قيامة كورونا: إعلام خارج التغطية

إبراهيم اليوسف
أمام شلّ الحياة، على نحو كوني، على  حين غرة، منذ حوالي أسبوعين، فحسب، بسبب انتشار جائحة كورونا، خارج مهادها الصيني، واقتحامها السور الأوربي الهش، بعد اقتحامها سورالصين العظيم، واندحارها،  حيث بات المواطن الكوني متوجساً، جد حذر مما حوله، بل من نفسه، وثمة إحساس يراود كل شخص بأن الآخر مصاب بآفة كورونا، ولابد من الحذر منه. إنه حذر عام، عمودي وأفقي. حذر المسؤول والرعية، في آن. حذر أسري، حيث  البنات والأبناء حذرون من آبائهم، والآباء حذرون من بناتهم وأبنائهم، والأشقاء حذرون من بعضهم بعضاً. مديرالمؤسسة حذر من مرؤوسيه ومرؤوسوه حذرون منه ومن بعضهم بعضاً. والجار حذر من جاره. الحكومات حذرة من مواطنيهم والمواطنون حذرون من قادتهم، لاأحد خارج دائرة التوجس، بل الحذر والخوف الذي تحول تدريجياً إلى رعب أممي، كوني، غيرمسبوق، البتة، بهذه الدرجة.
وإذا كنا واثقين، من أن العالم، وعبرالتاريخ، قد تعرَّض لجوائح متعددة، ولعلَّ من بينها ما كان له الأثرالكبير في نشر حالة الهلع والفزع، ضمن جغرافية قارة ما، أو أكثر، إلا أن طبيعة العصورالسابقة ما كانت لتسمح بأن تتحول تلك الجوائح إلى كونية، نتيجة عوامل تتعلق بواقع الكثافة و وبطء التواصل، و بدائية أو انعدام الإعلام، إذ إنه لربما فتكت جائحة ما بمكان ما، وألغت  كائنات ومكونات بشرية، لتخلو منها أماكن تجمعاتها، بسبب عدم وجود العلاج اللازم، ولعل الحفريات الأثرية قد كشفت عما يمكن اعتباره إبادة جماعية بحق أهالي مكان ما، في هذا العصر أو ذاك، وما جعل الاهتمام بأمراض الطاعون وغيره من الأوبئة والفيروسات الفتاكة في العصر الحديث شأناً عاماً، هو انتشار وسائل الإعلام، وانعدام الحدود بين الناس.
من هنا، نجد أن جائحة كورونا التي استسلمت بلدان كبرى أمامها، مع صدمتها الأولى استطاعت أن تفرض حالة الخوف منها، بأكثرمما فعلته حالات نشرالكوليرا، أو الآيدز، خلال العقود الماضية، وحتى ماقبلها، ولعله يضاف إلى ذلك طبيعة هذا الفيروس الفتاك، وسرعة انتشاره، وعدم ظهور علاماته إلا بعد أسبوعين، كما قيل عنه، بل إن مشاهد سقوط بعض الأشخاص في بلدان كالصين وإيران، وغيرهما-  بينما هم يتحدثون أو يسيرون في الشارع- عبر وسائل الإعلام المرئي، وشبكات التواصل الاجتماعي فاقمت حالة الفزع  بل الهلع بين الناس، وجعلت أمر العناية بهذا الوباء المستفحل كونياً، كما إن التصريحات التي أدلى بها زعماء وقادة بلدان كبرى  دعت نسبة عالية من أولئك الذين كانوا يقابلون ماينشرعن هذا الفيروس، مع نشر الأنباء الأولى لانتشاره بسخرية كبرى ينقلبون على أنفسهم، ويعيدون الحسابات، ليعمَ الحذر تدريجياً
وفي مظنتي أن الإعلام المحلي في كل بلد- لاسيما في أوربا- له دوره الكبير في اتخاذ الموقف من هذا الفيروس، إذ إنه في بلد قوي، متماسك، كما ألمانيا، كانت الحياة جد طبيعية، بالرغم من انتشار أنباء عن وجود حالات محدودة من المصابين في بعض المدن، إلا أن التطمينات الصادرة على نحو متواتر صارت تجعل المواطن الألماني غير مكترث بما يشاع عن المرض، وهذا نتيجة تعلقه بإعلام بلده، بل نتيجة مصداقية إعلامه من خلال وجهة نظره. ثمة مثال يحضرني، وأردده لكل من يحدثني عن هذا الفيروس- وهوحديث الساعة دولياً- أنه عندما سربت بعض وسائل الإعلام أنباء عن خطورة المرض القادم، وضرورة أن يتخذ المواطن، والمقيم، في ألمانيا إجراءاتهما، وأن يؤمنا احتياطييهما من المواد التموينية، ومستلزمات النظافة والتعقيم، فإنني لاحظت أن من توجهوا إلى المخازن والمولات الكبيرة ليقتنوا مايكفيهم من حاجات ولوازم، لأشهر،  ولربما أكثر كانوا من عداد غيرالألمان، وكنت شخصياً أنظر إليهم بسخرية، إلا أنه مع قرع بعض رؤوس الحكومة الألمانية، وتحديداً المستشارة أنجيلا ميركل، والجهات المشرفة على الصحة، وعبر وسائل الإعلام، ماجعل المواطن الألماني- نفسه- يهرع باتجاه هذه المولات والمخازن التموينية والطبية والوقائية ليقتني ما يلزمه، ما أدى إلى إفراغ هذه المحال، كما تم تصوير بعضها عبر مقاطع الفيديو،  بالرغم من أن الوقت مبكر لذلك، ولما تزل المعامل تنتج اللوازم، ولم تصل الأمور إلى درجة ترك العمال معاملهم- لاسمح الله- بل لدى الدولة احتياطيها الإنتاجي والعمالي والإداري!
في تصوري، أن التعامل مع هذه الجائحة، ولدواع اقتصادية وسياسية، لم يتم على النحو اللازم، إذ إنه كان لابد من المكاشفة من اللحظات الأولى لاكتشاف حالات التقاط لفيروس كورونا، والعمل على نشر الثقافة الصحية الوقائية، بالإضافة إلى عدم إقلاق كبار السن، والمرضى، بتمرير الإشاعات بأنهم المستهدفون، لاسيما عندما يقول رئيس حكومة بلد كبير، مامفاده: استعدوا لتقبل فكرة فقد كثيرين من أحبتكم ومقربيكم، أو التحدث عن رقم مليوني ممن سيصابون بهذا المرض في بلد ما، من قبل مصدر حكومي رفيع، وهلمجرا.
إن التعامل الرسمي الأوربي مع هذه الجائحة- خارج مظانها الأولى: الصين، لم يكن في المستوى اللازم، إذ إنه كان على  مصدري التصريحات المسؤولة في هذا البلد الأوربي أو ذاك أن يعملوا على جبهات عديدة، منها: التفكير بتأمين سبل العلاج الأولي، ومن بينها طريقة استقبال المرضى، من مراكز، وأدوية أولى. اتخاذ الموقف من حركة الناس، حيث إن استمرار التجمعات في الأماكن العامة، لدواع اقتصادية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية، أو فنية، أو حتى تربوية، خلق الطمأنينة- الكاذبة- لدى الجميع بأن هذا الفيروس لايتقن إلا اللغة الصينية، وأن اللغات الأوربية الأخرى: الإنكليزية- الألمانية- الفرنسية- الإسبانية، ناهيك عن اللغات الآسيوية والإفريقية عصية عليها، وفي منأى عن الفتك بها.
وبالرغم من أن الإعلام استطاع أن يؤدي دوره- وإن متأخراً- بالشكل الصحيح، بعد أن سمح لوسائل التواصل الاجتماعي أن تخلق حالة الفزع والفوضى، إلا أنه مطالب بالمزيد من- الشفافية- مهما كانت نتائجها، بل عليه توجيه النقد لسلطات بلده، أية كانت، لحثها على أخذ الأمر بمنتهى الحزم والجدية، ومحاربة الأوهام الهائلة التي تنشر عبرشبكات التواصل الاجتماعي التي باتت متنفساً للعالم كله، بعد أن تم فرض الحجرفي أماكن ما، قليلة، بل ثمة حجر صحي مترقب على مستوى أعم، ناهيك عن أمر آخر، وهوأن نسبة عالية من الناس باتت تطبق الحظرالصحي على مستوى بيوتها، وأن الإجراءات الوقائية جد تطبق في أصغرخلية اجتماعية، أي في المنزل، وهذا جد مهم وضروري، لأن الإجراءات  الدقيقة، العامة لم تتم في تلك البلدان التي لما تطبق الحجرالصحي العام، بالشكل المطلوب.
إن وسائل إعلام العالم المتفرج على ماجرى في الصين، ومن ثم إيران، كان ينقل الحدث الكوروني وكأنه ينقل مباراة كرة قدم، لاأكثر. ينقل ما يسرب إليه، عبرقنوات خاصة أو عامة، ناسياً دوره المحلي، في أداء دوره التوعوي، والإشارة إلى الحالات المحلية، وكيفية تسربها،  لاسيما إن ذلك رافق عملية تشخيص سبب هذه الجائحة: أهي بولوجية أم مجرد فيروس عابر، إذ إن حالة الرعب، وبث اليأس، واللجوء إلى فكرة الخلاص الفردي، وقطع الوشائج بين الناس- والتي سنتوقف عندها في وقفة خاصة- عوامل جد مقلقة، وخطيرة، بتنا نواجهها؟!
المقال كتب في وقت مبكر من” زمن العزلة” وتاخر نشره
*إعلامي وكاتب كردي سوري يقيم في ألمانيا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…