نوري بريمو
الكل بات يدرك بأنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني ـ سوريا، الذي تم الإعلان عنه في شهر نيسان 2014م، قد جاء بمثابة نتـاج طبيعي للقاءات وحوارات متواصلة بين عدة أحزاب كردية حَلَّتْ نفسها في إطار هذا الحزب الذي يُعتبَر إمتداداً تاريخياً لأول حزب كردستاني تم تأسيسه بكردستان سوريا في عام 1957م، وهو ثمرة لحراك وحدوي فعلي يجعل الإنسان الكوردي يستعيد ثقته بنفسه وبحركته السياسية وبالقضية التي يناضل من أجلها، وهو إنجاز يعزز روحية المثابرة على تحمُّل الصعاب والتوجه صوب تحقيق المزيـد من التقارب بهدف ترتيب البيت الكردي عبر التوصل إلى إطار تنظيمي يصبوا نحو المرتجى الكردي الأكبر.
وفي الحقيقة فإنَّ الأداء الديمقراطي الذي استمد قوته من الروح القومية والإرادة الوحدوية لدى مسئولي وكوادر أحزابنا الشريكة في تحقيق هذا المكسب المُنجَز بمساعي الجميع، كان المُلهَم الأساس لدى بروز فكرة تشكيل هكذا حزب كردستاني موحّد، وفي حين كان الإلتزام بنهج الكردايتي – أي نهج البارزاني الخالد – هو الموجّه الأول قبل وبعد ولادته، وقد تجلّى ذلك في لقاءات وحوارات مرحلة التأسيس التي سبقت الإعلان، ورغم الأداء البطيء جرّاء التعرض لبعض العقبات الذاتية والموضوعية، إلا أنّ جميع الشركاء المؤسسون إمتلكوا إرادة الإصرار والمثابرة والتعامل بإيجابية مع إشكاليات عديدة، حيث أثبتوا خلال مرحلة قصيرة بأنّ هذا المشروع الوحدوي ينبغي أن ينجح ويتحوّل إلى انطلاقة قوية لأنه حاجة ماسة تفتقر إليها حركتنا في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها شعبنا الكردي.
ولما كان الكرد عموماً وحركتهم السياسية خصوصاً، بحاجة ماسة إلى الخوض في مثل هكذا مشاريع وحدوية، فإنّ حزبنا البارتي (pdk-s) يؤكد بأنّ على الجميع النهوض بمسيرة التلاقي وتوحيد الصفوف وفق المطلوب والمُراد ليتنامى حجم الحراك الوحدوي وليزداد ثقله وسط الجماهير وفي الساحة الكردية والسورية اللتان تشهدان أزمة جياشة منذ أكثر من تسع سنوات، إذ لا بديل أمام الجانب الكردي سوى إيلاء الأولوية للتوافق فيما بينه، وبهذا الصدد فإنّ تعزيز وتفعيل المجلس الوطني الكردي وجعله ملتقىً جامعاً لكل الأطراف لكونه يصلح أن يكون القاسم المشترك الذي يجب على الجميع الالتقاء حوله للتخلص من مختلف الأزمات الذاتية التي قد تعيق الجهود الرامية للتوصل للإجماع الكردي وفق أية صيغة يتم الاتفاق حولها، على طريق توفير المقدرة على الإسهام بفعالية لخوض النضال في كل الظروف وخاصة في هذا الراهن السوري الذي قد يكتنف فرصة لشعبنا الكردي الذي لطالما انتظر وانتظر وينتظر حتى الحين.
في حين نجد بأنّ المطلوب الآني الذي يدعو إليه حزبنا هو العمل بجدية للبحث عن آليات جدية لتوفير وعي ذاتي قادر على نسيان اختلافات الماضي وخلق أجيالٍ جديدة من الكوادر الحاملة لأفكار نيِّرة وطاقات كامنة وسلوكيات حوارية تقبل الآخر، لتؤدي معاً أداءً جماعياً صوب التفاهم الكردي الذي من شأنه أن يحرر حراكنا الحزبي من أشكاله التقليدية إلى حراك عصري قوي وقادر على الخروج من دوائر التفكير الضيق والأداء الضعيف، وأن يتم تطوير أحزابنا الحالية إلى مؤسسات أكثر فعالية، لتتخلص من مختلف أمراض الحزبوية الضيقة ولتصبح أكثر تصميماً على متابعة السعي لنيل الحقوق القومية المشروعة لشعبنا التوّاق إلى الإنعتاق والعيش بسلام وحرية.
وإنّ تأسيس وإستمرار الحزب الديمقراطي الكردستاني ـ سوريا، إنْ دلّ على شيء إنما يدلُّ على وجود بوادر إيجابية تدعو إلى التفاؤل بمستقبل كردي أفضل، ولعلّ الإلتزام بنهج البارزاني الخالد الذي يؤكد على الحوار والتسامح وقبول الآخر والالتقاء معه على أرضية التلاقي ورص الصفوف، قد أصبح منهجاً شبه أكثري في هذه الأيام لدى أوساط واسعة من المثقفين والسياسيين الكرد الذي أحسُّوا بمرارة الواقع وخطورة الوضع وأصبحوا مقتنعين بوجوب الاحتكام لجادة صواب مراجعة الذات والرجوع للآخرين للتباحث معهم في صميم مستلزمات العمل المشترك بحثاً عن الحلول وتداركاً لمخاطر أخرى قد تُباغِتْ شعبنا مرّة أخرى كما في كل المرات السابقة.
ورغم أنّ حزبنا البارتي المنضوي في إطار المجلس الوطني الكردي ينحو نحو الأداء الليبرالي الديمقراطي في الإطار الجماعي ويسعى إلى توحيد الصفوف لمواجهة هذه المرحلة وكل المراحل، فإن ما يبعث على الاندهاش والاستغراب هو مدى إصرار الآخرين على التغريد خارج السرب الكردي وعدم قبول أية هدنة أو تفاوض أو مبادرة جماعية من شأنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه وخاصة بعد ما حدث لمناطق عفرين وسري كانية وكري سبي والحبل على الجرار.
وفي الحقيقة فإن حزبنا الذي يُعتبر تجربة نضالية فريدة من نوعها في ساحتنا، والذي لا يجوز الاستهانة بإمكانياته أو محاولة عرقلته تحت أية حجة أو مبررات كانت لأنه يمثل الجزء الأكبر من قوام وثقل حركتنا الكردية في هذا الجزء الكوردستاني الذي قد يشهد متغيرات متنوعة لم تكن تخطر على بال أحد، يعتز بمساهمته في تأسيس المجلس الوطني الكردي ويعتبره عنواناً مناسباً لهذه المرحلة ولا يجوز تجاوزه البتة.
وما دام الأمر هكذا، أي مادمنا نخوض تجربة نضالية عنوانها تعزيز موقع هكذا حزب كردستاني موحد تأسّس على أنقاض تشتتنا ليجمع شملنا السياسي ويسهر على صنع القرار ورفع سوية الخطاب الكردي، فإنَّ كافة أعضاء وكوادر وقيادات هذا الحزب، قد عقدوا العزم على المضي قدماً في إنجاح تجربتهم الوحدوية وتكثيف المساعي لتمتين لُحمة الكرد وتأطير قواهم وقيادة مسيرتهم التي باتت بحاجة إلى ممارسة دبلوماسية تتلاءم مع المستجدات السورية والشرق أوسطية والدولية، والعمل من أجل كسب وتعزيز ثقة الشارع الكردي الذي قد يتحول إلى حصان طروادة ويقلب الطاولة فوق رأس هذا النظام الشوفيني ووكلائه.
وبمناسبة هذا التأسيس الذي قد يعيد الأمجاد مرة أخرى للبارتي الأول “بارتي ديمقراطي كوردستان ـ سوريا”، الذي أبهج حينذاك قلوب ملايين الكرد الغيورين على حاضر ومستقبل شعبنا، ليس بالوسع سوى القول: مبروك لحزبنا البارتي وهنيئا لشعبنا الكردي، ومعاً على الطريق نحو تعزيز موقع ودور البارتي والمجلس الوطني الكردي الذي من المؤكد بأنه سيسعى جاهداً مع مختلف الأطراف الكردية والسورية من أجل تفعيل الحراك لكي ينال كل ذي حق حقه في العيش بكرامة وحرية دونما أي تمييز قومي أو طائفي يذكر.
(16-4-2020)