علي تمي*
التمويه الدبلوماسي :
قالت وزارة الخارجية الروسية في تصريحٍ مقتضب لها، يوم الخميس، إنَّ نائب وزير الخارجية الروسي أجرى محادثات هاتفية حول تسوية الأزمة السورية مع الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا، جيمس جيفري. وبحسب الخارجية الروسية، فإن فيرشينين وجيفري بحثا “بشكل مفصل مسائل تمرير عملية التسوية السياسية للأزمة السورية بالتوافق مع القرار 2254 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي ينصّ على الالتزام باحترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها”.
كما ناقش الجانبان، حسب البيان، “الأوضاع على الأرض” في سوريا، بما في ذلك عملية التسوية السياسية مهمة ضمان إرساء الاستقرار في إدلب ومنطقة شرق الفرات وجنوب البلاد. وكانت موسكو، قد أبدت استعدادها للحوار مع واشنطن حول الأزمة السورية المستمرة منذ العام 2011 على الرغم من الخلافات المتواصلة بين الطرفين.
لعبة العشائر في شرق الفرات
بدأ التغلغل الروسي في شرق الفرات مع بدء عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا مع فصائل المعارضة السورية 2019 ، حيث تزامن ذلك مع تحرك روسي للسيطرة على مطار القامشلي والمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام وإدخال مساعدات إلى المنطقة.
ومن هناك بدأت لعبة المناورة والتمويه حول حشد العشائر( ضد التواجد العسكري الأمريكي ) في المنطقة، ففي الثامن عشر من الشهر الجاري، اعترض الأهالي في قرية “أبو قصايب” بناحية تل حميس، أربع مدرعات تابعة للقوات الأمريكية.
وسبقها حادثة (خربة عمو) التي خلفت قتيلاً، في شباط الفائت، حيث توجهت أصابع الاتهام نحو طهران للتورط في الحادثة، وتحريض الأهالي للتصدي لتلك الدوريات وفقاً لمخطط أبعد، يهدف إلى تعزيز التمدد الروسي في المنطقة واستمالة أبناء العشائر التي تعتبر نوعًا ما، موالية للنظام، من أجل تشكيل “جيش عشائري” مستقل برعاية الجيش الروسي، تمهيداً لسيطرتها وإدارتها للمنطقة برمتها.
وكان الضباط الروس، قد عقدوا اجتماعاً منذ فترة قصيرة مع وجهاء من عشيرة (حرب ) بزعامة “محمود العاكوب”، ومجموعة من أتباع النظام في مضافة أحد شيوخ العشيرة بالقامشلي. وأثارت الزيارة ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، تنديداً بهذه الزيارة واعتراضاً على ما وصفه أبناء العشائر ذاتها بأنه “إهانة” لهم، تجسدت بدخول العناصر الروس بأحذيتهم دون خلعها على باب المضافة، وهذا ما يعتبر “عاراً” وفقاً للعرف العشائري. ويأتي التمدد الروسي في شرق الفرات على حساب تراجع الدور الإيراني في المنطقة، بعد مقتل قاسم سليماني، ما فسح المجال أمام الروس لاستمالة شيوخ العشائر بدخول مناطق طي وحرب وعشائر بني سبعة والبوعاصي والبو راشد والغنامة. وفي السياق ذاته، اجتمع الروس منذ فترة في قرية جرمز “مقر زعامة قبيلة طي”، بشيوخ طي وحرب والبني سبعة والبوعاصي والراشد والغنامة، مع أمين شعبة حزب ( البعث) وعدد من المقربين من الروس والمتنفذين في المنطقة. وطرح الروس خلال هذا الاجتماع، مشروعاً لتجنيد أبناء العشائر، من أجل ضمهم في كتائب عسكرية غير نظامية. ورداً على قول بعض الشيوخ: لدينا الدفاع الوطني، جاء الرد الروسي: “هؤلاء تابعون للجيش السوري، ونحن نريد تشكيلاً خاصاً بنا، على أن تمنح روسيا الرواتب والسلاح والمساعدات الغذائية، ولا علاقة لهذا التكشيل بالنظام. و التشكيل الجديد سيضم من خمسمئة إلى ألف شخص، مع تقديم وعود للشيوخ بأن لا يقوم هذا التشكيل بالاشتباك مع أي طرف خارج المحافظة، ولن يدخل في معارك إلا عند الاضطرار وهذا ما فسره المراقبون بأنه لردع النفوذين التركي الإيراني في شرق الفرات ولضبط الوضع والتحكم به وفق ما تتطلبه المصالح الروسية في المنطقة. وجاءت هذه الخطوة رداً على افتتاح القوات الأمريكية باب التسجيل في دورات عسكرية، بهدف تشكيل فصائل من السكان المحليين في منطقة الشدادي جنوبي محافظة الحسكة، من قبيلة الجبور. يعملون بأمرتها مقابل راتب شهري يصل إلى 350 دولاراً أمريكياً، بالإضافة لتفعيل دور الكتائب التي يقودها، أحمد الجربا، رئيس الائتلاف السوري المعارض الأسبق في المثلث الحدودي ( السوري – الأردن – العراقي) .
و تسعى روسيا إلى بناء جدار بين مناطق الانتشار الأمريكي الحالي وباقي مناطق سيطرة ( قسد) ، والتظاهر بعرقلة الدوريات الأمريكية من خلال اعتراضها بالاحتجاجات المدنية المتكررة، لما لقامشلي من أهمية كبيرة كونها تتربع على عقدة تقاطع طريق الحسكة-القامشلي مع طريق M4 الواصل إلى العراق شرقًا.
المطبخ الإسرائيلي وعلاقته بالوضع في شرق الفرات
عقدت قمة أمنية ( إسرائيلية – روسية – أمريكية في 2019 في تل أبيب وتمت فيها ترتيب الأوراق ، وتبادل الأدوار ، وتحديد مستقبل سوريا والاصلاح السياسي وإبعاد إيران عنها. وتعزيز التنسيق والتعاون الأمني بين هذه الدول وهذا ما فسره المراقبون بأن نتائج هذه القمة كانت موجهة بشكل مباشر لــ (أنقرة وطهران) اللتان تراقبان الوضع عن كثب، لإنهما الدولتان المعنيتان بهذه التطورات التي تهدد مصالحهما الاستراتيجية في المنطقة وفق المنطق السياسي.
بالمحصلة فإن القمة -الثلاثية التي انعقدت في تل أبيب عام 2019، حددت الخارطة الجيوسياسية في سوريا ، ومختصرها هو إخراج إيران من سوريا ووقف التمدد التركي وتقزيم دورهما وإخراجهما من المعادلة السورية وعلى المراحل.
الخلاصة :
ما يحصل في شرق الفرات من التعارك الوهمي بين واشنطن وموسكو بالقرب من الحدود التركية واللعب بملف العشائر وإثارة خلافات وهمية فيما بينهم بين فينة وآخرى ما هو إلا لتضليل أنقرة وطهران. وتوجيه رسائل متعددة الأوجه مفادها بأنهما على خلاف، لكن في الحقيقة هم متفقون فيما بينهم، فالأمريكان يتحكمون بالملف العسكري من خلال “قوات سوريا الديمقراطية” بينما موسكو تجاهد لحشد العشائر العربية تحت العنوان (مواجهة التواجد الأمريكي).لكن في الحقيقة ما هو إلا لتبادل الأدوار لمواجهة النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة، وضبط إيقاع الصراع وفق رغبات “تل أبيب ” ومساعدتها لتحقيق أحلامها وأمنياتها بمد مشروعها من النيل إلى الدجلة ، وثمن بقاء النظام السوري حتى اللحظة هو عدم التعرض للقوات الأمريكية في شرق الفرات.
وما الانهيار في سعر صرف الليرة السورية إلا ضغوطات إضافية لتنفيذ النظام لتعهداته والالتزام بما هو المتفق عليه بين الدول الثلاث. وفي الختام، هل الصراع الروسي الأمريكي في شرق الفرات هو حقيقي أم وهمي؟ الجواب : وهمي ومخادع وتبادل للأدوار فقط، والصفحات التاريخ ستثبت يوماً ما بانني كنت على الحق.
*عضو مكتب العلاقات في تيار المستقبل الكوردي في سوريا