بديل الـ ب ي د 2/2

د. محمود عباس
7 في السنوات الأولى من الثورة السورية (نقولها ولأول مرة) عرض علينا نحن في المجلس الوطني الكردستاني-سوريا دعم عسكري ولوجستي لإدارة المنطقة الكردية وبسند دولي، وبعد نقاشات مطولة وحوارات تم التخلي عنها، لاعتبارات، منها، فضلنا أن نظل منظمة ذات منهجية سلمية في النضال، وبالتالي نستمر على رفض الصراع العسكري لحل ليس فقط القضية الكردية بل والسورية عامة، ومع إدارة المنطقة بشراكة وتفاهم بين جميع الأطراف الكردية، كما وبها تم إبعاد احتمالية حصول اقتتال كردي- كردي، فقد كانت قوات الـ ب ي د متشكلة حينها، ووقفت في وجه تشكل قوات البيشمركة التابعة للمجلس الوطني الكردي في كل من تربه سبيه وديريك، والخلاف بيننا وبينهم طال لشهور، إلى أن تراجعت الجهات الدولية عن عرضهم. 
7 والسؤال هنا: لو حصل المجلس الوطني الكردي على مثل هذه الإمكانيات هل كانت ستقوم بالتدخل العسكري، ولربما الدخول في صراع عسكري، وهل الـ ب ي د كانت ستقبل بالقوة الكردية الأخرى، وهي حتى الآن ترفض مثيلها، ونحن ومنذ البداية رجحنا الصراع السلمي، ومحاولة إقناع الأطراف الكردية بالتعامل معا حتى على سوية تشكيل القوة العسكري، وتبينت عدم جدوى نداءاتنا، وبعد مسيرة دبلوماسية طويلة فضلنا الركون إلى مرحلة ما، وقد كتبت على هذه المنهجية إلى عام 2014م، نصحت مرارا، ونقدت حينها سياسية الـ ب ي د والإدارة الذاتية، وانحرافات الأنكسي، مبتعدا عن التهجم والتخوين، وتوقفت عن الكتابة على هذا النهج بعد قرار، وهنا السؤال لماذا الطرفين الذين استأثرت بهم بعض القوى الإقليمية لم يتمكنا من التعامل السياسي، ولم يتحركوا لإنقاذ الذات من التهم الساذجة بعدم السقوط في خانة التخوين ورفض الأخر؟
8 يثار كثيرا إشكالية حروب الإدارة الذاتية وقواتها (قسد) خارج المدن ذات الأغلبية الكردية، كالرقة وحتى باغوز، للقضاء على داعش، رغم الألم والأسى الذي لا يفارقنا مثل جميع أبناء الشعب الكردي على الألاف من أبناءنا الشهداء، والجرحى، وعائلاتهم المعانية الكوارث، فهل كان سيقف الطرف الكردي البديل عن الـ ب ي د عند حدود كردستان الديمغرافية والتي صرح البعض من قيادات الأنكسي أن المنطقة الكردية تنقسم إلى ثلاثة أقسام منفصلة عن بعضها، وأين هي هذه الخطوط الفاصلة؟ وأين تنتهي المنطقة الكردية، وجغرافية كردستان؟ وهل قوات داعش التي تكفر الكرد كانت ستقف مكتوفة الأيدي وهي في جنوب وبين تلك المناطق المذكورة على أنها خالية من الديمغرافية الكردية؟ وهل كان هناك ضمان على عدم استمرارية الهجوم وتوسيع خلاياها النائمة، وضرب المدن الكردية كلما سنحت لها الفرصة؟ والسؤال هنا لماذا أمريكا وروسيا يعملان بشكل مستمر للقضاء على المنظمات التكفيرية التي لا حاجة لهم بها، رغم بعدهم الجغرافي بألاف الكيلومترات، ولماذا لن يكونوا خطرا على المناطق الكردية وهم على حدودها مثلما تراهم روسيا وأمريكا رغم البعد. 
9 ويظل موقع الإدارة الذاتية بين القوى الإقليمية والدولية من بين الأسئلة الأكثر إثارة، ومنها الحجج التي تقدمها تركيا لروسيا وأمريكا للتغاضي أو السماح لها باجتياح المنطقة الكردية، وهل كانت ستجد مبررات أخرى لو تكن الـ ب ي د هي المسيطرة، وهل تركيا كانت ستتغاضى عن إشكالية اللاجئين السوريين ومن خلالهم التدخل في شؤون المنطقة؟ ماذا لو كان أحزاب المجلس الوطني الكردي يديرونها، أو حتى لو كانت بشراكة، أي لو كان قدم تم الاتفاق بين الأحزاب الكردية في مؤتمر قامشلو أو هولير؟
10 هل أمريكا كانت ستتعامل مع القوى الكردية المشتركة مع المعارضة المفروزة تحت صفة الإرهاب عندهم، وماذا يمكن أن نتوقع من الروس؟ 
11 وأخيرا هل فعلا الـ ب ي د أو قياداتها العميقة المختفية غير كردية وتعمل ضد الشعب الكردي؟ وهل تعامل الأنكسي مع الإتلاف وتواجد البعض من قياداتها في تركيا وسهولة مرور الأخرين عن طريق تركيا ومطاراتها تضعها في خانة الخيانة الوطنية؟ 
هذه الأسئلة وغيرها تطرح في معظم الحوارات والنقاشات السياسية، وتعرض كنقد لـ ب ي د من جهة وكدفاع عن الإدارة الذاتية من جهة أخرى، وذلك حسب منطق السائل.
 أليست كل هذه الأسئلة والاتهامات نابعة من سذاجة وربما جهالتنا بتاريخنا وكيفية معالجة الحاضر لتكوين العناصر الملائمة لبناء مستقبل ناجح، فطريقة طرحنا وبهذه الطريقة تسهل للأعداء التلاعب بنا كيفما يشاؤون؟ والإشكالية هنا، هي أن معظمنا لا يملك الإمكانيات الفكرية والسياسية لعرض النقد المنطقي البديل، ولا يدرك كيف يمكن رجحان أحد الطرفين السياسيين اللذين تم تعميمهم على الساحة الكردية، دون الطعن في الثقل الوطني للحراك الكردي. وفي الواقع أن أغلبية الشعب يرفضون حجج الجهتين، ويبحثون عن بديلهما، ولا يتم حتى الآن بشكل جدي البحث عن الحراك الكردي الذي بإمكانه إنقاذ الأمة، الحراك الذي لا تزال البيئة غير ملائمة لتبلورها، رغم أن المؤشرات بدأت تظهر، وكان بالإمكان الإسراع في تكوينها لو لم تستأثر الأطراف الحزبية المتصارعة بمصالحها الحزبية، ولو رجحت المصلحة الوطنية، وهذه من أحد أهم العناصر التي يجب توفرها وترسيخها في ثقافة شعبنا وفرضها على الحراك الكردي قبل أن نبحث في تغيير مسار التاريخ لصالحنا.
   ولربما هنا سيتم عرض النقد والتهجم والحجج لتفضيل جهة على أخرى، وسيتم على سبيل المثال قول إن الطرف الكردي الأخر ومن بينهم المجلس الوطني الكردي لم تتلوث أياديهم بالدماء الكردية، والأخرون سيردون على الأقل لم يدرجوا في خانة الخيانة مع الأعداء، وهلم جرى، حيث الانتقادات الحادة والتي أصبحت مشمئزة وأكثر من معروفة على الساحة السياسية والثقافية، ويستمد منها أعداؤنا مصادرهم في النعت بالكرد وقضيتهم.
 أعداؤنا لا يختلفون على المبررات، عودوا إلى صفحات التاريخ، قتلونا ونحن شيوخ دين، غدروا بنا ونحن في تحالف معهم، خانونا وغدروا بنا ونحن نحارب معهم، قتلونا ونحن علمانيون ديمقراطيون، وسيقتلوننا أي كانت نوعية مفاهيمنا، علينا أن نصحى، الحجج يبثها الأعداء بيننا لنزيد على قتلهم لنا قتلنا لبعضنا إن لم يكن بالسلاح فبالجدالات الساذجة والخلافات الواهية والصراعات المدمرة. 
وسيظل السؤال متى سيستيقظ حراكنا الكردي المأمول منه، والذي نرى ظهوره بشكل ما هنا وهناك، وهل الحركة الحاضرة ستملك الإمكانيات لتطوير ذاتها ولتكون على مستوى حمل قضية الشعب الكردي؟
الولايات المتحدة الأمريكية
 mamokurda@gmail.com
2/12/2019م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…