ليلى قمر( ديرك)
في مجتمعات الدول المركبة والمتعددة القوميات والأديان ، والتي طوقت بخارطة جغرافية واحدة قد تكون نتيجة لصراعات طويلة ولأسباب متعددة ، غلب عليها أسلوب الضم بالقوة ومن ثم الإخضاع لأكثرية سعت بكل قوتها إلى الهيمنة ، وفرض اجنداتها كما وطرح مشاريع تستهدف إذابة الأقليات وصهرها في بوتقتها ، وعليه تمارس وكأية قوة احتلالية اعتى الأساليب لتنفيذ ذلك ، وقد شهد العالم بدوله صراعات دموية عديدة ، داخل الدول ، او بين عدة دول ، وسقط مئات الألوف في صراعات قومية ومذهبية ، وعقدت المئات من الاتفاقات والمعاهدات داخل الدولة ، او بين الدول ، خاصة اوروبا التي شهدت ذروة الصراع البيني داخل دولها والتاريخ يذكر فظائع في هذا المجال ، حتى تمكنت من بناء دولها ، وأوصلتها الى سياقات مدنية دستورية بحقوق وواجبات متساوية وشاملة للجميع .
أن تجارب الدول التي تجاوزت محن صراعاتها الداخلية ، واتخذت مسار البناء الوطني ، تؤكد بلا ادنى شك ، أن المقدمات الرئيسية في هذا الإتجاه يعتمد على الإقرار بأن قضايا الشعوب في الدولة المتعددة القوميات تستند في الأساس على الإقرار الدستوري بحقوق جميع القوميات – الأديان – المذاهب ، وبالتساوي في الحقوق والواجبات والبناء عليها وفق برامج مستقبلية وعملية تتيح لمجموع كيانات الدولة والبناء عليها لترتقي معها الجماهير وتتوافق على مبدأ المواطنة المتساوية في دولة يقر فيها جميعهم بالإنتماء لها ، ولابد هنا من التأكيد على أن هذا النموذج لا يمكن بناءه فوقيا ولا بقرارات واوامر او قوانين جبرية كما ورد أعلاه ! وعليه فأنه يجب اخذ الحيطة والحذر ، من الوقوع في المحظور الذي سينهش ويدمير أسس البناء لدولة المواطنة ، وكمثال : يمكننا ان نذكر نماذج ، خلطت بين بعض من المفاهيم الماركسية والتشكلات الدولانية التي بنيت على مبادئ متعددة وبأنماط من الصراع البنيوي الذي تراكم ، ولتصل الى نهاياتها الفاشلة بالرغم من انها لم تمارس النفي الوجودي للقوميات الاخرى ولا الجبر التعسفي بإلغاء الصبغة التأريخية لموقع / بيئة / منطقة ما ! وإن لم تستطع تجاوز نزعة هيمنتها على الشعوب الاخرى المنضوية في إطار خريطتها ( الروس والاتحاد السوفيتي كمثال ) . والتجربة السوفييتية تؤكد بأن الروس في ذروة مجدهم الأممي أسسوا دولة الإتحاد السوڤياتي ولكن ببناء فوقي بنيوي ، ولهذا بقي الإرث القومي للشعوب الاخرى المنضوية لها ، وحتى اسماء جمهورياتها القومية ، والتي طفت على السطح بتركيباتها القومية الواضحة ، مع اول بوادر انهيار الدولة السوفيتية .
أن الهروب من الإستحقاق القومي وتحت أية مسمى أو أيديولوجية ؟ وحتى تعويمها في سياقات شمولية مبهمة ! لن تكون مطلقا سوى تعويم لكامل الحقوق ، ومساس عملي بالمبدأ الديمقراطي للحق القومي في تلك الدولة المتعددة ، كما والعمل على إعادة انتاج الدولة الإستبدادية على شاكلة الدول بنظمها الشمولية الشيوعية او البعثية ، لابل أنوكل النظريات التي اسقطتها الإرادة الديمقراطية للشعوب !! .. أن بناء دولة المواطنة المتساوية وعلى ارضية الإقرار بحقوق جميع القوميات والمجموعات وانطلاقا منها يتم الإرتقاء الى الصيغة الأفضل ، وكل توجه آخر يبنى على صيغ مفروضة وبقوة جبرية – فوقية مغلفة بفلسفات ، هي مجرد ترف فكري – أيديولوحي ، إرتأت تخطي واغفال الحق القومي ، لابل وهضم حقوقها ، ومنحها هبة ككوبونات مسبقة الدفع للمكونات الأخرى بذريعة الشوفينية القومية ولكن ثانية لتلك القومية وحدها . لقد آن الأوان للتوقف وبمسؤولية امام القفز على المراحل أو حرقها ؟! وخاصة الحلم القومي الذي سيبقى بطابعه الإنساني المنفتح والمتسامح أرضية حقيقية للتكامل ليس في الدولة الواحدة بقدر ما هو في بعده الإنساني الشامل ، فهل علينا ان نقبل منطق بعضهم في الغاء كوردستان كوطن ، ونقر بتشكل دولة تشمل جزءا من ارض كوردستان وشعبها ونقبلها مقرين فيها وبمسمى الجمهورية العربية السورية ونقيس عليها القبول بإسم الدولة التركية كإسم لقومية جميع سكانها ، وذات الأمر بالنسبة لإيران التي اختزلت كمصطلح فارسي محدد وحتى العراق بترسيخه كدولة وبشعب عربي ، وكل هذا في تناقض عملي وتطبيقي مع دول كفرنسا وبريطانيا والمانيا .. الخ … هذه الظاهرة التي لا تتقاطع بأي شكل إن مع الأممية ولا حتى مع مشروع الشرق الأوسط الجديد ، وبالتالي – وهذا هو الأهم – هي مجرد قداسة مطوبة لسيادة قومية محددة على دولة ما وتطويب قوميتها وبقداسة الحدود الجغرافية وتسويق مجاني لامر مجاني ايضا ، فيبدو الأمر كحالة القمر بوجهه المضيء للآخرين والمظلم لذاته …