سوريا من خريطةٍ معروفة إلى خرائط مجهولة

صبري رسول
الحلّ السّوري لم يعُد ممكناً في الوقت الحالي، المناخات الدولية غير مهيئة، والتفاهمات الإقليمية هي لتوزيع الأدوار، والفرص المتاحة ضيئلة جداً، وعدم اهتمام القوى الدولية بالحلّ السلمي الشامل.
بدأ انعطافٌ حقيقيٌّ في نهاية السنة الثانية للأزمة التي عصفت بسوريا وشعبها بداية 2011م، فالشعب، الذي ثار على قمع النظام للحراك المدني وعلى استبداده وبطشه في التعامل مع المجتمع السوري فقَدَ زمامَ المبادرة في قيادة وتوجيه مسار الأحداث، فتحوّل من القوة التي هزَّت عرش النظام وأخافت الجوار، إلى قوى مبعثرة تنهشها الخلافات وتابعة لقوى خارجية، 
فقدْ تدخّلت قوى إقليمية إرهابية، حزب الله، الحرس الثوري الإيراني، فصائل داعش، وتمكّن النظام من توظيفها بشكل الأمثل لتمزيق سوريا وضرب شعبها، كما أن دولاً إقليمية تدخلت للغرض نفسه، كقطر وتركيا. أما الانعطاف الحقيقي بدأ بالتدخل الروسي العسكري 2015 واستخدامها النار الكثيفة لصالح النظام الذي فرض سيطرته على مناطق واسعة بينما كان محصوراً على ثلث مساحة البلاد قبل ذلك. 
بهذا الانعطاف انحرف كلّ شيء، وتلاشت آمال الناس بأي تغيير ممكن. فالنظام الذي فقد الأهلية للتعايش مع الشعب، وارتكب المجازر، بدأ بانتقام الشعب ومعاقبته بكل ما لديه من قوة، والفصائل «التي كانت معتدلة» باتت بأمرة «داعش البغدادي»  و«نصرة الجولاني». هنا يمكن القول أنّ الدولة السورية بخريطتها الجغرافية والسياسية لم تعد قائمة، وسوريا المستقبل لن تكون على شاكلة سوريا الماضي، وستختلف وظيفتها، ونظامها السياسي. 
خريطة سوريا القديمة هشّمتها خرائط صغيرة بديلة، قادمة منها وإليها، تفرضها الظروف الجديدة، والقوى الفاعلة في الساحة السورية، بالتوازي مع الإرادة الدولية الغائبة حتى الآن. فالمرء عندما يؤكد أنّ سوريا لن تعود كما كانت، يُدرِك أنّ الشعب السوري عبارة عن مجموعة من الإرادات المتعاكسة والأضداد الشرسة الفاقدة للاستقلالية السياسية في رؤاها ومواقفها، وأنّ مصالحها أكثر أهمية من خياطة الخريطة السورية «جغرافياً وسياسياً» والجمع بين جميع الفرقاء «عرباً وكرداً، وطوائف دينية» ليس بالأمر السّهل، وصياغة دستورٍ يلبّي طموحات الشّعب السّوري ويحقّق العدالة ودولة القانون ويحمي الحقوق القومية للشعب الكردي باتت الحلم المخملي للسوريين.  
الجمود السياسي والتأزم العميق في الوضع المعيشي، مع انتشار الجريمة المنظمة، دفعت القوى السياسية في بعض المناطق إلى حواراتٍ مكثفة قصيرة، ومتقطعة غالباً، لبناء تحالفاتٍ سياسية حفاظاً على ما تبقى من الآمال، كما حصل بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، والتي لم تفضِ حتى الآن إلى نتائج ملموسة، وفي السياق نفسه تُعدّ جبهة «السلام والحرية» التي أعلنَتْ عن نفسِها نهاية يونيو الماضي أحد التعبيرات السياسية المُنبثقة من الواقع كردٍّ موضوعيّ على الجمود السياسي الثّقيل وقد ضمَّت المجلس الوطني الكردي، والمنظمة الآثورية الديمقراطية، وتيار الغد السوري، والمجلس العربي في الجزيرة والفرات، وهي إحدى مُخرجات الوضع الراهن في إطار البحث عن الحلّ السوري الشامل وبناء أسس التعايش المشترك بين مكونات المنطقة.
لكن هنا يمكن القول أنّ خريطة سوريا «السياسية والجغرافية» فقدَت مقوّمات وجودها الحقيقي على الأرض، وثمّة خرائط أخرى تقضمُ أطرافها، بعد أن طغت عليها طحالب العفونة السياسية، وسيطرة العقل التدميري على الأفق السّياسي للنظام السوري. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…