وداعاً هشام الهاشمي

محمد مندلاوي
طالت البارحة يد الإرهاب الغادر، القادم من غياهب التاريخ،خبيراً أمنياً ومحللاً سياسياً واستراتيجياً جريئاً، صريحاً، مقداماً، شجاعاً سليط اللسان والقلم، كان موضع فخر واعتزاز لكل صاحب فكر حر، ورأي سديد على هذا الكوكب الدوار. لكن للأسف الشديد، لا مكان لمثل هذا الإنسان السابق عصره في بلاد ألف ليلة وليلة؟.حقيقة أنا لم أعرف هذا الإنسان المتحضر معرفة شخصية، لكني تابعت لقاءاته التلفزيونية وجدته إنساناً بكل معنى الكلمة، لم يحد عن قول الحق قيد شعرة. إلا أن ما كان يقوله على الملأ عبر الفضائيات، أو من خلال كتاباته التحليلية الصائبة للوضع الراهن في العراق والمنطقة لم ترق لأولئك الجهلة الظلاميين القابعين في الغرف المظلمة، الذين يهابون نور العلم والمعرفة وقول الحقيقة، فلذا لا يستطيعون مواجهة الكلمة بالكلمة،  والحجة بالحجة، فعليه يختارون دائماً بعض الأميين الجهلة لتنفيذ مآربهم الشيطانية. 
عزيزي القارئ الكريم، أنا لست من الذين يود أن يتحدث في كتاباته عن نفسه، لكن اغتيال الأستاذ هشام الهاشمي وهو أمام منزله، وربما أمام أعين عائلته، ذكرني بعملية الاغتيال الفاشلة التي تعرضت لها قبل عدة أعوام من قبل غجري مستكرد، إلا أن الخالق العزيز نجاني من قوى الشر والبغي، وكيد الكائدين، ومكر الماكرين الذين دفعوا بذلك الغجري (كاولي) الإمعة لقتلي بدم بارد. إن فشل تلك العملية الجبانة دل لي مما لا يقبل الشك والتأويل، أن يد خالق الكون والكائنات حماني من أيدي الأشرار المجرمين ليكون عبرة لذلك الوبش.
عزيزي المتابع، رغم أني إنسان قومي كوردي حتى النخاع، لا أستسيغ أي كلام يعزز ويرسخ الهوية الوطنية لبلدان مربع الشر المتمثلة لكل من إيران، عراق، سوريا، تركيا، إلا أني لم أستطع أن أتجاوز عن شخص هشام الهاشمي، لأنه إنسان صادق في كل شيء، لم يقل في كل لقاءاته وكتاباته سوى الحقيقة، فلذا فرض احترامه وتقديره على كل من يقيم مثل هذه الخاصية الملائكية عند نظيره الإنسان.
إن استهداف العقول النيرة من قبل المأجورين القتلة، لم ولن ينهي دورهم التنويري في العراق والمنطقة، وقريباً ستأتي تلك اللحظة الحاسمة التي سيدفع هؤلاء الذئاب البشرية ما اقترفتها أياديهم الملطخة بالدماء على أيدي أبناء الشعب الأبي، الذي ذاق وقاسى على أيديهم وألسنتهم كل أنواع الظلم والعذاب والتهميش.
“ما تريد نيله بالإرهاب يسهل عليك نيله بالابتسامة” (جورج ستيوارت)
07 07 2020   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…