مانفستو عالم رهن الانهيار.. كرة أرضية تتقاذفها أرجل فيروس لامرئي

إبراهيم اليوسف

لم يتفق أحد بعد، على توصيف نهائي لطبيعة فيروس كورونا المتحور، في نسخته  مابعد الحداثية، الأكثر شهرة بين أوبئة  وآفات وأمراض التاريخ، والمسماة: كوفيد19، إذ تم الحديث، مع بدايات ولاداته، عن أنه ميت، أي أنه ولد ميتاً، ولايخترق جسد ضحيته إلا عن طريق: الفم- الأنف-العين، عن طريق وسيط مغفل، إذ يستقر بعد ئذ في إحدى شقق فندق الحلق أربعة أيام، قبل أن يبلغ قوته الفتاكة العظمى، ليجهز على ضحيته، عبر تدمير رئته، أو ينهزم، بعد أن يلحق به الكثير من الضرر، ولربما  شلِّ قدرته الجنسية، كأقل أثر،  مسبباً له المزيد من المعاناة، والقلق، والرعب.إنه أكثر من أفعى، غدارة،  متربصة بأي امرىء منا، أجل. هوتهديد عام، يتربص بنا كلنا، ولا أحد خارج دائرة الرعب والخطر!
ثمَّة مدرستان ظهرتا، بل أكثر من مدرسة، للتحدث عن كيفية انتشار، أو التقاط الفيروس، ولقد أقنعنا عدد هائل من الأطباء، والخبراء، ومتطوعو الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي،  ومن بينها: أداة الواتس آب. إحدى هاتين المدرستين رأت أن هذا الفيروس الميت يرتمي على الأسطح، جثَّة هامة، وقد يزول أثرها بعد أجل محدد، بحسب الجهة التي استضافته، ولذلك فلا بد من أن يتم إعلان النفيرالكوني، بحيث لا إنسان أو حيوان، خارج دائرة التهديد، لذلك فمن اللزام تقوية الجبهة الداخلية- لا الجبهة التقدمية الميتة-  في داخل جسد الإنسان لمواجهة الفيروس إن اخترق  السدود و المتاريس والحواجز المقامة.
ولقد أكد هؤلاء أن هذا الفيروس الميكروي” والذي  يتراوح حجمه مابين 400-500″  مايكرو، ثقيل، قياساً إلى سواه، فهو يرتمي أرضاً- بحسب اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية- لذلك فإن الهواء لاينقله البتة، بل هو قد ينتقل بوساطة الرذاذ، فإن  الكمامة- أو الماسك- لابد من وضعها لمنع  تعرضنا لرذاذ الأشخاص الذين نلتقيهم عن قرب، وثمة من قال: ابتعد عن سواك متراً، إلا أن هناك من عدل المسافة الاحتياطية، وجعلها مترين!! 
أما المدرسة الثانية، فقد ظهرت مؤخراً، ويمكن تسميتها بالمدرسة  الأمريكية، إذ رات أن هذا الفيروس يحلق في الأجواء، كخفاش صغيرغير مرئي، بعد أن سممته أفعى، ويبقى معلقاً لبضع ساعات في الأجواء، وأن إبقاء مسافة مترين، فحسب، بين المرء والآخر غير ضامنة للسلامة، بل لابد من ترك مسافة لاتقل عن خمسة امتار بينهما، في أقل تقدير، لتنسف تحذيرات هذه المدرسة تعليمات غيرها، وتسقط نظرية أقل خطراً، ويحل مكانها نظرية أشد رعباً.
كما أن الحديث عن فتك “الخوف” بالإنسان في رأس قائمة التحذيرات من قبل جميع الجهات الصحية المسؤولة، وهي مسؤولية الإعلام الذي تناول هذا الوباء، بطريقة غيرمدروسة، بل اعتباطية، بحيث غدا الخوف-تأشيرة مرور – هذا الوباء الفتاك إلى أجساد الضحايا، ولربما أن المريض الذي تتم معالجته في المشافي، وسط حالة إجراءات وقاية الطواقم الطبية الضرورية، تساهم بدورها في مضاعفة هذا الخوف، وهومايحتاج إلى دراسات مطولة. إنه خوف الكائن الآدمي الذي تفاقم بعد إعلان يأس الطب، على المدى المنظور في معالجة ضحايا هذه الجائحة، ناهيك عن الحديث عن إمكان تعمير الفيروس في العالم، واستمرارعيشه، ليس إلى جانب الإنسان، بل على حساب وجوده؟
لاأحد منا الآن، يعرف أي المدرستين على صواب، ولكن لنفترض أن هذه المدرسة الأخيرة هي أكثرصواباً من الأولى في تقديرها لمسافة الأمان، فإن هذا الوباء الذي باتت تمر بضعة أشهرعلى انطلاقته أصيب به الملايين. أجل الملايين، لأنهم نفذوا، وطبقوا توجيهات المدرسة الأولى، وثمة من فقد حياته نتيجة تلك التعليمات الخاطئة، فمن المسؤول عن حيواتهم المهدورة تلك؟ نحن هنا أمام قضية في منتهى الخطورة، حيث أن من أصدر هذه التعليمات مسؤول عما لحق بالناس، من أضرار، بسبب تطبيقها، على امتداد قارات العالم!
زد، على ذلك كله، أن الإجابة على السؤال ظلت عصية على الإجابة، فلا أحد فكَّ اللغز الكوروني، لنعرف من هوصانعه؟، أهو الخلق؟، أم الخالق؟، لاسيما إن لاخلق يطلق هكذا- فيروس- إلا  ويكون”غبياً” ” أو مريضاً”أعني إلا ولايكون أفراد أسرته. ذووه. جيرانه. أحبته، بل هونفسه، خارج هذا الخطرالكوني المحدق الذي من شأنه تحويل العالم كله إلى مسرح من جثث، لاديدان. لاذئاب، كي  تلتهم أشلاءهم المتفسخة التي ستغسلها أمطار الكون، قبل أن تتحول هذه الأجساد إلى- بترول- من نوع جديد، بعد حقب زمنية أخرى، لتظهر كائنات أخرى، أشدّ ذكاء، أو أغبى، تحل مكان “شافطي” النفط. قادة العالم، لكي تشتغل على منظوماتها الأخلاقية الجديدة، بعد نضوج حالة الوعي لديها، وهي تدير مركبة الحياة!  
وباعتباري غدوت طبيباً، إلا قليلاً: باختصاص أنتي كوروني، بدءاً من جعل الذات مختبراً لكل التعليمات المتناقضة، المتعددة من: شعبية، وخرافية، وطبية  كردية، وطبية عربية، وعالمية، ومروراً  بالعناية بنشرالثقافة الصحية العامة على من حولي، بل وعبرأوسع دائرة، كونية، ألا وهي صفحتي الفيسبوكية، وليس انتهاء بفرض بعض الوصفات على الأسرة، وقبول شرطها منذ ثلاثة أسابيع بعدم مغادرة البيت، بل وحتى الحذر من المكالمات الهاتفية المكورنة، حتى وإن كانت نسائية، فها أنا أخرج باكتشافي الخطير في مستقبل- كورونا المتحول- كورفيد19، إذ إن عقل الإنسان الكوني هوهدفه الأهم، ولذلك فإنه عبر خصيصة المكر لديه قد يصيب الدماغ. المخ، ليصاب المرء بآفة عقلية، وهكذا فإن العالم قد يصحو ويجد نفسه قد فقد عقله، كما في مسرحية” نهرالجنون” لتوفيق الحكيم، ليتغير عنوانها، ويصبح: عالم الجنون، بانتظار مخرج جدير كوني، كي يمسرح النص، عما قريب.
وإذا كنت أهزأ، هنا، من ذاتي على هذا الاكتشاف، باعتباري- أميَّاً حقاً في مجال الطب- وسأظلُّ كذلك، فإنني لأعترف بحقيقة إمكاناتي المتواضعة، بعكس عشرات الآلاف من الخبراء، والعلماء، حول العالم، ولربما مئات الآلاف، أيضاً،  الذين تركوا سكان  العالم، تتلاعب بكرتهم الأرضية أقدام كورونا، ولربما من وراء كورونا، من أنامل للطبيعة، أو الخلق، وليس- من داء إلا وله دواء- بحسب خلاصاتي الحياتية، غيرالدقيقة، أحياناً، وإن تركهم حبل-كورونا- على غاربه ألحق المزيد من الضرر بجملة تراكمات حياتية إيجابية، كما أنه من شأنه أن يخلص العالم- في المقابل- من جملة تراكمات سلوكية سيئة، تبدأ من  ذات الكائن الآدمي، وبيته، وتمر بالبيئة، والفضاء، وحتى الشرخ الذي تركه كل ذلك في”ثقب أوزون”!
نظرية- جنون العالم- عنوان جذاب، أبهرني- حقاً- وهو جدير بالاشتغال عليه، ولا أدري هل من مؤلف سبقني إليه أم لا؟. لاضير، حتى لو أن أحداً استخدمه من قبلي، فليكن لي مؤلفي الخاص، بالعنوان ذاته.  ثمة أفكار كثيرة يمكن قولها، هنا، ومنها أن فيروسات للجنون، كثيرة. كثيرة جداً، عرفها العالم، منذ أول قطرة دم آدمية سالت على الأرض وحتى الآن، ولعل إيقاع هذا الجنون، بات يرتفع على نحو هائل، باطراد، مع كل تطورعلمي، كما إن ماتخبئه لنا مرحلة مابعد” المابعد حداثة” على صعيد أسلحة الدمار، وتزاني السيدين:  التكنولوجيا والإعلام بات يدق آخر مسمار في”نعش” الوجود، لاسيما بعد سقوط نظرية توفيرالحياة ل”مجتمع الثلث” مجتمع المليارين، من دون سواه، أي على حساب موت البشر، وفق إحصاءات نهايات القرن الماضي الذي خطط له في- القيادة الكونية العميقة- وكشفه المفكرون اليساريون، وما كنا لنسمعهم البتة.
حقيقة، إنه عالم- على مفترق الطرق؟- لا أحد يعرف إلى أين وجهته، وهوأعظم تحد لكابتن النظام العالمي الجديد، الآفل، المتحطم، أخلاقياً، ومن في- كبين قيادة المركبة- كما حال النظام العالمي السابق عليه. إذ ثمة صمت مطبق. صمت من لدن شركاء الكابتن الذين يدفعون الآن، ثمن تواطؤاتهم، وغيِّهم، وعربداتهم. حول مصير مجهول يرسم أمام الأعين. لهذا العالم ذاته، عالم متجبر يهدده فيروس غيرمرئي،  بعد أن انهار خزان الثقة. خزان الطمأنينة، باستقرار البشر، في ظل من نصب نفسه راعياً كونياً، وهو يزيح أنداده، ممن لم يشتغلوا إلا على مصالحهم، كما يفاقم الفعل، في ترجماته، بعيداً عن كل القيم، المنادى بها. القيم التي باتت نفسها تستخدم من أجل هيمنة القتلة، واللصوص، على عالمنا، باسم المطالبة بعالم عادل، لاأحد فيه يستغل الآخر، أو يسرق وطنه، أو خيرات وطنه، وطاقات وطنه، بعد أن باتت الأوطان وشعوبها تستخدم قرابين من أجل غريزة الغطرسة لدى رعاة القطب الأعظم اليتيم!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…