انهض من قبرك يا أحمد شيخو رفاقك في انقرة

عبدو خليل
بادئ ذي بدء. أعتقد لا أحد يستطيع أن يزاود علينا في قضية الخلاف مع منظومة pkk تلك المافيا التركية الكردية، ولكن لا أحد بالمقابل يستطيع أن يقنعنا بجدوى الطرف الكردي الآخر الممثل بالمجلس الوطني الكردي، والذي يعتبر نفسه ظاهرياً على خلاف مع منظومة  pkk ، هذا الخلاف بالنهاية لم ينجم عن تضارب. قيم ومبادئ وطنية، إنما على حصص و محسوبيات ومنافع. 
وبعيداً عن غوغاء تشويش العمال الكردستاني حول لقاء المجلس الكردي مع وزير الخارجية التركي، هذا الهجوم الذي اعتاد عليه الكل. بات واضحاً وجلياً، الأمر نفسه ينطبق على  اللقاء مع أي طرف كان، حيث يظن البعض من ” حمقى السياسة ” أن مشكلتنا هي في الجلوس مع تركيا. 
هذا تسطيح لجوهر القضية التي نحن بصدد شرحها في متن هذه المقالة،  وبالمناسبة وحتى أضيف لمعلومات البعض، ومن كلا الطرفين، المجلس ومنظومة pkk. في تشرين الأول من عام 2014 وصل صالح مسلم إلى مطار اسطنبول، ونقل إلى دائرة الأمنيات في قلب اسطنبول بسيارة مغلقة مخصصة لنقل الموقوفين. كانت تلك إهانة ورسالة له.  إذاً أين تكمن المشكلة ؟ قد يطرح أحدهم هذا السؤال. وقد يقول آخر، يا رجل طيب ماذا تريد؟. وأنت تتهجم على الطرفين، ومع من تصطف ؟.  
لابد من الإشارة أولاً. حزب العمال الكردستاني حزب تركي. قبل أن يكون كردي . يدّعي أنه أممي، رغم أنه ليس سوى ” مافيا عابرة للحدود” مصنف دولياً على لوائح الإرهاب، بنفس الوقت هذا الحزب موجود في البرلمان التركي منذ سنوات طويلة تحت مسميات عدة، وله مكاتب وصحف في العديد من المدن التركية، ويستحوذ على رئاسة العديد من البلديات على طول وعرض الخارطة التركية، وتحت تصرفه ميزانيات من الخزانة التركية، وسبق لتركيا أن دخلت في مفاوضات مع هذا التنظيم، وللدولة التركية العميقة أذرع خفية في هرم قيادته وسبق أن تطرقنا لهذا الموضوع مراراً، وفوق كل هذا في قبضتها زعيم العمال الكردستاني ذات نفسه. عبدالله أوجلان، كل هذا بدوره يحيلنا لسؤال آخر، مهم للغاية. إذا كانت تركيا تمتلك كل خيوط لعبة العمال الكردستاني، ما الذي تريده الآن ؟! 
للإجابة عن السؤال يجب الوقوف على الخارطة السورية، والعودة  لبعض تفاصيل السنوات التسع الماضية والخوض ما أمكن في نقطتين مهمتين:
 أولاً، فشلت تركيا في مشروعها مع الإخوان المسلمين. الجناح السوري، خاصة مع بروز موجات التطرف وتماهي الإخوان مع مشاريع الجهاد القاعدي، هذا الفشل لم يكن نتيجة مراجعات في القناعات التركية السياسية بخصوص هذا المشروع، إنما نتيجة افتضاح ارتباط هذا المشروع مع منظومات تكفيرية من قبيل النصرة و داعش، وثبت في أكثر من مكان تورط جهات تركية بشكل مباشر في قضايا كان يمكن لها أن تنسف مصداقية دولة في حلف الناتو من حجم تركيا. رغم أن هذه المصداقية تقوضت وتقلصت وباتت في حدودها الدنيا. لذا كان لابد من بديل يخول تركيا إعادة انتاج نفسها ضمن دائرة الصراع السوري، وكان البديل. ذريعة تهديد أمنها القومي من قبل العمال الكردستاني. ولكن في سوريا وليس في تركيا، مع أن هذا الحزب كما أسلفنا ينشط في تركيا ويسيطر على نصف حواري اسطنبول. حيث الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والدعارة. كانت تلك هي الخطة ” ب ” في حال فشلت الخطة الأولى ” أ ” والمتمثل بمشروع الجماعة. أي الإخوان المسلمين.    
 ثانياً، خلال السنوات الماضية من عمر الصراع السوري لم تسجل أية صدامات أو مناوشات على طول الحدود السورية بين كرد سوريا وبين تركيا، حتى البروبغندا التحريضية ” الإعلامية ” التي مارسها العمال الكردستاني ضد تركيا كانت تنبع من قنديل، وتصب في المناطق السورية ذات الكثافة الكردية، و الجهات التنفيذية لم تكن سوى قيادات تركية كردية استولت على قرار كرد سوريا بدعم من النظام السوري. أي أن جذر المشكلة يخص الحكومة التركية وكردها في تركيا. هذا بالدرجة الأولى ، ومن ثم يتعلق بطبيعة العلاقة الصدامية ما بين النظام السوري وتركيا. على مدار نصف قرن. لذلك لا توجد مشكلة ” معاصرة”  لكرد سوريا مع تركيا كـ دولة وشعب،  إلا أن المشكلة  اليوم هي في تركيا ذات نفسها، في الإرث الثقافي والسياسي التركي الذي يعتبر من خلال نظرته الشمولية ” المقصودة ” أن كل كرد سوريا هم عمال كردستاني، وبناء على ذلك تريد سحقهم عبر تلك الذريعة، وممارسة سياسة العقاب الجماعي. مستفيدة من تعقيدات ظروف الصراع السوري، وهي نفسها. أي تركيا، تعرف ان العمال الكردستاني دمر كرد سوريا بسياساته، وضر القضية السورية تماماً كما أضرت من قبل جماعة “الإخوان المسلمين” المدعومة من قبلها. 
بالعودة إلى موضوعنا.  قبيل عملية غصن الزيتون السيئة الصيت والنتائج، كان المجلس الوطني الكردي في ضيافة الخارجية التركية التي استخدمت المجلس كـ واجهة لتمرير العملية العسكرية، وأوحت لهم. أي للمجلس، أن عفرين ستكون ” لهم ” بعد طرد pyd . الآن بعد مرور سنتين على اجتياح عفرين البربري، لا يستطيع هذا المجلس أن يفتتح له مكتباً في عفرين بحجم زنزانة من زنازين المرتزقة المدعومين من تركيا، ولم يستطع هذا المجلس حتى أن يدافع عن أعضائه الذين يعتقلون ويختطفون كل يوم في عفرين، وبالمناسبة من يدافع عن أعضاء المجلس هم نشطاء عفرين المستقلين.  وحادثة الشهيد أحمد شيخو واعتقال المناضل حسين إيبش خير دليل ومثال. طيلة سنتين لم يستطع المجلس التدخل لإنقاذ شجرة زيتون واحدة، ولا لكشف ملابسات جريمة واحدة من الجرائم الممنهجة والتي ترتكب بشكل يومي، واللجنة التي شكلها المجلس مع الائتلاف على خلفية الانتهاكات التي تجري في رأس العين، وليس في عفرين. عفرين مستباحة من سنتين بينما المجلس في وضعية المزهرية. المتفرج، وهذا دليل إضافي على “مناطقية” المجلس الوطني الكردي. سيما وأن انتهاكات منطقة رأس العين طالت كل المكونات من كرد وعرب.   مع يقيننا أن هدف هذه اللجنة محاولة بائسة لإنقاذ المجلس والائتلاف السوري نتيجة افتضاح أمرهما من قبل الشارع السوري المعارض، وصار من الواضح أن الإسراع في هذه الخطوة “الوهمية”. أي تشكيل لجنة متابعة الانتهاكات، جاء نتيجة التهديدات التي تواجه المعارضة بشكل عام، وللحفاظ على المنافع والمكاسب الشخصية. 
من جهة أخرى، وبنفس الدرجة من الأهمية . طالب المجلس الوطني الكردي من الائتلاف السوري أكثر من مرة الاعتراف على كونه الممثل الشرعي لكرد سوريا، وسبق للائتلاف أن رفض هذا الطلب. واليوم تأتي هبة أو مكرمة جاويش أوغلو للاعتراف بالمجلس الوطني الكردي على أنه الممثل الشرعي لكرد سوريا، ليس فقط نتيجة صمت المجلس على جرائم الحرب التي ارتكبت في عفرين ” يمكن العودة لتقارير لجنة تقصي الحقائق حول سوريا “، و إنما يأتي هذا الاعتراف مشروطاً ببقائه ضمن صفوف الائتلاف السوري “، وهنا أنقل عن وكالة الأناضول اقتباساً جاء على لسان جاويش أوغلو ” وأشار جاويش أوغلو إلى دعم بلاده لدور المجلس في العملية السياسية وضمن الائتلاف الوطني السوري “. 
أخيراً . أكتفي بهذا القدر رغم أن هناك الكثير فيما يخص هذا الموضوع، وأقول. البحث عن الشرعية خلف الحدود عمل بائس ومشين، الشرعية تحتاج لتضحيات وعمل دؤوب في خدمة القضية التي أنت بصددها، وقسم كبير من هزيمة المعارضة السورية بشكل عام تكمن في البحث عن هذه الشرعية مقابل خدمة أجندات الدول الإقليمية، بدل التعويل على العمق الوطني السوري، والائتلاف السوري والمجلس الكردي نموذج مثالي لهذا الصنف المحسوب على المعارضة، وبناء السياسات على ردات الفعل تجاه منظومة فاجرة مثل العمال الكردستاني لا تصنع سياسات، في هذه الحالة. السياسي أقرب منه إلى كونه ناشط من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، و بخصوص عفرين، على المجلس الوطني الكردي أن يتخلص من هذا العبء، ونحن على ثقة من أنه محرج. وأن يصب جام اهتمامه على مناطق تواجده في ” الجزيرة السورية “، وإذا كان منه خير فـ الأقربون إليه أولى بهذا المعروف.
ملاحظة : احمد شيخو ناشط من منطقة عفرين سبق وان اعتقل من قبل pyd  وقتلوا ثلاثة من افراد عائلته، وقتل هو ذات نفسه تحت التعذيب على يد ما يعرف بالجيش الوطني السوري بعد عملية غصن الزيتون التركية .    
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…