سد أتاتورك

 موسى عنتر
في 28 شباط 1992، زُفَّت إلينا عبر الإذاعة بشرى مسمومة. البشرى كانت كالتالي: سوف يمدّون إلينا الكهرباء من سد أتاتورك في شهر آذار  القادم. وما موقعنا من الإعراب؟
ترى أي نفع أنابنا من مال أتاتورك حتى الآن، حتى ننتفع من كهرباء سدّه؟ فليفرح كلٌّ من وهبي كوج، سابانجيان وغيرهما.
هناك حكاية متداولة في منطقتنا. مضمونها: يقال أنه كان لابراهيم آغا خادمٌ، اسمه رشّو، وقد صار له ولَد، فبشَّروه به، فرد رشو:بالله عليكم، وأي نفْع أجنيه منه، بشّروا بيت الآغا، بأنه ولِد لهم خادم. ومن ناحية أخرى، هناك حكاية أخرى أيضاً، وهي تشبه وضعنا نحن الكرد في تركيا. ثمة مطاعم فخمة وكبرى، وفي أطعمتهم وزبائنها العجب العجاب. الأطعمة لذيذة وغالية، وزبائنها بالمقابل، عموماً، هم لصوص ولاعبو قمار، لا يهمهم المال، حتى لو كانت بأسعار جنونية، فهم يأكلون ويشربون على حساب الناس.، ومن ناحية أخرى، هناك مئات الشباب ممَّن يخدمونهم.
أولئك الشباب اللطفاء، يقدّمون الطعام اللذيذ، كخدم أجراء لهم عموماً، والمطعم من جانبه، يقدّم لهم إما برغلاً، معكرونة، أو فاصولياء.
نحن الكرد في تركيا، أشباء هؤلاء الخدم الأجراء. مثل رشو. وقد هجرنا ما سبق.لقد أمضيتُ من عمري سبع سنوات، مع غيري،وأنا أعمل لغيري، وسط الضرب والإهانات، وفي المحصّلة نبقى جوعانين.
انظروا ماذا قال شاعرنا الكبير قبل خمسين عاماً: ” وطننا كلُّه ذهب وفضَّة، إنما ما الحيلة، ينهبه الآخرون.”.
وما سمعتُه البارحة من الإذاعة، ذكَّرني بقولة جكرخوين، وأنا بدوري أريد أن أذكّركم به.
ما بين قزل تبه ونصيبين مقابل عامودا، يوجد تل، قبلها كان اسمه تل عامودا. والآن بدوره حوَّلوه إلى ملكية أتاتورك، يقال لها ” كماليه “، وكماليه على الحدود السورية، وتُرى بالعين المجرَّدة من جهة عامودا.
جعلوا التل دعامة لتمثال كمال باشا، وهو مصنوع من الحجر الكلسي، وعلى الجهة اليسرى، مكتوبة هذه العبارة” طوبى لمن يقول أنا تركي “، وفي الجهة المقابلة ” تركيا للأتراك “.
الحافلة تمر من هناك، ينظر شخص من ستليلي صوب التل ويقول ” ماالذي كتِب هنا ؟ “، يترجمون المكتوب له، فيقول الستليلي ” إيه والله نحن لسنا أتراكاً. تعساً لنا، حيث لسنا أتراكاً. تركيا ليست لنا. في ستليلي يسمّونها تركيا. يعني ذلك أننا جئنا بفضلهم .”
لا أعلم ماذا أقول لرشو وشيخ كوتي ستليلي؟ أنظر، أنا مثلهما أيضاً.. ترى، بالنسبة للكردي العاقل والشريف، ألا يكون مثلنا ؟
4-10 نيسان 1992
الترجمة عن الكردية: إبراهيم محمود
من كتاب موسى عنتر: شجرة دلبي، الذي أشرت إليه في أكثر من مقال مترجم عنه، صص17-18 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…