حِدَاد بزق سعيد يوسف برحيل أميره الكُردي

 إبراهيم محمود
هكذا تشاء الحياة لأمير البزق الكردي سعيد يوسف، وفي هذا اليوم ” 26-2/ 2020 “، وقد بلغ ” 73 ” عاماً، أن يترجل عن ” صهوة ” فنه عملياً، ليُدرَج اسمُه في عهدة حياة أخرى، تتكفل بها موسيقاه، أغانيه، ويبقى مكانه الفني شاغراً حزيناً، شهادة على أنه فريد فنه لزمن طويل.
آثرتُ الكتابة هنا، وهي موجوعة، كما أعتقد، عن ” سعيدنا ” ، سعيد الفنان الكردي، بصوته المختلف، وبزقه المتجاوب معه، وكلماته المتجاوبة معه، وليس عن سعيد يوسف في خياراته اليومية، كما كتبتُ عنه في الصيف الفائت، وحينها ألمحتُ إلى هذه النقطة، وفي بيتي القامشلوكي، ومعي ، في دهوك، لم أنقطع عن صوت سعيد يوسف، ولا عن موسيقاه.
كلمات أكتبها، وفي عجالة مبرَّرة، تحت وطأة شعور مني، أن روحه تنتظرها مني الآن.
لا أتحدث عن تلك اللقاءات التي كانت تجمعنا ذات يوم، وقد أشرت إليها ذات يوم، ولا عن تلك اللحظات المديدة التي كنت أصغي فيها بملء حواسي إلى صوته لأيام تترى، عن سعيد المضياف في بيته، وأم ” زورو ” زوجته المضيافة، وعموم بناته، لحظة زيارته، وخفة دمه، ربما لأنه كان يؤكد بذلك علاقات القربى القوية بين الفن كسخاء وجداني، إلى جانب كونه موهبة خاصة، وكرم الضيافة في بيته، في ذلك الحي القامشلوكي الهادىء. إنما أتحدث عن كونه الفنان الذي كان يشار إليه لعقود من الزمن، بالبنان، وظل فناناً محتفظاً باسمه الفني، عند الذين كانوا يقدّرون فيه زمن سعيد يوسف في سبعينيات القرن الماضي ” والله يا زمان يا فن سعيد يوسف “، ولا أظن أن فنه سيبقيه في ” الخلف “، أو يطوي اسمه بهذه البساطة،  وتحديداً عند من يحاول التأريخ للأغنية الكردية، لا أظن أن أي حديث عن مفهوم الطرب، بما فيه من حزن وفرح، وذلك المزج الفالح الصادح بينهما، سينسى من يكون سعيد الفن، يوسف الفن. فالفن ابتكار حياة داخل حياة، والتأمين الفعلي عليه لأكثر من حياة.
وأعتقد، ومن موقع اهتمامي بالفن، والفن الكردي ضمناً، أنه من الغبن بمكان الخلط بين الموقف السياسي للشخص، والموقع الفني له، وباعتباره فناناً، وقد انتشر صيته في الجهات الكردية الأربع، وقد أمِن على صوته، على موسيقاه، وأسلوب عزفه، في ذاكرة الملايين من كرده.
وعلى طريقة ” الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية “، حيث يصبح القول ” الاختلاف في السياسة لا يفسد في الفن قضية “، وبأكثر من معنى، فإنه من الممكن، وفي مثل هذا اليوم المفصلي، التعبير عن هذه العلاقة، علاقة ما يكون عليه موقع الفن، وما يعرَف به موقع الفنان، في حياته اليومية، وما كان يصل بين الحالتين، الاسمين، ودقتهما بالتأكيد .
ليس في مقدور أحد، أن يشيح بوجهه عن صورة سعيد يوسف الفنية، ليس في مقدور أي كان، أن يصم أذنيه، رفضاً لصوته أو صوت موسيقاه الينبوعية، وكعلامة مضيئة في تاريخ الموسيقى الكردية، والغناء الكردي، بل أرى أن حياة الفنان الكردي الراحل والكبير سعيد يوسف، مؤمَّن عليها لزمن لا يشيخ، كما هو العمر الجسدي للفن الذي يزداد شباباً مع الزمن .
عزائي لأم زوري وأولادها، للموهوب زورو ” ابن الراحل ” للذين يقدّرون فيه روحه الفنية طبعاً، وعزائي الحار، لبزقه، الذي لا بد أنه الآن يجهش بموسيقا دون أوتار، كما هي روحه التي تتراءى لي روحاً طروباً، تسمعنا صوت حاديها الفنان، خارج جسده الفاني .
وبالتالي، فإنني لن أرثي الراحل الكبير باسمه وفنه، ولن أعزّي من ذكرت، إلا  للتنويه إلى أنه أصبح حياً بحلة أخرى، وسوف يشار إليه، في أكثر من اتجاه، وقد تحرَّر من حياته الدنيوية. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بالرغم من أنَّ التصرف الأخير للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي تمثل في حرصه الشديد على خلاص ذاته وأسرته القريبة فقط، وعدم إخبار حتى أقرب الناس إليه من محيطه العائلي أو السياسي بما سيُقدم عليه في اللحظات المصيرية، يظهر بوضوحٍ تام أنه شخص أناني وانتهازي ومريض نفسياً وغير معني أصلاً بمصير بالطائفة التي يدّعي الاِنتماء…

صلاح بدرالدين ملاحظة برسم شركاء الوطن باالإدارة الانتقالية واذا كان من حق الإدارة العسكرية ذات اللون الواحد تسييرشؤون البلاد بعد نيلها شرف اسقاط نظام الاستبداد – وهو عمل يحظى بكل التقدير – من جانب معظم السوريين الذين ناضلوايضا منذ عقود، وساهموا في اضعاف النظام، وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسام، ولاشك انهم يتاملون ان يتم تنظيم الحوارات الداخلية…

فرحان كلش الملاحظ أن هناك تكالب دولي واقليمي مثير للريبة على المساهمة في تثبيت أقدام الإدارة الجديدة في دمشق، هذا الإندفاع ربما له أسبابه بالنسبة لكل دولة، فالدول الغربية تنطلق من الخطورة التي تشكلها الأحزاب اليمينية المعادية لللاجئين والتي تهدد الحكومات اليسارية واليمين الوسط الأوربي، لذلك نشهد أن هذه الحكومات تتقاطر إلى دمشق والمؤتمرات الخاصة بها بهدف التخلص من ملف…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* يتجلّى الحل الحقيقي لمشكلة الاستقرار والأمن والتعايش في إيران والشرق الأوسط بشكل أوضح، يوماً بعد يوم. وهذا الحل هو “إسقاط دكتاتورية ولاية الفقيه الحاكم في إيران”. فلماذا؟ قبل التطرق إلى الإجابة على هذا السؤال، لا بد من الإقرار بحقيقة جلية وهي أن القوة الوحيدة التي وقفت منذ البداية موقفًا راسخًا ضد دكتاتورية ولاية الفقيه،…