خليل خلالكي
دون تمهيدّ و لا تعقيدٍ و لا مقدمات دعونا نضع المراقب أو المتابع و المخاطب و كلّ معنيّ بالأمر في حقيقة المقاسات القنديلوجية أو الأوجلانوجية المطلوبة لأي تقاربٍ أو إطارٍ تشاركي كوردي ممكن .
و الإعتماد على التجارب و الأمثلة الحية برأينا هي الوسيلة الأنجع غالباً للكاتب في جذب القارىء الى الموضوع المطروح و فكرته و رسالته و إقناعه به .
لذلك اخترنا لكم سرد تجربةٍ نراها كفيلة بالتعرف تماماً على الذهنية أو التصوّر الفلسفي الاوجلانوجي لشكل وحدة الصف الكوردي .
التاريخ الجمعة ٣/٢/٢٠١٢ ، أما مسرح الحدث فعفرين المدينة ، و مناسبته فمسيرةٌ سلمية لجمعٍ من أهالي المدينة و بلداتها و القرى التابعة لها ، للتعبير عن موقفهم و تضامنهم مع الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت شرارتها أوائل العام ٢٠١١ في وجه النظام السوري و استبداده و المطالبة بإسقاطه .
رفقة الله كشاهدّ داخل الحدث أقول بأنه :
بدأ الإقبال الجماهيري رويداً رويداً على المكان ( أمام المصرف الزراعي ) حسب المكان و الموعد المتفق عليه من قبل بعض الناشطين المنظمين للنشاط و الذين دعوا الى النشاط عموم من يؤيدها .
تزامناً مع كل ذلك لوحظ بدايةً انتشارّ أو وجود غريب لبعض الأشخاص على اسطحة المباني المحيطة و بعض الحركات اللاطبيعية منهم ، تلى ذلك قدوم سيارة ( كيا زراعية زرقاء) تقلّ عددا من الأشخاص و مزينة بأعلام و رايات حزب العمال الكردستاني و صور عبد الله اوجلان ، و محمّلة بجهاز و مكبر للصوت .
بدأت السيارة تمر جيئةً و ذهاباً بين المحتشدين في المكان على جانبي الطريق و المنتظرين لحظة الاعلان عن بدء المسيرة ، و بداخلها شخصٌ يصرخ بالكوردية بين الحين و الآخرعبر مكبرات الصوت ترافقاً مع الموسيقى و الأغاني الحماسية و الثورية للحزب المذكور بما معناه ما يلي :
أيها الناس نحن إخوة ، و نحن جميعاً كورد ، دمنا واحد و قضيتنا واحدة و لا فرق بيننا ، و لا يجب أن نمنح المجال لأحدٍ أن يفرق بيننا ، فتعالوا لنخرج معا ، لنصرخ معا ، لنكن يداً واحدة و صوتاً واحداً…الخ .
هنا قد يبدو الكلام كله لمن يسمعه و لا يرى المشهد ، كلاماً رائعاً و راقياً و مثالياً للغاية ، أما المشهد و الحقيقة فخلافه تماماً و هنا نكون قد وصلنا الى جوهر موضوعنا هذا و لبّه و الغاية منه .
من ينادي بكل تلك الأفكار المثالية و بذلك الخطاب الراقي و يدعو لوحدة الصف و الكلمة حول قضيةٍ عامة مشتركة تجمعنا جميعا في إطار أننا شعبٌ واحد ، لا يلبس لباساً ذو مقاسٍ ضيقٍ حزبي فكريّ ايديولوجي فئوي كمشهده ذاك و يدعو الناس الى الاقبال عليه و الوقوف معه و لبس ذات اللباس بالمقاس ذاته .
من ينادي بوحدة الصف و الكلمة لا يكون كلامه في واد و فعله و ممارساته في وادٍ آخر تماماً ، فالاغنية كانت شاذةً و نشاذاً للغاية ، حيث ذاك الكلام الجميل كله لم يكن مفهوماً لأنّ كلاماً آخر و لحناً آخراً كان يردد و يتردد و يصدح الآذان في الآن ذاته ، كلامٌ و لحنّ لا يعرف إلا الآبو قائداً و الفلسفة الاوجلانية اللامفهومة و اللا موجودة اصلا فكرا و منهجاً ، و كل ما لايمت الى الكوردية و الكورد و حقوقهم و خصوصيتهم بصلةً طريقاً و سبيلا .
من يدعو الى وحدة الصف الكوردي لا يأتي و يتدخل متى ما شاء و أينما شاء و كيفما رغب و يفرض على غيره و يرغمه بما يجب عليه فعله و سلوكه أو بما يجب النهي عنه . فالوحدة و التشاركية قناعةٌ و احترام متبادل و ايمان و إرادة ، و ليس عقد إذعانٍ و إكراهٍ و إذلال .
إذ ما أن عبّرت الناس عن عدم قناعتها و اقتناعها بالمسرحية السخيفة و نشاذ الاغنية بكلماتها ولحنها من خلال إيثارها الصمت و البقاء في أمكنتها و عدم التفاعل ، حتى خرج شبيحة الشبيحة أولئك الذين يُرثى لحالهم حقيقةً كونهم مصابون و ضحايا الفكر و اصحابه ، خرجوا بالعصي والهروات و نزلوا ضرباً و سبّاً و شتماً و إهانةً و اعتقالاً و سواه بالحاضرين و بالنتيجة تفريقهم و إفساد النشاط .
لنتقارب و نتوحّد و نكون شركاء و لكن بالشكل و بالطريقة و الاسلوب الذي أريده و أشتهيه تماماً و دون أن تملي على أية ملاحظة أو تلزمني بأدنى أو أبسط واجب أو التزام ، بل أنت الذي يجب أن يكون طوع أمري و امرتي ، أنا الذي يحوم و تحوم حولي ألف نقطة استفهام و استفهام و يصدر عني ألف قبيحٍ و رذيلة .
تلك بإختصارٍ هي مقاسات الأوجلانوجيا لوحدة الصف الكردي .
١٦/١/٢٠٢٠