال زوال التخندق والتوتر في الشارع الكردي وافساح المجال لعودة المهجرين والنازحين الى بيوتهم وأماكن عملهم وتعاد الدورة الاقتصادية كما كانت وأن تزال كل العوائق أمام حرية الصحافة والاعلام والفكر والرأي السياسي والتنقل من والى الخارج بكل حرية .
والخشية هنا لأصحاب الآمال المعقودة أن تحصل في الساحة الكردية أو في منطقة شمال شرق سوريا نوع من – خفض التصعيد – كما حصل في مناطق سورية أخرى باشراف الروس والإيرانيين ورضى النظام ومشاركة فصائل معارضة أو تتقرر إجراءات على غرار توصيات (أستانا وسوتشي) ثم تضمحل بمرور الوقت وكل ذلك لن يكون لمصلحة لا الكرد ولا العرب ولا المكونات الأخرى .
أما الأماني الكبرى وحتى المتوسطة فيبدو أنها مؤجلة ولن تتحقق الا بالعودة الى الشعب بإعادة بناء الحركة الكردية من جديد واستعادة شرعيتها وانتخاب من يمثلها لمواجهة التحديات القومية والوطنية وإعادة جسور التواصل والتضامن والعمل المشترك على الصعيد الوطني وإصلاح العلاقات الكردستانية وتنمية الشخصية الوطنية الكردية السورية المستقلة وإنجاز المهام والواجبات بدل تأجيلها أو ترحيلها الى المجهول .