هل ينجح اردوغان في لي ساعد القارة العجوز

زاكروس عثمان
 تركيا تخير دول الاتحاد الأوروبي بالوقوف إلى جانبها في قتال روسيا على الأراضي السورية او بفتح الابواب امام اللاجئين لدخول موجة جديدة من المهاجرين إلى اراضي القارة العجوز التي لا تحبذ كلا الخيارين كونها من دون واشنطن عاجزة عن دخول صراع عسكري ـ سياسي مع روسيا، وبالنسبة للخيار الثاني فأنها غير مستعدة لاستقبال موجة اخرى من اللاجئين وهي ما زالت ترتعب من موجة المهاجرين في 2015.
أنقرة تضع بروكسل امام موقف لا تحسد عليه ولكن الاتحاد الأوروبي هو من اوصل نفسه إلى هذا الموقف الضعيف أمام تركيا التي ابتزت الأوروبيين بورقة اللاجئين واخذت تطالب برشاوى مالية وسياسية وعسكرية، ونتج عن ذلك اتفاق أوروبي ـ تركي نص على دفع بروكسل مليارات اليوروهات إلى أنقرة مقابل قطع الطريق امام تدفق اللاجئين إلى القارة العجوز، وعلى ما يبدو فان الاتفاق كان هشا بما يكفي كي يتلاعب به الجانب التركي وفق ما يشاء مستغلا ضعف الشريك الأوروبي، حيث لم يلتزم الاتراك بالاتفاق وذلك باستمرار تدفق المهاجرين من تركيا إلى اليونان وفي الوقت الذي اخل الاتراك بواجباتهم المنصوصة في الاتفاق، فانهم طالبوا الاوروبيين ليس بالأموال فحسب بل كذلك ايضا بدعم سياسي ودبلوماسي أوروبي لتركيا في عدة قضايا إقليمية ودولية خاصة الحرب السورية، وبات الابتزاز التركي حاضرا  كلما وقع “الكوز في الجرة” ونجح الاتراك بحصد عشرات مليارات اليوروهات من الاوروبيين وكذلك ضمان الصمت الأوروبي إزاء انتهاكات خطيرة ارتكبتها تركيا في سوريا وليبيا وحوض البحر المتوسط،  وشجع التخاذل الأوروبي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على انتهاج سياسة عدوانية توسعية والسعي بالفعل إلى إحياء السلطنة العثمانية، بالاعتماد على الارهابيين والمرتزقة والتدخل المباشر للجيش التركي, واحتل الأتراك بهذه العقلية بموجب صفقات مع موسكو وطهران شمال سوريا وشمالها الغربي واجزاء من مناطق الكورد في الشمال الشرقي، وحين انتهت حاجة روسيا إلى تركيا في سوريا وتقرر إجلاء جيش الاحتلال التركي من محافظة إدلب المعقل الاخير للتنظيمات الارهابية  العاملة مع الجيش التركي، لكن اردوغان اعلن عن اطماع بلاده في الاراضي السورية رافضا الانسحاب من إدلب ما ادى إلى توتر سياسي مع شريكه الروسي وصدام عسكري مع جيش النظام السوري بلغ ذروته نهار امس الخميس 28,02,2020حيث تلقى الجيش التركي خسائر بشرية كبيرة يبدو انها ناتجة عن ضربات روسية مباشرة وليس هجمات نفذها جيش النظام السوري. 
وعلى ما يبدو فان حبل الود انقطع تماما بين اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في وقت لا تتوقع أنقرة دعم جدي من واشنطن حيث لا يرغب الرئيس الامريكي دونالد ترمب الدخول في نزاع مع بوتين القوي او التورط عميقا في الحرب السورية وهو مرشح الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأمريكية التي يستعد لها الرئيس. 
ولم يجد اردوغان امامه سوى ورقة اللاجئين ليبتز بها القارة العجوز لكن غالبية اعضاء النادي الأوروبي منزعجون من  شريكهم التركي وليس لدى بعضهم رغبة ولدى بعض آخرين القدرة على تقديم دعم حقيقي لأنقرة، وان اعلان حكومة أردوغان  نيتها فتح الباب امام السوريين للنزوح إلى اوروبا يشير إلى يأس أنقرة من قيام بروكسل بدعمها في حرب عدوانية “احتلال” والدخول في مواجهة خطيرة مع روسيا.
وفي حال اشتداد المواجهات المسلحة بين الاتراك والروس على الاراضي السورية لا يعرف فيما اذا كان اردوغان سيوجه النازحين باتجاه القارة العجوز التي ظلت تدفع الرشاوى لتركيا بسخاء دون جدوى حيث ذهبت عشرات مليارات اليوروهات التي دفعها الاوروبي الى التركي هدرا، وستبقي انقرة سيف اللاجئين مسلطا على رقاب الاوروبيين اليوم وغدا والى الابد طالما الاتحاد الاوروبي متخاذل وضعيف امام تركيا وطالما تستمر بروكسل في الخنوع للمطالب التركية التي لا تنتهي ولو ان بروكسل وقعت اتفاقية قوية مع تركيا ما كانت الاخيرة تلوح دائما بورقة المهاجرين بوجه اوروبا.
وما يثير الحيرة وربما الشكوك هو اصرار الأوروبيين على تقديم الاموال والدعم إلى تركيا بحجة دورها في قطع طرق الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي، في حين لا تقدم بروكسل سوى مساعدات متواضعة الى اليونان بلغاريا ودول البلقان الاخرى ودول شرقي اوروبا رغم ان هذه الدول يمكنها ان تلعب دورا كبيرا في الحد من نزوح اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي بل انها يمكن ان تكون بديلا فعالا لتركيا للقيام بهذه المهمة في حال تلقت اموال ودعم كاف من بروكسل التي تدفع اليوم  ثمن تخاذلها امام انقرة التي تضع اوروبا امام خيارين سيئين الاول تورط الأوروبيين في حرب عدوانية يشنها شريكهم التركي على دول مجاورة ما ينذر بحرب اقليمية قد تتطور الى حرب عالمية فيما لو وقع صدام بين دول النيتو وروسيا, اما الخيار الثاني فهو توقع موجة هجرة شبيهة بموجة العام 2015.
والحل الوحيد امام بروكسل هو ان تقول (لا) للابتزاز التركي وبدل من ان تقدم رشاوى جديدة للسلطان العثماني عليها ان تفرض عقوبات قاسية على أنقرة تجبرها  على الكف عن المتاجرة بورقة اللاجئين واستغلال اوضاعهم الانسانية في خدمة السياسة التركية التوسعية. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا يثق الكرد في سوريا بأي خطاب مهادنة بعد قرن ونيف”1920-2025″ من الخديعة التي رافقت تأسيس الدولة السورية وحتى يومنا هذا. منذ اللحظة التي أُعلن فيها أن سوريا ستكون “بلداً لكل السوريين”، تم تجاهل الهوية الكردية بصورة ممنهجة، ولم يُسمح للكرد بالمشاركة الحقيقية إلا إذا تنكروا لهويتهم القومية وتقمصوا هوية قومية عربية، كما الحال في تركيا….

بوتان زيباري لطالما كانت الشعوب التي تكافح من أجل حريتها على موعد مع لحظات تاريخية نادرة، قد لا تتكرر إلا بعد عقود طويلة، وربما قرون. واليوم، يجد الكورد في روچ اڤا أنفسهم أمام منعطف حاسم قد يحدد مصيرهم للأجيال القادمة. إنها فرصة ثمينة لا يمكن إضاعتها، وإلا فإن الانتظار قد يطول حتى تتاح لهم فرصة مشابهة. إن هذه المسؤولية…

خالد دقوري لطالما أردت الكتابة عن موضوع “العرب والإسلام والنفط”، نظرًا لعمق تأثيره على التحولات السياسية والاقتصادية العالمية. كان هذا الموضوع حاضرًا في النقاشات خلال الحرب الباردة، عندما انقسم العالم إلى نظام ثنائي القطب بين الرأسمالية والاشتراكية. لم يكن تفكك الاتحاد السوفييتي دون حرب مباشرة مجرد مفاجأة للعالم، بل مثّل أيضًا نقطة تحول في ديناميكيات النظام العالمي. الحرب الباردة…

المهندس باسل قس نصر الله نعم .. وبالفم الملآن .. أقولها .. إنني بدأتُ أخاف، أنا وغيري من الذين يفضّلون الصمت. يعرِف السوري المسيحي أنه في مجتمعٍ تراجعَ فيه حضورهُ إلى نسبة تدور حول خمسة بالمئة، بأن الديمقراطية العددية لن تُفيده. فالمسيحي، في مجتمع يُشكّلُ فيه إحدى الأقليات، هو ضحية عقدتين، الأولى هي “عقدة التفوّق” والثانية “عقدة الخوف”، فهو يعتبرُ…