العلاقات الاجتماعية مابعد كورونا إلى أين؟؟؟


هيفي الملا
يمر العالم كما نشهد جميعاً بجائحة عالمية خطيرة، وهي تفشي فيروس كورونا، هذه الجائحة التي عدا عن تأثيراتها على العلاقات الدبلوماسية والدولية، لأنها لم تنتشر في دولة دون أخرى، وماخلفته ومازالت من تبعات اقتصادية وعلمية وثقافية، فأنها تركت تأثيرات على الأنماط السلوكية والنفسية والاجتماعية، حيث تغيرت كل تفاصيل حياتنا وسلوكياتنا مع انتشار الفيروس، فهل ستبقى هذه التأثيرات سدا وحاجزا يمنعنا من العودة، كما كنا في السابق؟ هل التباعد الاجتماعي الذي نعيشه مرغمين وخائفين اليوم سيكون شكل مستقبلنا مابعد كورونا أيضاً؟ 
أم أن ممارساتنا ستعود كما كانت قبل الجائحة؟ الجائحة التي كان من شأنها أن تغير طرق تعاملنا مع الآخرين، بمايتلاءم والوضع الحالي من عدم المصافحة والمسامرة والتزاور، والكثير من النشاطات السلوكية، التي كانت وسائل للتقارب والتواصل والإحساس بالأخر، والتي فرضت مع اختفائها ولنقل بأحسن الأحوال تقلصها، تباعدا اجتماعيا ملحوظا، وللأسف هذا التباعد مفروض علينا، ونلتزم به لسلامة أنفسنا وغيرنا، تباعد لم يرسم أي منا ملامحه، وتعايشنا معه ومازلنا خوف أن ينال الفيروس من أجسادنا، أو ينهي حياة من نحب، ويكون المنديل الذي نلوح به للعالم، لكننا نخاف من ديمومة هذه الحالة، وترك هذه التأثيرات بعدا اجتماعيا وحفرة صعبة الردم، وتجاعيد في جبين الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، 
فالطبيعة البشرية مطواعة وقابلة للتعود، فهل ستتخلص نفوسنا من تبعات هذه الأزمة، وهل سنعود أصدقاء حقيقين وكائنات اجتماعية، ونربت على أكتف من نحب ونلجأ إليهم وقت الشدة، أم ستزداد عزلتنا حتى عن أنفسنا لأن ظروف الحجر المتكرر، وحتى مع عدم فرض الحجر يسيطر علينا الخوف من الاختلاط والتمازج ، حتى توقفت الأنشطة الترفيهية والممارسات التي تجمعنا مع غيرنا إلا على عبر وسائل التواصل التي تفتقر إلى المباشرة والحميمية، 
 في بداية الأزمة وجدنا في المحنة مجالا نعيد به الهدوء لأرواحنا، والابتعاد عن ضغوطات العمل، وإعادة ترتيب حياتنا الداخلية، لكن الأزمة طالت وتفرعت امتداداتها، وباتت تهدد لقمة العيش أيضا ، فهي امتحان مصيري وتدريب للذات على التعامل بموضوعية َمع الظرف لأننا تجاوزنا مسألة ترتيب الأفكار واكتشاف المواهب الدفينة والتأمل في الذات٠ والمواجهة يراد لها أسلحة أخرى تمكننا من العيش بكرامة، والحفاظ على إنسانيتنا ومشاعرنا تجاه الأخر، ، فعلى الأسرة اليوم ألا تفقد تلاحمها، ليتحول كل فرد لكائن منعزل صامت لاتلتمع على وجهه، إلا إشعاعات الهاتف ومن منا لايعاني من ذلك الأن في أسرته ، ومبرر كل واحد الفراغ وتغيير العملية التعليمية، أو أنماط العمل، رغم أن الفراغ قد وضعنا وجها لوجه مع تفاصيل لم نرها، وسط زخم الحياة اليومية ،وهي تحتاج منا لمزيد من التفكر والتبصر ،ولاتنسى أن الأسرة هي المرتكز الذي نستند عليه باعتبارها نواة المجتمع الأكبر، وعلى الصعيد الاجتماعي لو بقينا على تواصل، وبقيت نفوسنا تواقة للأخر، وحافظت أصواتنا على نبرات الحب والألفة، سترجع العلاقات أكتر قوة وحميمية، عندما لانترك أنفسنا أسرى الفراغ والتعود والتواكل على الظرف، بكل مايحمله من شحنات سلبية، ونسيان أننا حلقة من سلسلة متواصلة تربطنا مع غيرنا بعلاقات وذكريات وأحاديث ومشاعر، هذه الجائحة تحد حركتنا وتواصلنا، ويسيطر علينا الخوف والالتزام بقواعد الصحة، وهذا هو الأصح بكل تأكيد في هذا الظرف الراهن، لكن الكلمة الطيبة والحب والتواصل الإنساني، قيم باقية أبدا، ويجب أن تقاوم الظروف مهما كانت مستبدة، وهذه الفترة الصعبة جدا، تعطي دروسا للفرد والبشرية جمعاء، فقد تجعلها أكثر إنسانية أو أكثر وحشية، وشئنا أم أبينا نحن جزء من هذا التغيير، فعسانا نتأقلم معه، بما يجعلنا أكثر إنسانية لاغير ذلك، فما أجمل الأسرة التي تزرع في نفوس أبنائها، فكرة أن العزلة ليست سجنا، و ليست مكانا ننسى فيه من هم خارج جدراننا، بل هي دعوة لنفكر بنا و بهم أكثر، ومن لم نصافحم اليوم مجبرين سنفعلها غدا سعداء أصحاء، المهم هنا أن لايتعود كل منا على العيش بطقوسه الفردية، التي فرضتها هذه الحالة الاستثنائية، التي تلف العالم والتي تزرع الخراب والتوتر على طاولات السياسة والاقتصاد، فعساها تكون بعيدة عن دفء التواصل الاجتماعي وحاجة الإنسان لأخيه و مصافحته التي تتعدى السلام بمعناها المجرد، لتكون عنوان مؤازرة و عيش مشترك وحتى لو أخذنا الجانب الأسود.، وتقبلنا فكرة الموت المنتظر، فيجب أن نعرف هنا قيمة الأخر في حياتنا فالحب يصبح ذا قيمة وكثافة أكبر، كلما اقتربنا من الموت، لكننا ولأن الحياة لاتطاق بلا أمل نتحلى بروح التفاؤل ودعوة الشفاء لكل مصاب، والسلام للأخرين لتعود الحياة متعددة الألوان كما كانت، حتى ولو كانت ملامح الانفراج بعيدة، لتكن  أجسادنا المتحصنة بالوقاية وقلوبنا المتحصنة بالحب دليلانا، حتى تنقشع هذه الغيمة المتلبدة جدا والحبلى بكل أنواع التغييرات، وعس مطر الحب والخير يعم من جديد لتتطهر قلوبنا وننعم بمتعة الحياة ككائن اجتماعي .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…