من جعبة المفارقات

ماجد ع  محمد
من إحدى أغرب المتناقضات السياسية المتعلقة بالكائن الكردي في الشرق الأوسط، هي أن ألد الأعداء بذريعة خطر الكرد على أخيلتهم وأحلامهم وهواجسهم، يعانقون بعضهم بعضا على أرض الواقع!! وليس بعيداً عما ذُكر كتب رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط غسان شربل منذ أيام: “أن مِن قواعد العيش في الشرق الأوسط الرهيب: يحق لطائراتك ومدافعك انتهاك سيادة الدولة شرط أن يكون هدفها قتل الأكراد”.
***
تركيا تمتلك أسلحة حديثة جداً ولديها طائرات تجسس واستطلاع قادرة على رصد تحرك أي شخص يقع في مدار استطلاعات طائراتها المسيرة ممن تعتبرهم بمثابة الأعداء الألداء، ولكنها كل مرة تذهب بعيداً بطائراتها كما فعلت في 15/6/2020 والأيام التي تلتها ووصلت إلى شنكال، مخمور، الزاب، خواكورك، برادوست، زيني ورتي وجبلي كاره ومتين ومحيط دهوك، لتقصف عناصر عاديين أو أناس لا شأن لهم من المحسوبين على تنظيم حزب العمال الكردستاني، بينما أركان القيادة المعروفين للقاصي والداني هم على حدودها في قنديل، وتركيا حسب العارفين بقدراتها العسكرية والأمنية غير عاجزة عن معرفة حجراتهم، بفضل أجهزتها التقنية من السماء وأدواتها الاستخباراتية على سفح ذلك الجبل، ولكنها مع ذلك لم تستهدفهم بطائراتها ولا مرة، كما فعلت أمريكا مع عدوها اللدود قاسم سليماني!!.
***
في العادة وعند كل هجوم تركي نلاحظ أن لعنات الجمهور التابع لحزب العمال الكردستاني في الداخل والخارج ـ أي المقيمين في الشرق الأوسط والماكثين في الدول الغربية ـ حيال غارات الطيران التركي على مواقع الحزب في العراق لا تطال إلاّ قيادة اقليم كردستان العراق، الذين أصلاً لا تحتاج أنقرة إلى موافقتهم، ولا للإقليم القدرة على رد الطيران التركي لا قانونياً بكونه إقليم غير مستقل، ولا عسكرياً باعتبار أن تركيا من الدول القوية عسكرياً في عموم المنطقة كما أنها اليد الضاربة لحلف الناتو الغربي في الشرق! إضافةً إلى ذلك فإن الطائرات التركية التي تقصف مواقع الحزب تنطلق من مطارٍ بمدينة آمد “ديار بكر” وهي من أكبر المدن الكردية في تركيا التي ينتمي إليها حزب العمال الكردستاني، وهي التي من المفروض أن تكون حاضنة الحزب، فتتعاطف معه، تغضب من أجله نتيجة ما يحصل له، وتناصره على الأقل بالكلام طالما أنها غير قادرة على الدفاع عمن في دخيلتها تحب، وذلك بدلاً من إمطار قيادة الإقليم بالسباب والشتائم والتخوينات؟.
***
عقب تفجيرات أنقرة في شهر اكتوبر عام 2015 كتب الشاعر mam med باللغة الكردية أن أغرب ما جاء في تصريحات المواساة عقب تفجيرات أنقرة، هو أن برقيات التعزية التي أمطرت على تركيا من جانب الرؤساء والمسؤولين الدوليين وخاصة الغربيين قصدت تطييب خاطر الحكومة والرئيس التركي، وليس صلاح الدين ديمرتاش وحزبه كمعنيين بالحدث، علماً أن التفجير استهدف تجمعاً لأنصار ديمرتاش وليس للموالاة، ومن قُتلوا بالتفجير هم من أعضاء حزبه ومن بينهم قيادات سياسية رفيعة، مستهجناً التصرف قائلاً: هل رأيتم المسؤولين الغربيين كم هم مذوقين وحضاريين وإنسانيين ويعرفون بالأصول!!!.
***
من تناقضات الكائنات السورية، أن الكثير من عبدة رأس نظام البعث الحاكم بشار الأسد عاقبوا الكرد أوان انتفاضة قامشلو ضد النظام في 2004 وكذلك الأمر طوال السنوات التي سبقتها، وذلك بكونهم لم يكونوا يناضلون في خندق البعث الحاكم ولم يصبحوا كلهم أدواتَ بيد حزب عبدالله أوجلان للحرب ضد تركيا؛ بينما نفس الفئات البشرية وبعد الانتقال من عبادة بشار الأسد إلى عبادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان راحوا يعاقبون كرد منطقة عفرين في 2018 – 2019 بتهمة الانتماء للأوجلانية!!.
***
كانت تهمة الإنفصال عن سوريا على رأس التهم الموجه لأي كردي يتم اعتقاله أو استجوابه من قبل الأفرع الأمنية التابعة للنظام طوال السنوات التي سبقت 2011، والغريب في الأمر أن التهمة لم تسقط عن الكردي، وظلت كاللعنة تلاحقه حتى بعد أن تم استلام كامل الشريط الحدودي من عفرين مروراً باعزاز والباب وتل أبيض ورأس العين من قبل الدولة التركية، إذ رغم ذلك بقي الكردي بنظر سلطات المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هو الانفصالي، بينما الذي أحرق نقود الدولة السورية وسلّم كامل الشريط الحدودي لدولة مجاورة هو وطني بامتياز!!.
***
من بعض أبرز مفارقات السياسة هو توافق الأعداء؛ لذا جاء موقف الدولة التركية متماثل ومتوافق تماماً لموقف نظام بشار الأسد فيما يخص الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في إيران عام 2018.
***
من تباينات وتناقضات عالم الكتابة أن الكاتب الذي يُلاحق الأحداث العامة ويتناول الصراعات والوقائع والمواقف السياسية الراهنة، يكتسب عداوات جديدة كل يوم، بينما الكاتب الذي ينشغل فقط بذاته، ولا يكتب عن مجتمعه إلاّ في الأعياد والمناسبات الرسمية، وغالباً ما يكون هو نفسه وليس المجتمع محور كل ما يكتبه، ويظل كالقنفذ طوال الأيام والشهور ملتفاً على نفسه، ومع ذلك كل يوم يزيد جمهوره عن جمهور ذلك المنخرط والمشغول بالاحتياجات اليومية لمجتمعه!!.
***
من كل بد أن تغيير المكان وزاوية النظر مرات تكشف لنا ما غاب عنا قبيل تبديل الموقع، ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر أني عندما كنت مقيماً بين ظهراني الطبقة العاملة استمتعت قدرالإمكان بحكمة البساطة وصدق السجية، كما استفدت من مفارقات حياتهم، إلا أني عندما صرت قريباً من جماعَتي السياسة والثقافة وعلى احتكاك يومي بهم فلم أبلغ متعتي إلّا عند اكتشاف مقابحهم!!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…