نوري بريمو
كانت الأعياد فيما مضى محطات تعمّها الطقوس المفعَمة بالأفراح والمصالحات وتمتين صلات الرحم وعيادة المرضى وزيارة المقابر و…إلخ، إلا أنها بفعل عوامل سلبية كثيرة انقلبت رأساً على عقب وباتت بغالبيتها مناسبات مشؤومة ومكتظة بالحرمان والفاقة وإفتراق الأرحام في هذه الأيام السورية العصيبة التي أضحى الناس فيها ضحايا للنزاعات الطائفية والعرقية وللحروب الدموية والتهجير بالجملة والقتل على الهوية وصارت قلوب السوريين -المغتربين منهم والباقين في البلد- تتلوّع وتعتصر بالأحزان والتحسّر واليأس ويردّدون بينهم وبين أنفسهم عبارة: “أيا ليتت أعياد زمان تعود يوماً”!.
وبما أنّ الأعياد لا تنتظر أحداً وتتوالى ولسان حال السوريين المنتشرين في كل مكان يقول: العين بصيرة والأيدي قصيرة لأنّ أسعار المواد أضحت بالعلالي وقيمة الليرة غرقت بالوطاوي!، وبما أنّ سارقي قوت الشعب وقاتليه ومشرّديه قد اختلسوا بلا رحمة بسمة الأطفال وفرحة آبائهم وأمهاتهم قبل أن يحلّ العيد على ديارهم التي حولها الحكام والمتطرفون وتجار الحروب إلى خرابات يغزوها البؤس والشقاء والحرمان والفاقة والفجائع، فإنّ العيد بات مجرّد اسم شكلي ليوم حزين ولا يختلف كثيراً عن أي يوم آخر تعكرتْ صفوة الحياة فيه تحت سطوة مظاهر الحاجة لأبسط الأمور والفجع بأعز الناس الذين خسرهم أهلم في حين غرّة حينما فارقوهم إلى المقابر أو السجون أو عالم الهجرة والضياع في شوارع العالم لا لذنب إقترفوه سوى لأنهم ليسوا من الموالين لأهل الحكم أو للميليشيات المسلحة التي تسرح وتمرح في ظل غياب الحلول السلمية التي حوّلت سوريا إلى ساحة حرب طائفية وعرقية مفتوحة على كافة الإحتمالات.
ورغم أنّ عيد الفطر الذي سيحلّ علينا يوم غدٍ سيكون ضيفاً ثقيلاً ومثقلاً بهموم جديدة لا طائل عليها، لأنّ الأيتام سيستذكروا صور آبائهم الشهداء والأمهات الثكلى ستحنُّ لأرواح أبنائهن والنساء الأرامل ستشتاق لقامات أزواجهن الذين خطفهم القتل أو السجون أو الإغتراب خارج الوطن أو داخله أو…إلخ، ولكنْ ورغم تراكم الأعباء والمآسي والويلات فإنّ التفاؤل ينبغي أن يبقى سيد الموقف في كل الأعياد والمناسبات التي قد تجعل الناس يتناسوا جراحاتهم ويتظاهروا بالتسامح مع عيدهم وإكساء وجوههم بإبتسامات مصطنَعة تخفي وراءها حرقة في أفئدتهم وعيونهم التي إن جئنا إلى الحقيقة فإنها أصبحت تذرف دما وليس دمعاً!؟، ويحمِّلوا العيد مزيداً من الأماني والآمال رغم جسامة الآلام، ويودِّعوه مثلما استقبلوه ليمضي الوقت ويسرق من أعمارهم حتى يتفاجأوا بقدوم عيدٍ جديد قد يكون أكثر سوءاً وقتامة من سلفه.
وفي كل الأحول ليس بالوسع سوى المعايدة والقول: كل عام وأنتم بخير وصحة وعافية…وعيد فطر سعيد وينعاد عليكم باليُمْنِ والبَرَكة والحمدلله على كل حال و…الخ، ولكنّ هذه العبارات التبريكية التي نرددها فيما بيننا بمعية ملايين الآدميين في صبيحة كل عيد، قد أضحت مع الأسف الشديد مجرَّد مجاملات وجاهية يجري تبادلها جزافا في سياق ممارسة عاداتنا المتوارَثة عن آبائنا وأجدادنا، بعد أن فقدت أعيادنا الحالية لغالبية طقوسها الدينية والإنسانية ولمعانيها الاجتماعية التي بات الحنين إليها لا يفارق خيال أجيالنا التي عايشت أعياد أيام زمان التي يبدو أنها أمست في خبر كان ورحلت بلا رجعة عن دنيانا المكتظة بالمظالم والحرمان والشعور بالغبن والقشعريرة والغربة عن الأهل وعن الديار التي باتت تُضْرَس بين رحى طواحين العنف والعنف المضاد في ظل حدّية الصراعات الداخلية وحميّة التدخلات الإقليمية والدولية وفي غياهب مصالح هذا العالم الذي لا يرحم الضعفاء.
(22-5-2020)