إيران.. مقتل العتالين على أيدي المرابين الحاكمين في البلاد!

بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
في الآونة الأخيرة، وتحديدًا بعد الموجة الجديدة من عمليات قتل العتالين على أيدي قوات حرس نظام الملالي المنتشرين على  الحدود الإيرانية، حوّل مستخدمو تويتر هاشتاج “لا تقتلوا العتالين #” إلى الترند الأول في إيران، من خلال عاصفة من التغريدات بعنوان “الاحتجاج على قتل العتالين” رافعين شعار “لابد من الكف عن قتل العتالين”. وبعملهم البطولي الإنساني هذا كشفوا للعالم أجمع عن أن العتالين ليسوا وحيدين بدون نصير. 
والجدير بالذكر أن العمل في العتالة في المناطق الحدودية الإيرانية يعتبر قبل كل شيء وصمة عار على جبين النظام الفاشي الحاكم.  نظرًا لأنهم يمارسون العمل في العتالة مقابل أجر تافه متدني للغاية فقط.  فالحمولة الثقيلة وما ينطوي عليه الطريق من مخاطر وطوله والحالة الجسدية والعمرية للعتالين ليست سوى سبب من أسباب التورط في هذا العمل الشاق. وتجدر الإشارة إلى أن وجود الألغام التي خلفتها الحرب الإيرانية – العراقية ، والأهم من ذلك هو أن وجود قوات حرس نظام الملالي التي تستهدف العتالين ليس من أجل تطبيق القانون والعدالة في المجتمع البشري ، بل إنهم يتخذون من استهداف العتالين وسيلة  للتمتع بقتل الناس ويتنافسون على قتلهم؛ يعتبر من ضمن المخاطر المشار إليها والتي تؤدي في كثير من الحالات إلى قتل العتالين.
وتفيد الإحصاءات الصادرة من حقوق الإنسان منذ عام 2016 حتى الآن أن قوات حرس نظام الملالي قتلت وأصابت أكثر من 852 عتالًا من بينهم أكثر من 330 قتيلًا.   
والحقيقة الواضحة هي أن مهنة العتالة وبالتحديد في المناطق الحدودية الغربية من البلاد، ظهرت كنتيجة مباشرة للفقر والبطالة في إيران. ويقدر عدد العتالين بما لا يقل عن  80,000 فردًا. والملفت للنظر أننا نجد الأطفال والمراهقين صغار السن والأفراد المسنين الذين تتراوح أعمارهم فيما بين 70 إلى 80 عامًا وحتى المعاقين من بين العتالين. ومما يزيد الطين بلة أن النساء انضممن في الآونة الأخيرة إلى العمل في العتالة. هذا ويقطع العتالون العديد من الكيلومترات في الطقس الحار صيفًا والبارد شتاءً تحت الأمطار والعواصف الثلجية، حاملين على أكتافهم وظهورهم حمولة يصل وزنها في بعض الأحيان إلى 100 كيلوجرام، وإذا وصلوا إلى وجهتهم أحياءً وبصحة جيدة، يتقاضون مقابل هذا العمل المضني أجرًا لا يكفي إلا لشراء بعض الخبز والبطاطس للعيش على الكفاف.  
ويجب التنويه عن أن أهالي كردستان الأبطال بادروا بالاحتجاج والإضراب مرارًا وتكرارًا احتجاجًا على قتل العتالين المستضعفين العزل، ولكن لم يستمر الطيش في القتل البربري للعتالين فحسب، بل تم اعتقال عدد ممن احتجوا على مذبحة العتالين وحُكم عليهم بالسجن والجلد بالسوط. 
إن الهدف الرئيسي لنظام الملالي من وراء قتل العتالين المضطهدين هو بث الرعب في قلوب أهالي كردستان المطحونين، والحفاظ على المنحى الاقتصادي المافيوزي الفريد لقوات حرس نظام الملالي التي تسيطر على مفتاح الاقتصاد في البلاد.  وبناء عليه، فإن قتل العتالين هو السياسة المحددة للولي الفقيه التي أضفى عليها الطابع المؤسسي أيضًا، نظرًا لأن قتل العتالين يأتي في وقت تقوم فيه الزمر الحاكمة بعمليات التهريب الحكومي للسلع عبر مختلف حدود البلاد، وبموجب اعتراف المصادر الرسمية في نظام الملالي، فإن حجم التهريب الحكومي للسلع يقدر بـ 25 مليار دولار. وبناءً عليه، ليس من فراغ أن نشاهد عاصفة من الاحتجاجات على قتل العتالين تجتاح شبكة التواصل الاجتماعي تويتر.   مما يدل على أن شيئًا قد حدث في هذا الصدد وأن الإيرانيين قد انتفضوا لمنع نظام الملالي القمعي من إعدام أبنائهم، وقطع أيدي قوات حرس نظام الملالي المجرمين عن قتل العتالين أيضًا.  
هذا وتصاعدت موجة كراهية الناس واشمئزازهم من قتل العتالين لدرجة أنه حتى صحيفة “جهان صنعت” الحكومية اضطرت إلى الاعتراف بذلك،وكتبت: “يكفي أن ننظر إلى مدن المناطق الغربية من البلاد. حيث أن أكثر من 40 في المائة من المواطنين في تلك المناطق عاطلون عن العمل، حتى أنهم مضطرون إلى عبور الحدود يوميًا حاملين على ظهورهم حمولة يصل وزنها إلى 100 كيلوجرام مقابل أجر متدني قدره 70,000 تومان للعيش على الكفاف أملًا في البقاء في الحياة.  ونظرًا لأن رئيس المنطقة المحترم لا يفكر في طريقة لتوفير وظيفة لهم، فإنهم يضطرون إلى القبول بأي عمل لعلهم يتمكنوا من توفير لقمة العيش لزوجاتهم وأبنائهم”.  
كما كتبت صحيفة “شرق” الحكومية في 4 أغسطس 2020 عن تورط العتالين في تعرضهم لرصاص قوات حرس نظام الملالي المجرمين:  ” إذا نجا العتالون من برودة ليالي الشتاء والانهيارات الثلجية والمشي على الألغام والارتطام قفزًا من فوق المنحدرات والجبال، فهناك احتمال كبير أن يلقوا حتفهم برصاص قوات حرس نظام الملالي”.   
والحقيقة المرة هي أن مسؤولي نظام الملالي لا يريدون أن يروا حقيقة الفقر والبطالة وعدم المساواة والعمل في العتالة ، ولا يريدون معالجة أي ألم من آلام فقراء إيران. والجدير بالذكر أن أهالي المنطقة يصفون العتالين الذين فقدوا حياتهم بشهداء الخبز، تحديًا لزعماء الملالي اللصوص المفترسين المتعطشين للدماء الذين يصفون العتالين بالمهربين والإرهابيين والمعارضين، وهلم جرا. الخبز الذي حجبه عنهم نظام حكم الملالي وأجبرهم على التضحية بحياتهم والتورط في هذا العمل الشاق الخطير للحصول على لقمة العيش.  
 ولهذا السبب، نرى أن غضب وكراهية الإيرانيين لنظام الديكتاتورية الدينية أصبح حملة وطنية ضد قوات حرس نظام الملالي  على شكل هاشتاج ” لا تقتلوا العتالين #”، وتحول إلى الترند الأول في إيران. وفي الإجراء اللاحق ، سيسرع من الخطوة الأخيرة لانتفاضة الشعب الإيراني من أجل الإطاحة بنظام الملالي الشرير.
ولا شك في أن الألم الرئيسي للشعب في جميع أنحاء إيران ألم واحد يشاطره الجميع، وأن العلاج لا شيء سوى الإطاحة بنظام الملالي الديني والدموي. 
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما الموحدون الدروز يبلغ عددهم 800 ألف نسمة في سورية، ويسكن غالبيتهم جنوب البلاد، أما الكرد فيبلغ عددهم مليوني نسمة وربما أكثر، ويسكن غالبيتهم شمال وشمال شرق البلاد. لا توجد إحصاءات رسمية موثقة يمكن الاعتماد عليها بهذا الصدد، والأرقام أعلاه هي للأسف أرقام تقريبية غير دقيقة، عكس الآتي أدناه، فهي حقائق جازمة لا ريب فيها. تعرض الدرزي السوري على…

ا. د. قاسم المندلاوي النفوس المريضة في بغداد لا ترتاح لما يحدث من تقدم و تطوير و ازدهار وامن واستقرار وتعايش سلمي في اقليم كوردستان ، ثقيل على عقولهم رؤية هذه التطورات بسبب كرههم وحقدهم الا محدود للكورد ، لذا يحاربون الشعب الكوردي وحكومة الاقليم بابشع الاساليب السيئة ” قطع الارزاق ” منع صرف رواتب الموظفين و المتقاعدين بحجج…

أزاد خليل لطالما شكل الأكراد، كثاني أكبر قومية في سوريا، جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للبلاد. ومع ذلك، شهدت فترات حكم حزب البعث سلسلة من السياسات الممنهجة التي هدفت إلى تهميش وإقصاء هذه القومية، وممارسة أشكال مختلفة من التمييز والإنكار بحقها. اتسمت هذه السياسات بطابع عنصري واضح، تجلى في محاولات التعريب القسرية، وقمع الهوية الثقافية واللغوية، والتضييق على…

ماجد ع محمد بالرغم من أنَّ التصرف الأخير للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي تمثل في حرصه الشديد على خلاص ذاته وأسرته القريبة فقط، وعدم إخبار حتى أقرب الناس إليه من محيطه العائلي أو السياسي بما سيُقدم عليه في اللحظات المصيرية، يظهر بوضوحٍ تام أنه شخص أناني وانتهازي ومريض نفسياً وغير معني أصلاً بمصير بالطائفة التي يدّعي الاِنتماء…