نصائح نيلسون مانديلا للكورد يترجمها فوزي الأتروشي

الدكتور صلاح الدين حدو

     “يجب دمقرطة الحزب الديمقراطي الكوردستاني”
كلمةٌ ….

 إشعاعُ نورٍ :  أطلقها المفكر والسياسي الكوردي المخضرم الدكتور فوزي الأتروشي ، نزلت كقطرات الندى على أوراق الزمن الكوردي لتضيف لحراكه السياسي نضارةً هو الأحوج إليها، كي يتفهم المتغيرات الدولية المحيطة ويمتلك مقومات إحداث القفزة النوعية والضرورية للانتقال من عقلية وسلوك  مقاتل الجبال الفطرية من أجل حرية الكورد إلى عقلية الدبلوماسية العالمية وسلوكيات منتدياتها ، للحفاظ على خط المكتسبات الشرعية للكورد وتفعيلها ودفعها نحو الحدود القصوى للوصول إلى تحقيق أهداف وطموحات الشعب الكوردي التي طالما حرم منها نتيجة للصفقات و الحسابات الدولية من جهة وغياب بعض مؤهلات العامل الذاتي والموضوعي لدى الكورد في الماضي من جهة أخرى.
وبالانطلاق من الجزء إلى الكل تصبح : يجب دمقرطة الحراك السياسي الكوردي عبر تحديث جدي وعلمي ومؤسساتي للأحزاب الكوردية
لا شك بأن المكتسبات التي ينالها الشعب الكوردي اليوم هي نتاج طبيعي لجذوة النضال التي أبقاها متقدة عبر التضحيات الجسام التي قدمها  ولا يزال من جهة وعبر المتغيرات الدولية التي ترسمها القوى الكبرى المسيطرة على العالم في تحديث مخططاتها اليوم من جهة أخرى .
إن اللاعبين في النادي السياسي العالمي الذين أخرجوا وفرضوا متغيرة سايكس بيكو للخريطة الجيوسياسية في الماضي هم نفسهم من يطرح خارطة الشرق الأوسط الجديد اليوم ، رغم بعض المتغيرات في موازين القوى الداخلية فيما بينهم ، وإن الدفاع عن خارطة سايكس بيكو والذي كان يعتبر جرماً وخيانة بحق الوطنية في الماضي هو اليوم قمة الوطنية ؟؟!!، فكثيراً ما نسمع اليوم عبارة : الأردن أولاً والخليج أولاً ولبنان أولاً و ………….
وبناءً على هذه المتغيرات المفروضة على العالم اليوم أصبح لزماً على ساسة  الكورد التسلح بمؤهلات المرحلة الجديدة والعمل على تعلم لغة العصر السياسية : عبر عصرنة الهيكلية السياسية الكوردية و المتمثلة في إدخال مفهوم وآليات  العصر المعتمدة بشكل أساسي على تجسيد مفهوم الديمقراطية في العمل السياسي مع التحول نحو المؤسساتية والعمل على توفير متطلباتها، والتي تهدف في مجملها للارتقاء بالإنسان إلى أعلى الهرم المعاش واعتبار رفاهيته  الهدف الأسمى لجميع أشكال الحراك والحركة .
ومن هنا تأتي أهمية طرح المفكر والسياسي الكوردي الدكتور فوزي الأتروشي وبكل جرأة فكرة وجوب دمقرطة الحزب الديمقراطي الكوردستاني  كضرورة ملحة : كي يتمثل طموحات الجماهير الكوردية على مختلف شرائحه وبالتالي امتلاك القدرة على تحقيقها مستقبلاً ليستطيع مواكبة المتغيرات القادمة على أسس علمية ومؤسساتية ، وإنني أعتقد جازماً أن ما طرحه السيد الأتروشي على الجزء في تحديده دمقرطة الحزب الديمقراطي الكوردستاني إنما أراد به الكلَّ  و المتمثل بوجوب دمقرطة الأحزاب الكوردستانية بشتى تياراتها ومذاهبها في عموم كوردستان .

وقد أثبت التاريخ أن الحزب الذي لا يتجدد كل يوم يموت كل يوم ، لأنه يفقد مع شمس كل يوم جديد جزءاً من مشروعيته الشعبية حتى يتحول في النهاية إلى حزب اسمي يضم شريحة  من محاربي طواحين الهواء والمتغنيين بأمجاد الماضي وقسماً من المنتفعين وبعضاً من العبيد ، ولعل في التجربة المحدودة (رغم المآخذ) لحزب العدالة التركي الحديث المولد و اكتساحه لأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية التركية مؤخراً على حساب كل الأحزاب العلمانية والقومية والأتاتوركية الممجدة ذات العمر والتاريخ الطويل خير دليل على ما سبق.

وفي الساحة الكوردستانية عموماً وفي غرب كوردستان خصوصاً نجد أن افتقار أحزابه للديمقراطية سلوكاً وممارسة والإبقاء على كلمة الديمقراطي في تزييل أسماء معظم أحزابه ،  سبباً رئيسياً في المقدار الهائل للانشقاقات والتشرذم و ضعف النضال و الحراك السياسي الفعال وفقدان المصداقية الجماهيرية ، وبالتالي تكرار ممل في أسماء الأحزاب والمجلات  وحتى الشعارات .

والنتيجة  فقدان الغالبية منهم لأساسيات النضال السياسي والاكتفاء بحراك سياسي في أفضل الأحوال مرتكز على سياسة رد الفعل المزاجي .

وبالتالي ينال الشعب الكوردي نتيجة غياب المرجعية السياسية الصفعة تلو الأخرى من الحكومات المسيطرة على مقدراته مترافقة بكم هائل  ؟؟!! من بيانات الشجب والاستنكار والإدانة من جانب الأحزاب الكوردية  ؟؟!!، ولعل استمرار سياسة توطين العرب في المناطق الكوردية خير دليل على ذلك  ( وآخرها استقدام مائة وخمسون عائلة عربية من جنوب الحسكة  لتوطينها على الحدود السورية مع إقليم كوردستان هذه السنة ).
وختاماً لا أجد كجزء من مشروع الحل  أبلغ من نصيحة المناضل الأسطورة نيلسون مانديلا لخلفه تابو مبيكي والتي التقط فحواها وترجمها الكوردية ثم أطلقها مشروعاً يجب احتضانه والعمل على تطبيقه المفكر السياسي الكوردي الدكتور فوزي الأتروشي.
ففي المؤتمر الخمسين لحزبه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في نهايات تسعينات القرن الماضي  تقاعد المناضل مانديلا طوعاً من رئاسة الحزب وانتخب نائبه تابو مبيكي رئيساً للحزب ، وقال مانديلا في خطابه أمام المؤتمر :  “آن الأوان لأن يسلم جيلي الذي بذل كل ما في وسعه الراية لخليفته”.

ووجه خطابه لخلفه المنتخب قائلاً : “لا تحط نفسك بأشخاص لا يعرفون أن يقولوا إلا نعم ” وأضاف : “ينبغي أن نحيط أنفسنا بشخصيات قوية ومستقلة كي تصبح السياسات بعد أن تكون عرفت انتقاداتهم قادرة على مواجهة الانتقادات من خارج الحركة ”  .

 
 فشكراً من القلب للدكتور فوزي الأتروشي رسالتكم وصلت للكوادر الثقافية من الكورد وبانتظار ولوجها أبواب الحصون المغلقة .

      عفرين   2007

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…