د. محمد رشيد
اعزي اسرة الفنان الكبير واولاده واخوته واخص بالذكر شقيقه هارون واولاد اعمامه الاخوة ابراهيم وقاسم واخوتهم وأقربائه واصدقاءه ومحبيه.
فنان شعبي بقامة الفنان سعيد گاباري رحمه الله يكاد، لا يوجد احد من كردستان سورية من لم يلتقي به وخاصة من منطقة الجزيرة، بالاضافة الى باقي اجزاء كردستان وفي الشتات.
تعود الذاكرة الى التعارف بالفقيد الى ايام الطفولة، حيث كان يكبرني بسنة (عمره كان ١٣ سنة ) ، كان يتواجد غالبا بكنف عمه حاج محمد كژي (نسبة الى قرية كژي) والذي كان يملك مطحنة في قرية بيزارا على نهر جقجق والقريبة من سفح جبل كوكب القريب من الحسكة والذي كان صديقا للوالد رحمهما الله .
حاج محمد هذا كان كردواريا من طراز خاص، ما أن بلغ ابنه البكر – ابراهيم – السابعة عشر من عمره حتى الحقه بالبيشمرگة في كردستان العراق في نهاية الستينات من القرن الماضي، وكان يذهب الى كردستان العراق ويبقى هناك لفترة ويعود، وفي ليلة ماطرة ليلا توقفت سيارة امام منزلنا والقت برجل امام الباب وذهبت، خرجنا على الضوضاء بهرولة من الوالد، واذ به حاج محمد كژي وعكازتين بجانبه ، حمله الوالد وأدخله الدار، وسرد قصته بانه كان في السجن بالعراق لأكثر من شهران وتعرض الى التعذيب (كانت اسفل قدماه متورمتان ومزرقتان) وسلم بعدها الى الحدود السورية ومن هناك حملوني الى هنا كونه الجو ممطرا والطريق الى بيزارا موحلا، فكادوا ان يلقوا بى على قارعة الطريق ، فأوصيتهما بان يضعاني هنا بعد ان رضوا بمبلغ محرز كان بحوزتي دفعتها لهم ولمسؤول لهم في الحدود، مضيفا يجب ان تدبر لي دابة لإيصالي الى بيزارا الان،
لم تنفع تودد الوالد اليه بالبقاء وبحالته المرثية، وفي المقابل اصراره بالذهاب ( ذكر الوالد فيما بعد ، بانه خوفا من ابلاغ السيارة العائدة الى تل كوجر وابلاغها للأفرع الامنية واللحاق به وايداعه السجن، وصدق حدسه حيث طرقت سيارة في اليوم الثاني باب دارنا وسألت عن الوالد ، فأجابت الوالدة بعربيتها الكردية، بانه خرج ليلة امس مع ضيف مريض زارنا ولم يعد الى الان …)، ذهب الوالد الى قرية مجاورة مشيا في ظل هطول الامطار وعاد بتراكتور وحملوه الى بيزارا ويبدوا بانه نقل الى قرية ثانية لإخفائه محملا بتراكتور اخر، وعاد الوالد في اليوم الثالث … وتكملة ذلك بحاجة ملف) …
المرحوم سعيد گاباري كان مالكا للبصيرة تعويضا عن البصر، في شبابه التقيت به في جلسة وكنت جالسا بجانبه بعد حوالي سبعة سنوات من التعارف عليه بالطفولة، سأله احدهم: سعيد هل تعرف الجالس بجانبك، قال فليتكلم، فأجبته سأتكلم بشرط ان تغمض عيناك، فضحك ضحكة، قائلا انه اخ سليمان (محمد)، وبعد ١٩ سنة ١٩٧٩ التقيت به في هولير وعن طريق صديق، قائلا له هل تعرفني بافي بيكس، فقال سأعرقك بشرط ان اغمض عيني، موصيا اثناء الوداع، بان اجلب له احد دواوين جگرخوين او ارسلها مع احد، كون جگرخوين جارك ويمكن ان تدبرها لي، فقلت له لكي تلحن اغنية على غرار قصيدة “سحر”، فقال والله لا اتخلص من مشاكلكم السياسية وهل تتذكر ذلك العراك الذي كاد ان يفقأ عيني ضاحكا، يعني اذا كان جگرخوين يميني لازم تكرهوا كل من يحبه ، ياأخي هنا اتعامل مع جحوش يعني هل سأصبح جحشا، وبأصراراً منه تعرفت على شقيقه البيشمرگة المتخفي وووووو والفاضلة ام بيكس، وذهبنا سويا الى مهرجان شعري وخرجنا بعد الاستراحة مع الفنان تحسين طه كوننا الاثنان لم نفهم شيئا (باللهجة الصورانية) وبعدها بما يقاربـ ٢٥ سنة ٢٠٠٤ التقيته متسائلا هل تعرفني استاذ سعيد، فأجاب سأعرقك في حال ان اغمض عيناي، وفي دردشة معه بانني كنت هنا في هولير منتصف التسعينات، مستفسرا من القيادات الكردية حول ابن عمه ابراهيم، الذي اختفت اخباره منذ حوالي اكثر من ٣٠ سنة، فقيل لي بانه اتى معنا الى ايران عام ١٩٧٥، ومن هناك توزع مع النازحين الكرد في المخيمات الايرانية، واعتقد بانه ذهب الى اوربا او تركيا او سوريا، وانقطعت اخباره، وهنا تناول المرحوم هاتفه متكلما: ابراهيم! تعال يسأل عنك احد اان عمنا، وعلى ان ابراهيم گاباري كان في سجن المزة لأكثر من عشرون عاما ولم يعرف احداً بأمره الى ان اطلق سراحه …
رحمك الله الفنان المحبوب سعيد گاباري .