مفاهيم خلافية في سياق التحاور الكردي العربي

صلاح بدرالدين
   في غضون السنو ات التسع الأخيرة والى جانب ماقدمه السورييون من تضحيات من خلال ثورتهم الوطنية في مواجهة الاستبداد كان هناك اشتباك من نوع آخر طال الثقافة السياسية بجميع أوجهها الإنسانية والحقوقية والقانونية والجغرافية والتاريخية فقد طرأ تغيير واضح خاصة في البدايات على نبرة ومضمون الخطاب الوطني لسوريي المعارضة بمزيد من الانفتاح واحترام الرأي الآخر وبان التمايز الى درجة التناقض مع خطاب النظام واعلامه وبكل أسف وبعد مرور العامين الاولين من عمر الثورة حصل نوع من الردة خصوصا بعد تسلط الإسلام السياسي على مقدرات كيانات المعارضة وبدأت الكفة تميل لمصلحة الخطاب الديني المذهبي ( أسلمة الثورة واستحضار أسماء رموز حقبة الخلفاء الراشدين على فصائل وفرق عسكرية واشباع الخطاب الثوري بالتكبير والبسملة ) وهو إقرار عملي بنفي الآخر السوري غير المسلم وغير المتدين في مواجهة ( جلب النظام الطائفي لميليشيات بأسماء الرموز الشيعية كالحسن والحسين والعباس ) .
  لم تقتصر ( الحرب الثقافية ) على الجانب الديني والمذهبي بل شملت القضايا الفكرية والسياسية والاختلافات المفاهيمية حول جملة من المسائل التي تشغل بال السوريين والمتعلقة بالبدائل المحتملة للاستبداد والنظام السياسي المقبل وتعريف سوريا ومكوناتها وأطيافها وحقائق تعدديتها القومية والدينية والمذهبية والثقافية التي كانت ممنوعة من التداول علانية في ظل المنظومات الأمنية الحاكمة منذ نحو نصف قرن ومازال هناك في الصف الوطني السوري من القومية السائدة وأقصد الشركاء العرب المواكب للثورة جملة من المفاهيم الخلافية خصوصا حول الكرد وجودا وحقوقا  وكذلك المكونات الأخرى ومن شأن تكثيف الحوار حولها تذليل الفروقات العميقة بشأنها في المستقبل ومن أبرزها :
  أولا – المفهوم الأحادي في تناول المجتمع السوري واعتباره وحدة بسيطة غير مركبة تأثرا بالخطاب الرسمي وبر امج التربية والتعليم ومواد تاريخ سوريا التي وضعها مثقفو النظام وبالاحرى الدائرة الثقافية في القيادة القومية ثم القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم منذ بداية ستينات القرن الماضي باعتبار سوريا تضم فقط العنصر العربي مع تجاهل المكونات الأخرى قومية كانت أم أثنية ومن أجل تمرير الجريمة ضد الإنسانية هذه وضعت المنظومات الأمنية الحاكمة منذ تسلط حزب البعث مخططات ومشاريع التعريب والتهجير ضد الكرد بمختلف مناطقهم ابتداء من الجزيرة والتي تحولت الى قانون معمول به قيد التنفيذ تحت ظل حكومة يوسف زعين عام ١٩٦٦ ومما ساعد في انتشار هذا المفهوم الاقصائي المتجاهل للآخر كون الدساتير السورية منذ الاستقلال وضعت على نفس المبدأ الذي ينفي التعددية الوطنية السورية . 
  ثانيا – المفهوم الذرائعي الذي قد يتقبل أمام ضغط الواقع وجود الكرد وأحقية مطالبهم المشروعة ولكن يتحجج بانه ان لو تم التجاوب مع مطالب الكرد فيجب الاستجابة لمطالب المكونات الأخرى أيضا وسيتم الوقوع في مسلسل يطول ولانهاية له لذلك الأفضل عدم اثارة الموضوع الكردي بل اخفائه وتجاوزه هذه الذريعة كنا نسمعها من أحزاب ( الجبهة الوطنية التقدمية ) وحتى من بعض المسؤولين البعثيين ( المنفتحين !؟ ) وعندما يتم الرد على الذرائعيين هؤلاء ولم لا فليحصل الجميع على حقوقهم المشروعة في اطار الوطن الواحد ؟ كانت الأجوبة تتراوح بين السكوت والرفض وعدم قبول تقسيم سوريا علما أن انجاز الحقوق وطمأنة الآخر هما الضمانة لوحدة البلاد وليس الانكار والسكوت والتردد واخفاء الحقاقئق .
  ثالثا – مفهوم ” الحل المواطني للمسألة القومية ” وهو من أسوأ المفاهيم وأكثرها جهلا بتاريخ حركات الشعوب التحررية والمسألة القومية في جميع القارات فلم يظهر طوال تاريخ القضية القومية في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية منذ القرن التاسع عشر تجربة تم فيها حل المسألة القومية با ( الحل المواطني ) ففي عهد الانتداب الفرنسي لبلادنا كانت حكومات الانتداب تطرح دوما أمام مطالبي الاستقلال بتوفير حقوق المواطن بالحرية والعمل والصحة والسفر والتملك والتجارة ولكن كل ذلك لم يكن يثني رواد الاستقلال عن المطالبة بالحرية وبمعنى آخر حقوق المواطن ليست بديلا لارادة التحرر وتقرير المصير وفي الحالة الكردية السورية لن تكون حلا للقضية القومية والحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية والديموقراطية والتاريخ يوضح لنا أن هناك في الشرق والغرب تجارب اعتمدت صيغ الاستقلال والكونفدرالية والفدرالية والحكم الذاتي واللامركزية والمناطق القومية والإدارة المحلية سبيلا لحل القضايا القومية للشعوب والقوميات ومن المؤكد أن التوافق الكردي العربي كفيل باختيار الحل المناسب للحالة الكردية السورية عبر الحوار السلمي ضمن اطار سوريا الواحدة .
  رابعا – المفهوم الشرطي أي لماذا حل القضية الكردية في سوريا أولا ولننتظر حلها بتركيا وايران والعراق ثم يأتي دور سوريا ؟ هشاشة هذالمفهوم يظهر أولا من أن هناك نوع من الحل الديموقراطي للقضية الكردية في العراق على أساس الفدرالية وسوريا ليست الأولى واذا تصورنا مثلا أن التركي والإيراني والعراقي وكل من جهته يطالب بالامر ذاته فذلك يعني أن تبقى القضية الكردية دون حل الى الابد وقد يكون ذلك هو الهدف من أصحاب هذا الشرط التعجيزي غير العادل وغير الواقعي .
  خامسا – مفهوم ” فوبيا الانفصال الكردي ” وهو مفهوم بني على مواقف مسبقة من دون تمعن وتفكير واطلاع على الواقع فمجرد مطالبة الكردي السوري بأدنى حق يتهم بالانفصالية ويحكم عليه أنه يسعى الى تقسيم البلاد واقتطاع جزء منه ويعود الفضل الأكبر لهذه التهمة الجاهزة  للبعثيين والشوفينيين من التيارات السياسية الأخرى وفي حقيقة الامر فان أي شعب على كوكبنا وبحسب مواثيق حقوق الانسان وشرعة الأمم المتحدة والمبادئ السامية من حقه تقرير مصيره بالصيغة التي يرتئيها بحرية بمافي ذلك الاستقلال ولكن كما يظهر فان غالبية الكرد السوريين لايرون من مصلحة شعبهم ووطنهم الانفصال أو اعلان الاستقلال لأسباب وجيهة ذاتية وموضوعية .
  سادسا – المفهوم الشكلي للمساواة أي مطالبة الكردي السوري بالتوقف عن طرح الحقوق  القومية لأن زمن القوميات انتهى وبعبارة أخرى قبول الواقع الراهن بالعيش في ظل الدولة العربية السورية وعدم السماح بالمرور بشكل طبيعي في المراحل التي تؤسس الشخصية القومية وتعزز هويتها وترسخ ثقافتها كما حصل مع الشريك العربي السوري منذ حوالي مائة عام وحتى الان وفرض مساواة قسرية غير متكافئة . 
  سابعا – المفهوم الاعتباطي لقراءة التاريخ واعتبار أن للكرد كامل الحقوق والدليل أن سوريا شهدت رؤساء جمهورية وحكومات ووزراء من أصول كردية وتناسي أن هؤلاء لم يكونوا ممثلين عن الكرد ولم يكونوا مخولين للتحدث باسم الكرد ولو كانوا كذلك لطالبوا بإعادة كتابة الدستور ليتضمن اعترافا بالوجود الكردي وبالحقوق والمشاركة الفعلية بالسلطة والقرار ولاشك أن هؤلاء خدموا سوريا بصورة فردية وهناك آخرون تبوؤوا مناصب عالية من مختلف المكونات التركمانية والمسيحية وقدموا الخدمات بحسب اختصاصاتهم ولكن من دون تمثيل مكوناتي .
  ثامنا – مفهوم القراءة الناقصة المؤدلجة  للجيو – سياسيا الكردية السورية بمحاولة تجيير مصادر منحازة أو مشكوكة بأمرها وتجاهل كل المخططات العنصرية ونتائج تغيير التركيب الديموغرافي التي نفذتها الأنظمة والحكومات منذ قرن وحتى الان والوثائق الدامغة متوفرة في هذالمجال طبعا لاننسى هنا أن تاريخ بلادنا سطره الحكام من منطلقات شوفينية معادية للكرد ووجودهم .
  تاسعا – المفهوم اللاموضوعي اللاعلمي  لتفسير مصطلحات الشعب والقوم والأمة كالادعاء بعدم جواز وجود شعب آخر بسوريا غير الشعب السوري والمقصود الشعب الكردي  وهذا نفي للتعددية القومية فلاشك ان هناك التباس بين معاني الامة والشعب والقومية وتختلط الأمور على البعض بهذا الصدد فمثلا أحد بنود مشروع دستور كردستان العراق ينص على مايلي : ( شعب كردستان العراق عبارة عن الكرد والتركمان والكلدو آشور والارمن والعرب ) والمعنى أن كردستان لايتشكل من شعب واحد ومثال آخر فتركيا أيضا تتكون من شعوب واقوام وايران أيضا متعددة الشعوب والقوميات وبلجيكا وسويسرا المتقدمتان تتكونان من عدة شعوب وكذلك الهند . 
  عاشرا – مفهوم تعريف الكرد بالاحزاب وهذا لم يحدث بالتاريخ أن تعرف شعبا بأحد أحزابه فلو فرضنا أن حزبا ما سار بالنهج الفاشي هل ستأخذ كل الشعب بجريرته ؟ هل يجوز محاسبة العربي السوري بخطايا حزب البعث ؟ أو اعتبار هذا الحزب أنه العرب ؟ خاصة وأن الساحة الكردية السورية معروفة بعد تسعة أعوام من نشوب الثورة بانها ليست مقتصرة على الأحزاب وسلطة الامر الواقع بل هناك الغالبية الوطنية المستقلة الباحثة عن سوريا تعددية تشاركية جديدة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…