كلنا مخابرات لذلك كلنا فاشلون

فراس حج محمد/ فلسطين
نشرت على صفحة الفيسبوك في 10/9/2011 رسما كاريكاتوريا نقلا عن صحيفة القدس العربي كان سببا في استدعاء المخابرات لي للتحقيق وكأنني كنت راسمه. كان موضوع الكاريكاتير حركتي حماس وفتح، ويتناول معارضي الحركتين في الضفة وفي غزة: “اللي بعارض حماس بروح النار، واللي بعارض فتح بروح الجنة. يا ابني اسمع مني وروح أمريكا”. هذا كل ما في الرسم الكاريكاتوري، وعلى رأي المثل: “بين حانا ومانا ضاعت الحنا”، وضاع المواطن بين الحركتين. لعلّه من نافلة القول إن هاتين الحركتين هما سبب رئيسي في ضياع الوطن وليس فقط المواطن. وستبدي لنا الأيام الكثير مما كنا نجهله.
على أية حال ليس لي تجربة كبيرة مع المخابرات الإسرائيلية أو الفلسطينية وصولا إلى المخابرات الأردنية. ولم أكتب عن هذا الموضوع سوى مرات محدودة: “رسالة إلى رجل المخابرات”. وأشرت إليه في واحدة من الرسائل، كما استفتحت كتاب “يوميات كاتب يدعى “X بالحديث عن المخابرات. بالمناسبة الحديث عن المخابرات ليس شهيا أبدا.
على العموم موظفو المخابرات والأمن الوقائي في كل دولة ليس في فلسطين فقط، أناس غير مهذبين بالمطلق، ففي داخلهم عنجهية كاذبة، ووهْم كبير، في أنه لا بد من التعامل مع الناس كأنهم كائنات تحت التصرف وتحت الهيمنة. رجل المخابرات ظل الله على الأرض. يحاول أن يكون إلها لكنه بالتأكيد إله فاشل!
بسبب هذا الرسم الكاريكاتوري الذي ليس له علاقة حصرية بالسلطة أو الحزب الحاكم فيها. تم استدعائي للتحقيق. على أية حال، لم يكن الرسم هو السبب أو الموضوع، لكنه هو الحجة غير المتقنة. لم يكن للمخابرات علاقة كبيرة بالأمر كما اكتشفت لاحقا، وإنما أحد المسؤولين التربويين الذي لم يكن تربويا هو من أراد “تأديبي” و”تخويفي” في هذا الاستدعاء كما كان يغلب على ظنه المريض. كان هذا المسؤول تافهاً في فعله وفي كل أفعاله، وسيظل تافها مهما علا واعتلى، فكرسيه ومن معه من شراذم الوظيفة العامة ما هو إلا فقاعة ستنفجر فيه وفيهم ويصبحون عراة منكفئين على وجوههم وهي ملتصقة بالأرض، فلا دوام لفاشل. هذا الصنف من المسؤولين له أعين وجواسيس يحصون على الموظفين أنفاسهم، جندوا الزميل ليتجسس على زميله، وجندوا الأذنة ليتجسسوا على الأذنة، والكل جاسوس على الكل، وصرنا نشهد تقارير كيدية في العمل كما هو الحال في تقارير المخابرات، إننا نعيش هاجس الدولة البوليسية في أحقر نماذجها المتخلفة.
لقد صار هذا الفعل الشائن أكبر نجاح للمخابرات فقد جعلت من موضوع ملاحقة الناس بعضهم بعضا مبررا أخلاقيا، فصارت المراقبة ضرورية ومهمة ولا بد منها، فصارت “المخابراتية” و”الجوسسة” نهج رئيس القسم والمدير والمدير العام والوزير والزوج والزوجة والأخ والأخت ومتابعي الفيسبوك، كما هو نهج زميلك في العمل التجسس وجمع المعلومات وتكديسها، حتى إذا جاء الوقت المناسب أطلق سهامه عليك ولا يبالي. كلنا مخابرات لذلك كلنا فاشلون.
موضوع المخابرات موضوع تافه، لا يستحق أن نكتب فيه أكثر من ذلك. معدتي بدأت تؤلمني لشعوري بالقرف.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…