كيف يطعننا أصدقاؤنا من المعارضة السورية – 2/2

  د. محمود عباس
 كما واليوم وبعدما ثبتت أن (الفيدرالية الجغرافية الكردستانية) تبحث على المستويات الدولية، وظهرت المؤشرات على أن تجربة باشور كردستان ستكون المثال المحتذى به، بدأت المعارضة العروبية والتكفيرية معاً، بالالتفاف على المطروح، وبنفس أساليب العرض الأول، وبعد مشوار طويل لهم في مجال خلق المصطلحات الجديدة، لتشويه ما يعرضه الكرد من مشاريع لإنقاذ سوريا على أبعاد وطنية، والطعن بكل ما يصدر من الجانب الكردي، إلى درجة أصبحت المطالبة بالوطن المشترك الفيدرالي في مفهومهم تعني التقسيم، أو أنها بداية الانفصال، فهاجموهم بكل الأساليب مع نعوت لا يحمد عقباها.
  ففي الوقت الذي يعمل فيه الحراك الكردي؛ لإيجاد مخرج منطقي عملي لسوريا القادمة، تقوم المعارضة من جهة والسلطة من جهة أخرى بإلهاء الشارع الكردي والعربي بثانويات الأمور واللعب بالمصطلحات، لإدامة الصراع وتعقيد الواقع المأزوم أصلا، فبينهم من عاد للاستشهاد بتحريفات مؤرخيهم عن الوجود الكردي في الجغرافية المسمات بسوريا، وأنكروا الحضور الكردي في منطقة الجزيرة في القرون الماضية، علما أن التاريخ المكتوب من قبل العديد من المؤرخين والرحالة تثبت العكس، وتؤكد على أن الكرد كان لهم حضور كحضر وعشائر رحل في كل مناطق الجزيرة، ولم يكن للقبائل العربية ظهور إلى بعد ثورات الحائل في شمال شبه الجزيرة العربية، ونحن هنا نتحدث عن التاريخ الحديث للجزيرة، وليس عن ظهور المكون العربي في كردستان على خلفية الغزوات الإسلامية، والتي خلفت حضورا هشا في مناطقها الجنوبية على مدى كل القرون التي حكمتها السلطات العربية الإسلامية. (لمعرفة اكثر عن تاريخ الكرد والعرب في الجزيرة ومن مصادرها دون تحريف يمكن العودة إلى مقالنا المعنون بـ “مراحل التمدد العربي في جغرافية جنوب غرب كردستان” ست حلقات) المنشور في موقع ولاتي ما.
 وتثبت كل المصادر التاريخية الإسلامية والأجنبية، الحضور الكردي على جغرافيته، والذي لم ينقطع يوما وعلى مر القرون الماضية، رغم الشح الديمغرافي في كل المنطقة بل وفي سوريا والعالم، إلى درجة أن سكان سوريا الكبرى حتى عام 1932م لم يكن يتجاوز الثلاثة ملايين، وقد قدمنا وقدم العديد من الكتاب بينهم مؤرخون كرد في هذا المجال التاريخي والديمغرافي للجزيرة دراسات عديدة تدحض ما يتفضل به شخصيات من المعارضة السورية وأخرهم (الدكتور كمال اللبواني) ولأن هؤلاء اصطدموا بضحالة انتقاداتهم وتهجمهم، قبلوا بالمفهوم الفيدرالي، فأصبحوا يصرحون أنهم لا يرفضونها لكنهم جاؤوا بمنسوخهم الفكري الضبابي، وأصبحوا يفصلون الفيدرالية حسب مقاساتهم.
  فمنهم من خرج على أن الفيدرالية يجب أن يتم التصديق عليها من قبل الشعب السوري، والبعض روج على أن الجغرافية المفترضة تطبيق الفيدرالية فيها، وهي ربما المحافظات التالية الرقة والحسكة وشمال دير الزور، ومنطقة عفرين، يجب أن تتم بالانتخابات، على الخلفية الديمغرافية الحاضرة الآن، والكل يعلم ماذا جرى وما هو الواقع الديمغرافي للمنطقة الكردستانية اليوم، وبالتالي سيعود الكرد إلى منهجية الإلغاء ثانية، لكن تحت هذه الديمقراطية سيخسر الكرد كامل حقوق، ومن ضمنها المطالبة بحقهم كشعب يعيش على أرضه التاريخية، وهنا تكمن الكارثة، ولأن هؤلاء يعلمون ما يخططون له فقد وجدوها أفضل من المعارضة على الفيدرالية، وعليه فكل كردي يقبل بدون الفيدرالية الكردستانية وبجغرافية واضحة المعالم يكون قد قضى على وجوده كشعب صاحب أرض، وسيعيش كمواطن ضمن دولة ديمقراطية تترحم على الشعب الكردي بإعطائه الحقوق الثقافية. 
  من الجميل أن يكون هناك حوار مستمر بيننا وبين المكونات الأخرى من الشعوب السورية، إن كانت مع أطراف المعارضة العربية أو حتى مع السلطة، شريطة أن يسبقها القليل من التقدير للرأي الأخر، وأن تبنى الحوارات لغاية بلوغ هدف يسعد المجتمع السوري، ولكن للأسف معظم ما تم حتى اللحظة سبقتها مخططات للطعن في القضية الكردية، ومستقبل الكردي ضمن سوريا القادمة، مثل الطرح الذي ظهر اليوم من قبل أحد أصدقاء الكرد وأتقياء المعارضة السورية (الدكتور كمال اللبواني) الشخصية المطعونة فيها، أو الذي طعن ذاته بذاته وللأسف؛ من خلال كلمته الموجهة إلى بشار الأسد، والذي كما يقال جاء ليكحلها فعماها، وليته لم ينشرها، على الأقل في هذه الفترة، فكيف بمعارض وطني يوصي المجرم بشار الأسد أن ينقذ ذاته، في الوقت الذي كان يجب أن يقول له أنه سيحاكم وسيعدم أينما حل، ومن الغرابة، هنا لن نتحدث كيف عاد إلى سوريا وهو الذي زار أمريكا وإسرائيل وأوروبا يحاورهم على تغيير النظام، وتم أطلاق سراحه في بدايات الثورة؟! )أنظر مقالنا ” د. كمال اللبواني من ضحايا سجون النظام”) المنشور في موقع ولاتي ما.
  وتتبين هنا أنه يقوم بتصدير مفهومه الجديد الغريب (الفيدرالية الثقافية) وهو منطق شريحة من المعارضة، ونظن أنه لا هو ولا من يساندوه في الفكرة، يعلمون كيف ستطبق الفيدرالية الثقافية وكيف ستكون، لكنه بالمقابل يدرك أن الطرح خدعة سياسية لطمس الفيدرالية المطلوبة تطبيقها على الأرض. وفي الجهة الأخرى سنقبل هذه الفيدرالية شريطة أن تكون الحقوق الثقافية والإدارية للمناطق الكردية مساوية لحقوق المكون العربي في دمشق أو أية منطقة أخرى، وهنا نكون قد شاركنا في بناء الوطن الواحد اللامركزي، وإلا فالمعروض نفاق سياسي لا أكثر.
  ولربما لغيرته على قوميته، وهذا من حقه كعربي وليس كوطني، محاولة إعادة القضية الكردية إلى المربع الأول أيام هيمنة المربعات الأمنية عندما كانوا يحصرون المطلب الكردي كقومية ثانية في سوريا ضمن حقوق المواطنة، ورفعتها المعارضة السورية إلى الحقوق الثقافية، وبالتالي تكون سوريا القادمة قد سقطت في الهوة المميتة، وتم تمرير ما تريده المعارضة والسلطة معا، دون أن يواجهوننا أو يحاربوا القوى الكبرى على مشاريعها المستقبلية للدولة الوطنية الفيدرالية، والقيام بمحاولة الحوار معنا على الحقوق الثقافية للشعب الكردي، وهذه تتبين من خلال معروضه التاريخي الذي تشدق به والمفتقر إلى معرفة مقبولة بتاريخ الجزيرة والمنطقة.
 وعلينا ألا ننسى أن السلطة؛ والدول الإقليمية المحتلة لكردستان، والمعارضة؛ والدول الداعمة لها؛ متفقة على كل هذه الطروحات، والخدع المتتالية، حيث التنقل من مشروع إلى أخر لإلهاء الكرد بالقضايا الثانوية، ويكونوا هم قد انتقلوا إلى عرض جديد، في الوقت الذين نكون قد ألتهينا ببعضنا ضمن حواراتنا السفسطائية، هل المطروح نابع من بعد وطني، أم أنها خطوة أفضل من عدمه، مقابل من يريد أن يذكرهم أن الوعي الكردي ربما بلغ مرحلة أعلى من أن تعميها الخدع السياسية الخبيثة.
  لقد تعود الكرد على الطروحات الصادرة من الشخصيات التي تعد ذاتها وطنية ولا تعادي القضية الكردية، والذين يحملون بيدهم كلمة و (لكن) والتي يتم عرضها بعدما قد تم التوافق عليه في الأروقة السياسة للقوى المعادية للكرد.
  وأول ما يتبادر إلى ذهننا هو أننا يجب ألا نرفض ما يقدمه البعض من أصدقاء الكرد ضمن المعارضة، وهنا تكمن الخدعة، فمن هو الصديق ومن هو المخادع؟
 فمعظم الطروحات تعرض من الشريحة التي تفرز ذاتها أصدقاء للكرد، ولا يعادون المطالب الكردية، لكنهم لم يتقبلوها يوما ما من البعد الكردي، ولم يتناقشوا على ما إذا كانت تتعارض والوطنية السورية، ولم يعترفوا يوما على أن مواقفهم من قضيتنا، ومنطقهم الجاري، نابع من الصور النمطية الخاطئة المترسخة في ذهنهم عن الكرد، ولا يتمكنون التحرر منها، وبالتالي تخرج حواراتهم وطروحاتهم مطعونة فيها من البعدين الوطني والقومي، لأن غايات ومقاصد جميعها إلغاء الوجود الكردي، كمكون أساسي في سوريا، وبالتالي كشعب على أرضه التاريخية، وصاحب حق في امتلاك جغرافيته، وممارسة حقوقه كاملة مثلما يمارسها العربي في مناطقه. 
 من السهل التعامل مع المعارضة العنصرية العروبية التكفيرية والتي ترفض حقوق الشعب الكردي، أو حتى الذين ينعتوننا بالصفات النابعة من خلفياتهم الثقافية، على الأقل هؤلاء أعداء واضحون، بعكس الأصدقاء المنافقون أو السياسيون المخادعون، والذين يلبسون لباس الوطنية، وهم دونها، وبها يعتمون على الأصدقاء الحقيقيين، وما أكثرهم رغم قلة ظهورهم على الساحة الإعلامية والسياسية، الذين ينورون الشارع العربي والكردي معاً، ومكانتهم محفوظة لدى الشعب الكردي.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
27/5/2020م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…

نظام مير محمدي* في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة جمهوري إسلامي الحكومية مقالاً بعنوان “الخوف من ثورة الجماهير الجائعة”، محذرة قادة النظام: “كل يوم، تتعمق الأزمة الاقتصادية؛ يزداد الفقراء فقراً، والأغنياء ثراءً، ويصبح المستنقع غير المسبوق من النخبوية الذي يجتاح مجتمعنا أكثر انتشارًا”. وسلط المقال الضوء على أن الطبقة النخبوية الجديدة “تعيش في قصور أكثر إسرافًا من قصور الشاه…

إبراهيم اليوسف   لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، في وقتنا المعاصر، منصات عالمية تتيح لجميعنا التعبير عن آرائنا، مهما كانت هذه الآراء إيجابية أو سلبية. لكن هناك ظاهرة جديدة تتجسد في ما يمكن أن نسميه “إطلاق النار الاستباقي”، وهو الهجوم أو النقد في صورته المشوهة الذي يستهدف أي فكرة أو عمل قبل أن يرى النور. لا تقتصر هذه الظاهرة على…