الكورد في حلبة نشوء دول وأنظمة جديدة

ماهين شيخاني
في عصر النهضة للقوميات أي في القرن التاسع عشر، نهض الكورد كباقي قوميات المنطقة وناضلت في سبيل الحصول على حقوقها ، حيث ترجع جذور القضية الكردية إلى السنوات الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية إلا أنها اتخذت طابعا آخر بعد تقسيم أشلائها في نهاية الحرب العالمية الأولى حين وجد الكورد أنفسهم مقسمين بين أربع دول، تركيا والعراق وإيران وسوريا، وأصبحت طموحاتهم القومية تهدد “اللحمة الوطنية” حسب مفهوم الدول التي الحقت اجزاءها المقسمة، و لم تخل المراحل التي مرت بها قضية الشعب الكوردي من صراعات مسلحة بين الحين والآخر في العراق أولا ثم في إيران ثم تركيا وفي سوريا وحتى الآن .. 
كما لا يستطيع احداً أن ينكر دورهم المهم في المنطقة بوصفهم جزءًا أساسيًّا من النسيج الاجتماعي لها، قديماً وحديثاً على ألسنة الحكام الشوفينيين ومع ذلك قوبلوا بعنصرية وشوفينية والإقصاء. حيث أصبح وجودهم على أرضهم التاريخية مشكلًا، وكان السعي عمومًا من الحكومات الأربعة هو القضاء على الكورد وانصهارهم لا لحل مشكلتهم. وكانت البداية هي صهرهم في بوتقة المجتمعات الأخرى ، بتهجيرهم ونفيهم وفي أبسط الحالات منعهم التكلم بلغتهم أو تسجيل أبناءهم بأسماء كوردية . مع العلم أن مطالب الأحزاب السياسية الكوردية كانت لا تتعدى سقفها بالاعتراف بالثقافة والحقوق ورفع المظلومية، وفي أقصاها نوع من الحكم الذاتي “كوردستان العراق”.
 وفي النصف الثاني من القرن العشرين كان التعامل الأمني هو المعمول به في كل الدول الأربع (العراق وسوريا وإيران وتركيا)، بل بلغ في بعض الدول حدَّ التصفية. والقتل الجماعي والانفال والاعدامات والسجون التي لم تخلى من الكورد السياسيين والاعتقالات العشوائية وقد ولَّد هذا الوضع نوعًا من عدم الثقة بين الحركات الكردية وحكومات المنطقة التي لا تعتمد سوى المقاربة الأمنية لمواجهة الكورد. وما زالت هذه العقلية هي المعمول وتنفذ لفرض سياسة الدولة المركزية، وهذا جلي وواضح فيما يتعلق باحداث قامشلو ونصيببن وكركوك مؤخرًا. 
وخلاصة القول المقاربة الأمنية لهذه الدول الأربع هي الأصل في التعاطي مع القضية الكردية ، كما هناك تحالف وتنسيق وعقد اجتماعات دورية بين هذه الدول لوأد المشروع الكردي وطَمْسِه. وهذه المقاربة تعقِّد المسألة ولا تقضي أبدًا على المشكلة، ورغم خلافات تلك الدول إلا انهم يتفقون على القضاء على اي حلم أو طموح كوردي ،ولم تكن مواقفهم مسؤولة لحوار أونقاش بنَّاء بهدف الى حل مناسب يرضي الأطراف. ثم لا ننسى التهميش الأوروبي للقضية الكردية في الأجزاء الأربعة ، و لم تتدخل الدول الأوروبية لمساعدة الكرد. وتركتهم لمصيرهم أمام آلة الدمار التابعة للأنظمة الغاصبة “حلبجة والانفال ” وهو الأمر الذي ساهم في فضح وتعرية الأيديولوجيات القوموية القائمة على المصالح دون أي اكتراث بحقوق الإنسان وحريات وكرامة الشعوب. 
كما كان لانهيار منظومة الدول الاشتراكية نتائج انتهت إلى تفكك دول ونشوء دول أخرى في روسيا وبقية دول أوروبا الشرقية ، وصولاً إلى ما يجري في أوكرانيا ، فلحروب والثورات تلعب دوراً كبيراً في تشكل دول جديدة وظهور أنظمة إقليمية جديدة تحل مكان أنظمة إقليمية جديدة. لقد تنبأ المفكر الأمريكي صاموئيل هانتغتون قبل عقدين بدولة الصدع وتنبأ على لسان جنرال روسي بعودة شرقها إلى السيطرة الروسية.
 وما جرى ويجري في سوريا والعراق وقيام تنظيم “داعش” الإرهابي بإلغاء حدود سايكس بيكو عملياً من خلال الإعلان عن دولة الخلافة في العراق وسوريا على أمل أن تمتد إلى بقية دول الشام. وما تشهده سوريا من حالة انقسام واضحة على الأرض، وما يشهده العراق الآن من مطالبات بتكوين إقليم سني، كل هذه الأمور تدفع بالمنطقة إلى تشكل دول او انظمة جديدة أو الاعتماد على خيار الحل الفيدرالي، الذي سيمهد حكماً لحالة من الكونفدراليات تقوم على حاجة تلك الكيانات إلى إيجاد روابط معينة تحافظ من خلالها على خصوصيتها في مشهد لا إرادي يكسر الاحتكار، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى نشوء نظام إقليمي جديد. ومع تضحيات الجسيمة للشعب الكوردي الذي ضحى بخيرة شبابه في الحروب ضد الإرهاب ، ما زالت السياسة الغربية تجاه القضية الكردية هي التجاهل وغض الطرف و أحياناً المراوغة وبالنهاية تتركز على مصالحها لا مبادئها وهذه أسس ثابتة لديهم حتى الآن. و – الحفاظ على الدول القومية التي نشأت بموجب اتفاقية سايكس بيكو، رغم مرور مئة عام والحرص على مؤسسات تلك الدول، والحؤول دون انهيارها، وخاصة أن نتائج ما جرى في العراق ظاهر للعيان.
 – إن استمرارية تلك الدول القومية وفق سياساتها التي تم اعتمادها في التعامل مع الحداثة الرأسمالية والحريات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، أدخلت تلك الدول في حالة هي اقرب إلى الفاشية منها إلى الديمقراطية في تعاملها مع تلك القضايا، فالدستور التركي في مادته ” 66 ” يقول “كل من يعيش في تركي هو تركي”، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قالها في مدينة سيرت الكردستانية المقولة الفاشية التي يتم ترديدها منذ اكثر من 90 عاما في تركيا: “ان تركيا بلد واحد وشعب واحد وعلم واحد”. ففي أي دين يستوي هذا القول؟. 
إن الوقائع على الأرض تؤكد استحالة التعاطي مع النهوض الكردي في شمال كردستان وتركيا، والأجزاء الأخرى بعقلية الإنكار السابقة، أو الذهنية الفاشية المتمثلة بما يقوله أردوغان رغم ما ينشر في وسائل الإعلام من أن هناك توجه لحل القضية الكردية وهو ما عاد وأكد اردوغان إنكارها وقال “إن هناك مشاكل لمواطنين أتراك من اصل كردي” لا غير.
 – تهيئة وتحضير قوى الحداثة الرأسمالية في تلك الدول كي تكون قادرة على تبني مشروع الفيدرالية لتكون بمثابة الرافعة التي يتم الارتكاز عليها لكي تحقق المشروع على الشكل المطلوب.
 – إلزام الدول القومية وممثلي الحداثة الرأسمالية بقبول الحل الفيدرالي وتقاسم السلطة والنفوذ والثروة وتوزيعها على اكثر من مركز.
 إن ارتكاز هذا الحل في إقليم جنوب كردستان واعتماده بمثابة تلك الرافعة في العراق، ونجاح العملية السياسية، يمثل الخطوة الأولى في تعميم التجربة لتكون نموذجا للحل، ولكن بالنسبة لنا ككورد هي ليست بديلا عن مفهوم الدولة القومية والتي نحلم بها.وقدمنا تضحيات جسيمة من أجل الوطن . 
ولطالما كانت القضية الكردية ورقة سياسية مفضلة لمصالح الدول الجوار المتضاربة، فقد كانت اليونان وأرمينيا تستخدمانها ضد تركيا، وإيران ضد العراق، وسوريا ضد تركيا، أما اليوم فتمثل إمكانية قيام دولة كردية الهاجس والقلق الأكبر لتركيا وإيران ووحدة العراق. وبرزت هذه الإمكانية في الرابع من أكتوبر 1992 عندما أعلنت الفيدرالية الكردية في كوردستان العراق “اقليم كوردستان ” والتي ترجمت فوراً في لقاء بين إيران وسوريا وتركيا في نوفمبر 1992 لبحث المسألة الكردية وأبعادها.
 التعاطي مع القضية الكردية في إطار حق الأقليات في تقرير مصيرها وما استطاعت القضية الكردية تحقيقه في الوضع الراهن في حضورها الجغرافي والسياسي والعسكري والثقافي والإعلامي يجعلنا نطرح صورتين لوضع هذه القضية في المستقبل. 
رغم الانتكاسات والتهجير التي حصلت بتاريخ الشعب الكوردي قديما وحديثاً ، رغم نضالات وثورات التي قامت بكل أجزاء كوردستان والتي اخمدت لأسباب عديدة ورغم المآسي و كل ما جرى ستحصل على مطلبها وسيتحقق الحلم والمستقبل للقضية الكوردية بكل تأكيد ..
 لدى مهاجمة داعش على كوردستان، وقعت المناطق التي تحت سيطرة العراق في أيدي داعش، لكن البيشمركة استطاعوا أن يستعيدوا تلك المناطق من داعش ويرفعوا علمَ كوردستان فيها، ويمضوا نحو انتصارات أكبر، والآن كوردستان أشدّ قوة مؤثّرة تواجه داعش. وقد جاء في أحد التقارير ” إضافة إلى أنّ كوردستان موقِع هامٌّ للثروات الطبيعية في المنطقة، فإن مكانة كوردستان أيضاً هامّة هكذا في المنطقة “..
 لذا يجب أن يقال: الآن، بماذا يفكر الذين قسّموا كوردستان، عندما يرون أن أفضل حليف للغرب في المنطقة هم الكورد، من ناحية القوة ومن ناحية الموقع الجغرافي، وأيضاً من ناحية الثروات الطبيعية؟!
 لذا يمكننا ا لقول: إن الكورد أثبتوا حضورهم وموقعهم على خريطة الشرق الأوسط القادمة وسيَكونون دولة فالوفود الدبلوماسية التي تزور كوردستان وتجتمع مع القيادات السياسية وعلى رأسهم السيد الرئيس مسعود البارزاني وتشكره لمواقفه الإيجابية والإنسانية والأخلاقية كما تعرض آراءها ومقترحاتها ازاء حل قضية الشعب الكردي في العراق وسوريا ..
وكانت الزيارة الأخيرة في هذه الفترة ” وبحسب شبكة رووداو الإعلامية فإن بيانا صادر عن مكتب البارزاني إلى أن ذلك جرى خلال استقبال البارزاني اليوم الأربعاء، 29 كانون الثاني 2020، لممثل الرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف ” وقال البيان أيضاً إن نائب وزير الخارجية الروسي “أشاد باستقرار إقليم كوردستان ومكانته في الشرق الأوسط وعبر عن إرادة بلاده تنمية العلاقات بين الجانبين”. كما ذكر بيان مكتب البارزاني، أن البارزاني أشار خلال اللقاء إلى “العلاقات والصداقة العريقة بين شعبي كوردستان وروسيا ورأى ضرورة تعميق وتوسيع تلك العلاقات”، وأنه “أبلغ ممثل الرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا قلقه على مستقبل الشعب الكوردي في سوريا وعرض عليه آراءه ومقترحاته لحل قضية الشعب الكوردي في سوريا”. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…