متى تترجل العدالة لإنصاف الأكراد في تركيا وإيران؟

هدى الحسيني*
الأكراد في إيران مضطهدون لأنهم أكراد، وعقوبة الإعدام شنقاً تكون على رافعة بناء، تبقى الجثة معلقة لمدة أسبوع حتى يراها كل الأكراد. من المذهل أن الناس في القرن الواحد والعشرين ما زالوا يُسجنون كمجرمين لتعليم لغتهم الأم. لكن هذا ما يحصل، ومؤخراً حُكِم على زارا محمدي بالسجن 10 سنوات لتعليمها اللغة الكردية.
في الأفلام الوثائقية عن أكراد إيران، تروي عائلة بعد عائلة تاريخ معاناتها، بالنسبة إليهم الإعدام صار حالة روتينية. نعم أخي أعدمه خلخالي (سفاح الثورة)، أو شقيقتي خطفت ولم نعد نراها، إحدى العائلات اعترفت بمقتل 5 من أبنائها. ومع أنها من بين أسوأ منتهكي حقوق الإنسان فإن إيران تتفوق في عمليات الإعدام، إذ إنها الأولى في العالم بالنسبة إلى عدد السكان.
يتنوع الأكراد الذين يبلغ عددهم حوالي 40 مليون نسمة على امتداد تركيا وإيران والعراق وسوريا، من حيث اللغة والثقافة والدين والسياسة، ومع ذلك تجمع غالبيتهم تجربة المعاناة المريرة من الاستبعاد والقمع المنهجي في تركيا وإيران، وجاء وباء «كورونا» يضخم ما يعانون منه من اضطهاد ويسلط الضوء على الانتهاكات الصارخة لحقوق وحريات الأكراد.
في جمهورية إيران الإسلامية التي يبلغ عدد سكانها الأكراد 8 ملايين نسمة لم يتمتعوا إطلاقاً بالحقوق الكاملة الممنوحة للأغلبية الفارسية في البلاد. من الناحية النظرية يضمن الدستور الإيراني حماية حقوق الأقليات ولغاتها، لكن من الناحية العملية تواجه كل الأقليات في إيران رغم أنها تكون نصف السكان الإيرانيين، معاملة تمييزية ووحشية في كثير من الأحيان على أيدي النظام، وينطبق هذا بشكل خاص على أكراد إيران، إذ تعتقد إيران أن لديهم مشاعر انفصالية وأنهم غير موالين للنظام بشكل كافٍ. وبدلاً من تدوين القوانين الصريحة المناهضة للأكراد كما حدث سابقاً في تركيا وسوريا والعراق قبل عام 2003، يقوم النظام بدلاً من ذلك بالقمع التعسفي خارج القضاء للسكان الأكراد. وقد ازداد هذا القمع في السنوات الأخيرة. ففي عام 2015 اندلعت أعمال شغب في مدينة مهاباد بعد أن اغتصب عضو فارسي العرقية من فيلق «الحرس الثوري الإسلامي» امرأة كردية وقتلها. بالطبع غضب الأكراد وتظاهروا، فقتلت الشرطة 6 متظاهرين وأعدم النظام فيما بعد 84 كردياً بتهمة دعم الاحتجاجات. (قبل أسبوعين أعدم النظام 3 شبان لأنهم شاركوا في مظاهرات عام 2018، وأجل هذا الأسبوع إعدام 3 آخرين).
في وقت لاحق وأثناء الرد على احتجاجات الشعب المناهضة للنظام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، استهدفت قوات النظام بشكل غير متناسب المحتجين الأكراد. ووفقاً لبعض التقارير شكل الأكراد غالبية 1500 إيراني قتلوا وسط حملة النظام الصارمة ضد مظاهرات المطالبين برفع الظلم عنهم، فهؤلاء عقوبتهم المزيد من القمع أو القتل. علاوة على ذلك، يتعرض السجناء الأكراد لعقوبات غير متناسبة، حيث أشارت دراسة أجرتها منظمة «هينغاو» لحقوق الإنسان إلى أن الأكراد الإيرانيين شكلوا 28 في المائة من الذين تعرضوا لعقوبة الإعدام من قبل النظام الإيراني عام 2018، وبالتالي شكل الأكراد الإيرانيون 10 في المائة من إجمالي عمليات الإعدام في جميع أنحاء العالم في ذلك العام. لذلك ليس مستغرباً أن يكون لأكراد إيران أعلى معدل وفيات في بلد استفحل فيه وباء «كورونا»، إذ إن نسبة الوفيات في إقليم كردستان إيران وصلت إلى 12.62 في المائة وهي أعلى معدل في البلاد، ويكاد يضاعف متوسط 6.8 في المائة لبقية المحافظات الإيرانية. يرجع هذا التناقض جزئياً إلى الحالة البائسة للبنية التحتية للرعاية الصحية في المحافظات ذات الأغلبية الكردية في إيران، وحسب التقديرات فإن المحافظات الكردية لديها ما معدله 143 سرير مستشفى لكل 100 ألف شخص، في حين يبلغ متوسط المحافظات ذات الأغلبية الفارسية أكثر من 200.
وتقوم حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بين أكراد الداخل والخارج تدعو إلى ترك الأكراد يمارسون حقوقهم الإنسانية «لأن تعلم أو تعليم لغتنا هو واحد من تلك الحقوق المعترف بها في العالم التي يجب أن يكون لنا الحق في ممارستها. أطلقوا سراح المعلمة الكردية زارا محمدي»!
أن تقول إيران إن أمنها القومي مهدد من قبل مدرسة متطوعة تقوم بتعليم الأطفال لغتهم الأم، يؤكد فاشية النظام الذي يقوم على دماء شعب، لذلك قد يكون من الأسهل عليها أن توقف عملية الانصهار القسري للأكراد في إيران وتمنحهم إما الحكم الذاتي أو الاستقلال.
أما أكراد تركيا فيبلغ عددهم 15 مليوناً، أي ما يقرب من 20 في المائة من سكان البلاد. هم أيضاً عانوا من القمع المنهجي بطرق مختلفة. كافح الأكراد الأتراك من أجل الاعتراف الرسمي بحقوقهم الثقافية والسياسية منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، وبحلول الثمانينات أصبح الوضع غير مقبول لدرجة أنه شهد صعود «حزب العمال الكردستاني» الذي قاد تمرداً مسلحاً ضد الدولة التركية، وأودى الصراع لاحقاً بحياة أكثر من 40 ألف شخص.
وبينما أزالت تركيا الكثير من تشريعاتها المناهضة للأكراد في محاولة للانضمام في أول هذا القرن إلى الاتحاد الأوروبي تراجع الرئيس رجب طيب إردوغان منذ ذلك الحين عن العديد من الإصلاحات، وقد سجن العشرات من المسؤولين الأكراد المنتخبين وأبرزهم صلاح الدين ديمرتاش رئيس «حزب الشعوب الديمقراطي». وديمرتاش أحد منافسي إردوغان في استحقاقين رئاسيين معتقل منذ عام 2016، وأكدت المحكمة الدستورية العليا في يونيو (حزيران) الماضي أن توقيفه لفترة طويلة يمثل انتهاكاً لحقوقه. كل محاولات القمع والسجن ستدفع العديد من الأكراد إلى التأكد بأن المشاركة السياسية الحقيقية ليست ممكنة في تركيا إردوغان، ومن المرجح أن تقليص استراتيجية الرئيس التركي للمساحة الديمقراطية عند الأكراد سيدفعهم إلى دعم «حزب العمال الكردستاني» والجماعات المسلحة الأخرى.
وفي حين أن وباء «كورونا» لم يؤثر على أكراد تركيا بشكل غير متناسب، كما الحال في إيران، إلا أن إردوغان استغل الوباء لصرف الانتباه عن حملة قمع كبيرة ضد أعضاء «حزب الشعوب الديمقراطي»، ومع أن لإردوغان سجلاً سيئاً في استهداف سياسيي هذا الحزب، يبدو أن رئيس الحزب ديمرتاش وهو في السجن يخيف الديكتاتور؛ إذ إن تصرفات إردوغان في الشهرين الماضيين كانت غير مسبوقة بالنسبة للعديد من فئات المجتمع التركي المثقفة، وبالأخص ضد الأكراد، حيث أكثر من إبعاده لرؤساء بلديات تابعين لـ«حزب الشعوب الديمقراطي» – 45 من أصل 69 في المنطقة ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرقي تركيا. وكان هؤلاء انتخبوا عام 2019. وتلعب تبريرات إردوغان التي لا أساس لها، في الصور النمطية الكردية القديمة التي صارت مرفوضة، لكنها لإردوغان سلاح يرضي مؤيديه مثل اتهام: عضو في منظمة إرهابية، أو «الدعاية لمنظمة إرهابية».
المستغرب هو استمرار صمت المجتمع الدولي فيما يتعلق بقمع أنقرة وطهران للأكراد. القوة الكردية في حد ذاتها محدودة، وليس للأكراد تمثيل مستقل في الأمم المتحدة يمكنهم من خلاله تأكيد أنفسهم. باستثناء منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق، ليس للأكراد كيان سياسي خاص بهم، حيث يمكن أن يعيشوا بأمان لا يهددهم التمييز أو القمع العرقي. لذلك عندما تعرض تركيا وإيران مواطنيهما الأكراد للوحشية والإهمال، يجب على الغرب وعلى الأخص واشنطن توجيه إدانة ثابتة وقوية، وعلى واشنطن ألا تنسى فضل أكراد سوريا الذين كانوا جنودها على الأرض في الحرب ضد الإرهاب ودفعوا ثمناً باهظاً. وما دام اللجوء إلى قانون «ماغنتيسكي» صار مطلوباً لتحقيق العدالة للمظلومين، إذ ها هي المملكة المتحدة تلجأ إليه في معاملة الصين للأقلية المسلمة «الإيغور»، فعلى الدول الغربية التي تتغنى بالعدالة والقيم والمثل وحق تقرير المصير، استخدام العقوبات العالمية لتحذير المسؤولين الأتراك والإيرانيين الذين يسيئون إلى أقلياتهم الكردية من أن أفعال الدولتين ستكون لها عواقب، وذلك بدلاً من الاستمرار في كتابة مقالات رثاء أو تصريحات لا تطعم حرية وطمأنينة، عن معاناة الأكراد.
إن على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ملموسة لحماية حقوق مجموعة من أضعف المجتمعات في العالم، رغم أن عددها يتجاوز 40 مليون نسمة ويحق لها دولة مستقلة. حتى لا نقول كلنا لاحقاً في ظل أنظمة ديكتاتورية: أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض.
* كاتبة صحافيّة ومحللة سياسية لبنانيّة.
———– 
الشرق الأوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…