نوري بريمو
يبدو أنّ الأوضاع في سوريا قد وصلت الى نقطة حرجة أدت إلى شبه إستحالة العيش المشترك بين مكوّنات هذه الدولة التي تشكلت قبل حوالي مئة عام على أنقاض الأمبراطورية العثمانية التي سقطت حينذاك وجرى تقاسم نفوذها بموجب إتفاقية سايكس بيكو 1916م المُبْرَمَة بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وذلك لأنّ مقومات الشراكة بين مكوناتها وخاصة بين العرب السنة والعلويين قد وصلت إلى طريق مسدود بفعل تكرار نشوب حرب طائفية دامية بين طرفين متعاديين عبر التاريخ ويبدو أنهما لن يتصالحا ولن يتنازلا لبعضها مهما كان حجم الخسائر المادية والبشرية ومهما بلغ عمق الجراح الأهلية التي قد لا تندمل مهما تعددت الوساطات والمؤتمرات الدولية كمسار جنيف الدولي المعطّلْ بسبب تعنت الطرفين الرئيسيين المتصارعَين على الحكم وفق مبدأ إلغاء الآخر لا التشارك معه.
وإذا كان الربيع العربي الذي إندلع قبل حوالي عشرة سنوات، قد أدى إلى إسقاط أنظمة الحكم في بعض الدول (تونس وليبيا ومصر والسودان) وأبقى على تلك الدول موحدة ولم تتفكك جغرافيتها، فإنّ الربيع السوري الذي تحول من ثورة سلمية إلى حرب أهلية وأزمة عالقة عتَّبَتْ عامها العاشر، قد كان فريداً من نوعه ولم يكن له مثيلاً لأنّ أمده طال كثيراً ولأنه قد يؤدي إلى تغيير النظام وتفكيك الدولة معاً كما حدث في يوغسلافيا التي إنهارت وتفككت إلى دول مستقلة عن بعضها بسبب حديّة النزاعات الداخلية وجديّة التدخلات الخارجية.
وأعتقد بأن الراهن السوري الملتهب منذ سنوات بنيران صراعٍ طائفي من حيث الشكل والمضمون، قد وضع حاضر سوريا على صفيح ساخن ويوحي إلى مستقبل أكثر سخونة وتعقيداً في ظل هكذا حالة عداء جاثمة وكاتمة لأنفاس كل الأطراف في هذه الساحة المقبلة على المجهول، وقد يترافق ذلك بضغوط أمريكة وروسية مشتركة قد لا تجدي نفعاً في إيجاد أي حل لأنه يبدو بأنّ طرفي النزاع الرئيسيين (السنة والعلويين) لن يلتقيا ولن يقبلا بأية مبادرات دولية من شأنها أن تسوق لحل سياسي شامل ولشراكة تنقذ البلد من هاوية الإنهيار في مهب رياح الأحقاد والثأرات والجراحات الداخلية من جهة والتدخلات الإقليمية والدولية الجارية بحمية وعلى قدم وساق من جهة أخرى.
وبناء عليه فإنّ الازمة السورية سيكون لها تطوراتها الخاصة بها، ولذا يصعب التكهُّن بمآلاتها الحالية والمستقبلية، إلا أنّ هنالك ثمة إعتقاد وارد في الحسبان وهو أنّ معظم دروب الحلول السلمية قد باتت شبه مسدودة ما عدا سيناريو التدخل الخارجي الذي قد يؤدي إلى تفكيك أوصال سوريا وتقاسم النفوذ فيما بين الأمريكان والروس وبعض دول الجوار التي قد تتمدّد أكثر نحو عمق الجغرافيا السورية التي قد تصبح في خبر كان في ظل إنقسام المكوّن العربي بين خندقين طائفيين وإحتماءهم بظلال هذه الدولة الإقليمية أو تلك.
وبالنسبة لحاضر ومستقبل القضية الكردية في سوريا وسط هذه الدوّامة السورية، فإنّ الخشية تكمن في تكرار مآسي الماضي وخروج شعبنا الكردي من المولد السوري بلا حمّص!؟، رغم مشاركته في كافة الهموم والشجون السورية على مدى العقود الماضية، ورغم إنخراطه في الثورة منذ إندلاعها وتقديمه للشهداء أبرزهم (نصرالدين برهيك وولات حسي وشهداء تل غزال وعائلة شيخ حنان وشهداء برج عبدالو وغيرهم)، إذ على الأرجح لن يعترف طرفا المعادلة الرئيسيّان بشراكة الكُرد وسيطيب لهم أن يواصلوا إغتصاب كردستان سوريا أرضاً وشعباً وأن يستمروا في تطبيق سياساتهم الشوفينية من خلال تطبيقهم لمسلسل التغيير الديموغرافي عبر ترهيب وتهجير الكرد من ديار آبائهم وأجدادهم وإسكان العرب والتركمان وغيرهم محلهم.
حيال هذا الواقع السوري الموحل والموحي بإحتمال حرمان الشريك الكردي من إستحقاقاته المشروعة في ظل المحاصصة السورية التي قد تحصل عاجلاً أم آجلاً، فإنّ المطلوب من الجانب السياسي الكردي وخاصة المجلس الوطني الكردي بإعتباره الطرف الحامل للمشروعي القومي والسائر على نهج الكردايتي أي نهج البارزاني الخالد، هو أن يتحلّى باليقظة ويحسب أكثر من حساب وتحسُّب وأن لاينساق وراء ألاعيب وخطط الآخرين وأن يبادر كلاعب رئيسي في أية جهود لترتيب البيت الكردي عبر التفاوض مع أطراف أخرى كردية سورية على أن يتم هذا التفاوض برعاية أميركية وبارزانية، وذلك كإجراء دفاعي لابد منه لإنقاذ مايمكن إنقاذه من الحالة الكردية السورية التي باتت مهددة بشتى المخاطر المحدقة.
(5-5-2020)