لقاء خاص مع السياسي الكردي البارز يوسف ديبو (أبو بهمن)

  أجرى الحوار : م .

بافي
ژيــن  
  
نصف قرن من النضال… وحصيلته التجريد من الحقوق المدنية والإنسانية
بدعوة من الأستاذ يوسف ديبو عضو المكتب السياسي للحزب اليساري الكردي في سوريا لحضور  حفلة اليوبيل الذهبي لإتمامه العام الخمسين من النضال في صفوف الحركة الوطنية الكردية في سوريا المقام في داره الكائن في قرية جمعاية (قرية النضال والمناضلين) في 13 / 9 / 2007, هذا المناضل الجسور الذي تعرض إلى شتى صنوف التعذيب النفسي والجسدي والاجتماعي والاستجوابات الأمنية المزعجة والمتكررة
وقد سجن خلال مسيرته النضالية الشاقة والطويلة خمس مرات (سجن مرتين أثناء حكم جمال عبد الناصر ومرة في عهد يوسف الزعيّن ومرتان في ظل النظام البعثي الحاكم ) ودام فترة السجن والاعتقال أكثر من سنة, وكان الثمن باهظاً وهو  حرمانه وتجريده من الحقوق المدنية والإنسانية ولايزال القرار الجائر بحقه سارياً إلى اليوم , لم تلين هذه الشخصية الفولاذية أمام التهديد والترغيب بل خرج في كل مرة بعزيمة أقوى واندفاع أعظم رغم حالة الفقر والعوز التي كانت تعاني منها العائلة وهنا يجب الإشارة إلى الدور الكبير للسيدة العظيمة (نائلة مصطفى – أم بهمن) التي وقفت إلى جانبه في كل المحن وفي أحلك الظروف وأصعب المواقف ولعبت دوراً لا يستهان به في تهيئة الأجواء والمناخ لرفعة الرجل وعلو شأنه في مجال العمل والنضال السياسي فهي تستحق وبجدارة أن تقاسمه الوسام والتكريم والتبجيل .
بداية أرحب بكم الأستاذ يوسف , وأهنئكم من الأعماق تجاوزكم نصف قرن من النضال من أجل قضية شعبكم الكردي في سوريا , وانتهز هذه الفرصة الذهبية لنتحاور حول بعض القضايا المصيرية التي تمسنا جميعاً , وأرجو أن أوفق في تقديمكم للملأ عبر هذه المساحة الضيقة ولنسلط الضوء على بعض الجوانب السياسية والتاريخية للحركة الكردية في سوريا.

س- من هو أبو بهمن على صعيدي العائلي والسياسي الكردي ؟

أنا يوسف بن خليل ديبو ولدت في قرية مزكفت التابعة لناحية (تربه سبي) المعرّبة إلى القحطانية عام/1936/ التحقت بحلقات الكتاتيب الدينية على أيدي رجال الدين وأمضيت فيها ست سنوات ثم تابعت دراستي في المدارس الرسمية لمدة ست سنوات أخرى ونلت شهادة الصف السادس الإعدادي آنذاك , إنني أنحدر من عائلة إقطاعية وطنية  تنتمي إلى عشيرة (علكا) التي سكنت في منطقة باطمان وبعد انتكاسة ثورة الشيخ سعيد عام 1925م وبسبب مشاركتنا الفعالة في الثورة هجرت العائلة إلى القسم الجنوبي من كردستان بعد تقسيمه عام 1916 وفق اتفاقية (سايكس- بيكو) وكانت تسمى آنذاك(serxet  u  binxet)  نسبة إلى التقسيم الجديد للمنطقة.


انتسبت إلى الحركة الوطنية الكردية في 10 /9 /1957 وكانت فرقتنا تضم خمسة أشخاص أذكر منهم الأستاذ صلاح بدرالدين وسيد رمضان البرزنجي… وكانت هذه الفرقة من أنشط الفرق الحزبية حيث استطعنا خلال سنة أن نشكل حوالي ثمانين فرقة حزبية في المنطقة .

وعلى أثرها رفعنا إلى الهيئة الفرعية لحين انعقاد الكونفرانس الخامس من آب 1965 أصبحت فيه أحد أعضاء اللجنة المنطقية وفي المؤتمر الثاني للحزب اليساري الكردي في سوريا عام 1969 انتخبت عضواً في اللجنة المركزية للحزب وعندما انعقد الكونفرانس العاشر للحزب عام / 1971 / تم فيه ربط النضال القومي بالنضال الطبقي لأول مرة وبعد مناقشات ومداولات عيّن الحضور ثلاثة أعضاء للمكتب السياسي وهم (عصمت سيدا ورفعت حسن عثمان وأنا) وتمّ الالتزام بالماركسية اللينينية وتطبيقها حسب الظروف الخاصة والمشخصة للشعب الكردي في سوريا , وفي عام /1973/ عقد المؤتمر الثالث للحزب وتمّ انتخابي من قبل اللجنة المركزية أميناً عاماً للحزب عام/ 1989/ خلفاً للرفيق الراحل عصمت سيدا بعد أن وافته المنية ورحل عنا باكراً , وبعد دورتين مدتها ثماني سنوات , تنازلت طوعاً عن الأمانة العامة لإيماني الكامل بفكرة تداول المسؤولية وعدم احتكارها لجهة أو شخصية معينة مهما كانت الأسباب , وأنا الآن أعمل عضواً في المكتب السياسي للحزب اليساري الكردي في سوريا بعد انقطاعي عن العمل التنظيمي لمدة خمس سنوات .

س – وماذا عن المؤتمر الوطني بقيادة القائد الخالد مصطفى البارزاني ؟

  بدعوة وطنية لا تشوبها شائبة , أستدعي طرفا الحزب من قبل الخالد بارزاني المصطفى لحضور المؤتمر الوطني عام/1970/ وذلك بغية توحيد طرفي الحزب , وتمّ تلبية الدعوة فحضر عن كل طرف خمس وعشرين عضواً وأنا كنت عضواً مشاركاً من الطرف اليساري , إضافة إلى ست وخمسين شخصاً حيادياً ومهمتهم بمثابة حكام بين شقي الحزب (اليميني واليساري) لكن ومع الأسف وبعد العودة لم تتم الوحدة بل أضيف رقماً آخر إلينا وأصبحنا ثلاثة أطراف عوضاً عن الاثنين ( الحزب اليساري – الحزب اليميني- وحزباً جديداً ًباسم الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا- البارتي- بقيادة العناصر الحيادية السابقة ( .
 
س- يعرف عن أبو بهمن بقوة الذاكرة واستحضار التاريخ والاحتفاظ بتفاصيله وخاصة الكردي منه حبذا لو تضعنا في واقع وتاريخ الحركة الكردية في سوريا منذ البدايات :

تأسس أول تنظيم كردي في سوريا في 14حزيران عام / 1957/ باسم الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا بقيادة القائد المؤسس عثمان صبري وعضوية ستة رفاق آخرين , حيث انضم إلى عضوية الحزب جميع شرائح المجتمع الكردي وطبقاته من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين من رجال دين إلى العلمانيين ومن البرجوازية الوطنية إلى الطبقات الفقيرة , لكن واقع الحال لم يدم طويلاً حتى انقسم الحزب على نفسه في آب عام /1965/ إلى تيارين :(التيار اليساري) ويمثل الطبقة الكادحة من فلاحين وعمال ومثقفين ثوريين ظل بروز المد الثوري في العالم والمنطقة بقيادة الإتحاد السوفييتي السابقة , و (التيار اليميني) ممثلا عن الفكر البرجوازي والطبقات الغنية والإقطاعية .

س- كما هو معروف أن انطلاقة الخامس من آب كان له مايبرره على صعيد التنظيمي والسياسي وأمسى الصراع معلناً بين تيارين مختلفين في التوجهات السياسية والفكرية وحول المفاهيم القومية والطبقية .
الأستاذ الفاضل هل ذكرتم أبرز هذه الأسباب والخلافات بين جناحي الحزب قبيل عام 1965 ؟       
  
من الصعب جداً أن تبقي جميع طبقات وشرائح المجتمع الكردي في سوريا بما تحمل من رؤى وأفكار متمايزة ومتناقضة أحياناً في حزب واحد .


  كان الجدل نابياًً بين تيارين مختلفين ومتمايزين فكرياً وطبقياً ؛ فكنا نؤمن بالأفكار اليسارية والاشتراكية العلمية بل ممثلين عن الطبقات الدنيا والفقيرة للمجتمع الكردي , بينما التيار الثاني وسمي باليمين كان متأثرا ومتمسكا بالأفكار البرجوازية , وكان الخلاف حاداً حول وجود الأكراد في سوريا (شعب أم أقلية)  فالتيار اليساري كان مؤمناًّ بوجود الشعب الكردي في سوريا الذي يعيش على أرضه التاريخية ويجب أن يتمتع بحقوقه السياسية والثقافية والاجتماعية , أما الطرف الآخر كان يرى بأن الكرد أقلية قومية في سوريا وعليه يجب الاعتراف بحقوقه الثقافية والاجتماعية دون السياسية ودام هذا التباين سنين عديدة , إلا إن التيار اليميني اضطّر للتراجع عن موقفه تحت ضغط الشارع وفداحة الأمر .

 س – الأستاذ أبو بهمن ما أبرز الانقسامات في الحركة الكردية ؟ وماهي أهم أسبابها ؟ وهل هذه التعددية المفرطة في كيان الحركة لها ما يبررها؟

أول انقسام كان في الخامس من آب /1965/ وبعدها تتالت الانشطار في التيارات الثلاث ؛ فالتيار اليميني تحول إلى ثلاث مجموعات ( حميد – عزبز – طاهر ) أما التيار اليساري فقد توحد فصيلين منه في حزب واحد انبثق منهما حزب آزادي , إضافة إلى حزبي اليساري الكردي ويكيتي , بينما توزع البارتي بين كل من الأساتذة ( نذير مصطفى– إسماعيل عمر- نصرالدين إبراهيم– عبدالرحمن آلوجي- جمال شيخ باقي) وأستطيع وبإيجاز أن أحصر أسباب الانقسامات بـ الخلافات الشخصية والتنظيمية في الهرم القيادي , والتدخل الأمني السافر لتفتيت الحركة على الدوام , بالإضافة إلى البعد الكردستاني وما يشكله من علاقة التأثر والتأثير في هذا الجانب وتدخلاتهم في شؤوننا الداخلية والتنظيمية , إن هذه الانقسامات ووجود هذا العدد الكبير من الأحزاب غير مبررة مطلقاً ولا ضرورة لذلك حيث الواقع السياسي والطبقي وحتى الفكري لا يسمح بوجود أكثر من ثلاثة تيارات اليسار واليمين والوسط .

س – بما أن هذا التشتت والتشظي المفرطين غير مبررين فما هو السبيل الأنجع لتصحيح الوضع القائم ؟
 
إن الواجب الوطني والقومي يفرض علينا بل يجب أن نعمل من أجل عودة الأطراف التي انقسمت على نفسها في مراحل تاريخية معينة ولأسباب واهية إلى بعضها  بعضاً , وخاصة أطراف تيار الخامس من آب وتحديداً (حزب آزادي ويكيتي واليساري الكردي(

 س- وماذا عن إعلان دمشق ؟ وهل صحيح بأن الإعلان ولد ميتاً كون القوى الفاعلة فيها لا تتجاوز الأحزاب الكردية…؟

 قد يكون الإعلان لا يرتقي إلى مستوى الطموح أو أقل منه , ولكن الشعب الكردي جزء من الحركة الوطنية والديمقراطية السورية , وهذا يفرض علينا جميعاً كرداً وعرباً وأقلياتاً التفاعل معاً من أجل القضايا المصيرية ومنها قضية شعبنا الكردي في سوريا , وبرنامج إعلان دمشق يمثل الحد الأدنى من التوافقات السياسية بين أطرافها ونسعى لتطويره إلى صيغ أفضل .
 
هل من كلمة أخيرة تود الإشارة إليها ؟

أمنيتي الكبيرة أن أرى أطراف الخامس من آب في اتحاد يساري كردي ديمقراطي تقود مجتمعنا الكردي في هذه الظروف العصيبة التي نمر بها , كما أتمنى أن تتوحد المدارس الثلاث في إطار قومي موحد عبر مؤتمر وطني واسع وصولاً إلى (المرجعية المنشودة) لتغدو الممثل الشرعي والحقيقي لشعبنا الكردي في سوريا .

المناضل ( أبو بهمن ) شكراً جزيلاً , وأتمنى لكم العمر المديد وطول البقاء خدمة لشعبنا

 أشكركم بافي زين وأتمنى لكم التوفيق
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…