ماجد ع محمد
يقال بأن الإنسان العاقل هو الذي يستفيد من تجارب غيره، وبالضد منه ذلك الذي لا يستفيد لا من تجربته الشخصية أو العائلية ولا من تجارب الآخرين، نستفيد من المجريات الغابرة، باعتبار أن التجربة البشرية السابقة لميلاد المرء هي برمتها عبارة عن دروس وعِبر، يأخذ بها المرء ويبني غده على مداميك تلك القصص والأحداث والمواقف والتجارب، وذلك ليتجنب الوقوع في مطباتٍ سبقه إليها الغابرون، ولكيلا يرتكب ما ارتكبه السابقون، ولئلا يقع في نفس الحُفر التي سقط فيها السلف من قبل، طالما أن التجارب البشرية الماضية هي في متناول الكل، وبمقدور أيّ شخص أو تنظيم أن يستفيد منها، بما أن العمر قصير وعلى الإنسان أن لا يجرّب كل شيء بنفسه في هذه الدنيا، وإلاّ لكنا إلى الآن من نزلاء المغاور ونقتات على ثمار الغابات ونقطن بيوتَ من القصب والشَّعر.
وما قلناه تواً لا شك هو ينسحب على كل ميادين الحياة من الاقتصاد مروراً بالفكر والأدب والفن والسياسة إلى النضال المسلّح، وقد يُلاحظ المرءُ أن بعضهم لم يستفيدوا من تجارب الغير إلاّ أنهم أخذوا العبرة من تجاربهم الخاصة أو العكس، إلا أن المؤسف في أمر بعض الحركات الجماهيرية وفي مقدمتهم حزب العمال الكردستاني، هو أنه لم يستفد لا من تجربته الطويلة التي تجاوزت الثلاثين عاماً في حربه مع النظام التركي، ولا حاول أن يستفيد من أقرب التجارب في الساحات الثورية القريبة منه كفلسطين وسوريا والعراق، فهو طوال حربه مع تركيا لم يكن كفاحه المسلّح إلاّ في المناطق الكردية، ونتيجة لتلك الممارسات الخرقاء دُمرت آلاف القرى، وتهجّر الملايين من قراهم وبلداتهم ومدنهم بسبب الاشتباكات وتحويل مناطقهم إلى ميادين للمعارك، وحيث أن أغلبية من كانوا يقتلونَ كانوا من الكرد، بما أن الحكومة شكّلت كتائب مضادة للحزب المذكور من الكرد أنفسهم في المناطق الكردية ممن يسمون بـ: (حماة القرى) وكذلك فإن العسكر الذين كانوا يُرسلون من قبل الدولة التركية حسب شهادات العارفين بالشأن التركي أنهم كانوا بغالبيتهم أكراداً، إذن لم يخسر من عمليات الحزب برمتها مادياً ومعنوياً، بشرياً واقتصادياً منذ عقود غير الكرد.
فهذة التجربة الطويلة لم يستفد منها الحزبُ ولو على مستوى استفادة الفيل من منتجات النملة، والأنكى من ذلك أنه ومنذ عامين أو أكثر قليلاً حاكى الحزبُ التجربة الفاشلة لبعض الثوار السوريين الذين دخلوا المدن السورية وكل ظنهم بأنهم سيجبرون الناس بذلك للانتفاض معهم ضد النظام، والسبب الثاني ظنهم بأن النظام لن يقصفهم إن حشروا أنفسهم بين الأطفال والنساء والرجال، والنتيجة كانت العكس تماماً، فالنظام رأى أهم ذريعة قدمها له عناصر وقادة تلك الكتائب لتدمير البيوت فوق أصحابها بحجة ضرب الارهابيين، وفوقها خسر الثوار حاضنتهم الشعبية عدا الخسارات الهائلة من المدنيين ما اضطروا في النهاية للانسحاب من تلك المدن، ومنها مدينة حلب على سبيل المثال التي تسبب دخول الكتائب إليها بتدمير أهم المواقع فيها، وكذلك الأمر كان الوضع مع الحزب العمال الكردستاني الذي عمل مثلهم، فحشر عناصره ووزعهم داخل البيوت والأزقة في نصيبين وشرناخ وبوتان وآمد، والنيجة كما كانت في سورية بالضبط، فقد أعطى حزب العمال الكردستاني الذريعة على طبق من الألماس والحجة الكافية للنظام التركي حتى يقصف تلك المدن، ويدمرها بالجملة من دون أي تبعات دولية على ما قام به، ومن دون حتى أن يلتفت إليها الإعلام العالمي، وبالتحديد الإعلام الأوروبي الذي عادةً ما يبحث عن أتفه مشكلة في الشرق ليجعل منها قضية، وحيث كانت الحجة نفسها التي استفاد منها الأسد في إعلان الحرب على شعبه أي ذريعة الإرهاب، وذلك طالما أن حزب العمال الكردستاني ما يزال مصنفاً ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في قوائم الدول الغربية.
ويبقى الغريب هو أن النُظم تتبادل الخبرات وتستفيد من تجارب بعضها البعض لقمع الشعوب وطُرق التحكم بها، بينما الأحزاب المهيأة لأن تفتدي بأرواح الأتباع لا تستفيدَّ إلا نادراً من مقامراتها، وبعضها على الأغلب لا تريد أن تستفيد طالما كان مشروعها قائم على استثمار أرواح المنتمين إليها، والحالة هذي ربما صار بمقدور كل عاقل لديه آلية الحكم مبنية على ميزان الربح والخسارة والموازنة الشكَ الدائم في غاية ومبرِّر استمرار وجود هذه الأحزاب والمنظمات أياً كانت أيديولوجياتها قومية أو دينية أو ماركسية أو علمانية، والتي غالباً ما تكون بمثابة الذريعة الدائمة لدى أنظمة المنطقة لتلجأ بحجة محاربة تلك الأحزاب المحظورة متى ما أرادت إلى تضييق الخناق على حياة مواطنيها أو ضربهم بيدٍ من حديد، لذا قد يُنظر بعيونٍ تتجاوز الريبة إلى هذه الحركات التي تجتر ذاتها، وتهدر طاقات المجتمع كل فترة بدون أي فائدة تذكر باعتبارها غدت أشبه بأدوات غير مباشرة للأنظمة، هذا إذا لم نجازف ونقول بأن بعضها هي أصلاً من صنيعة نفس الأنظمة التي تحاربها.
المصدر: موقع ليفانت نيوز