«يوم الطالب» مناسبة تاريخية في نضال الشعب الإيراني

بقلم: نظام مير محمدي*
بعد انقلاب 19 أغسطس 1953 وإقالة الدكتور محمد مصدق، رئيس الوزراء المحبوب لدى الشعب الإيراني، سافر نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، ريتشارد نيكسون، إلى إيران واستقبله الشاه. وكانت هذه الخطوة تعني تأييد حكومة الانقلاب. وكان الهدف من زيارة نيكسون إلى طهران بتكليف من الرئيس الأمريكي هو الإعلان عن أن “النصر السياسي الواعد في إيران حليف القوى المؤيدة لاستقرار الأوضاع”. (من خطاب أيزنهاور في الكونغرس الأمريكي بعد انقلاب أغسطس 1953)
وبالإعلان عن هذا الخبر، قام الطلاب وجزء من السوق بالاحتجاج، وبعد ذلك تم القبض على بعضهم. وبلغت الاحتجاجات ذروتها في جامعة طهران دعمًا للدكتور محمد مصدق وإدانةً للانقلاب. وفي صباح يوم 7 ديسمبر 1953، أغلقت قوات جيش الشاه، المسلّحة بالمعدات والوسائل القمعية المنطقة حول حرم جامعة طهران. واحتجاجًا على هذا الموقف، تم إغلاق العديد من الكليات، وخاصة الكلية التقنية في جامعة طهران، وبعد ساعات أغلقت الجامعة بأكملها. وفي هذه الأثناء، اقتحمت قوات الشاه المسلحة أحد الفصول الدراسية في الكلية التقنية بجامعة طهران للقبض على طالبين احتجا على تواجد العسكريين في الجامعة. واحتج الطلاب بشدة على هذا العمل العسكري، وفجأة أطلق العسكريون النار على الطلاب المحتجين. وأصيب أحد الطلالب ويدعى ”مصطفى بزرك نيا“، واستشهد في ممر الكلية التقنية. وأصيب طالبان آخران، هما ”مهدي شريعت رضوي“ و”أحمد قندتشي“، وتوفيا في طريقهما إلى المستشفى. كما ألقى ضباط الشاه القبض على بعض الطلاب، وبعد هذا الإجراء القمعي، قام الطلاب بالإضراب.
وعلى الرغم من عدم وجود اتصالات سهلة وحديثة ومنتشرة حينذاك، انتشر الخبر في جميع أنحاء إيران، وانقلب المجتمع والرأي العام ضد الشاه وجيشه والشرطة القمعية.
إن عُرف الديكتاتوريين في مواجهة مثل هذه الأحداث هو نشر ما يروق لهم من أخبار وتقارير والتستر على الحقائق نظرًا لأنهم يسيطرون على كافة أجهزة الاتصالات والدعاية والحكم. بحيث يمكنهم إدانة الضحايا، والمضطهدين والموتى، من ناحية، وتبرئة عناصر الحكومة والجلادين والقتلة، من ناحية أخرى. ويشهد تاريخ إيران على أن الشاه والملالي ينتهجان نفس الأسلوب. 
وبطبيعة الحال، يشهد تاريخ الـ 40 عامًا الأخيرة على أنه بعد غصب خميني لسيادة الشعب الإيراني، قلب الملالي للحقائق حتى أن خميني نفسه تقدم على الشاه في هذا الأمر، خاصة وأنه، بموجب ما لديه من السلطة الدينية،  أدان جميع ضحايا القمع والتعذيب في السجون . وأدلى خميني بتصريح شهير نُشر في كافة وسائل الإعلام في عهده، حيث قال: ” إن مجاهدي خلق هم الذين يعذبون أنفسهم ويقتلون أنفسهم”. 
وفي ثورة 1979، شم الشعب الإيراني رائحة الحرية لفترة قصيرة وأطلقوا على الجامعة اسم “خندق الحرية”. لكن للأسف الشديد، أصبحت الجامعة، التي كان من المفترض أن تكون قاعدة مهمة وحاسمة للترويج لفكرة الحرية والدفاع عنها، ميدانًا لغزو الملالي وقوات الحراسة التابعة للحكومة.  ولم يستطع حكم الملالي بموجب طبيعتة وبسبب مبدأ ولاية الفقيه إرساء الحرية وتلبية متطلباتها، وأصبح الهدف الأول هو تحويل الجامعات إلى مراكز رجعية. وواجهت الجامعة والطلاب أكثر الأعمال العدائية على يد خميني. ونظرًا لأنه كان شخصا يفتقر إلى العلوم الحديثة؛ كان يرى أن الجامعة عدوًا لأفكاره الرجعية المتخلفة.
وقال خميني في كلمة ألقاها في عيد النوروز (مارس 1979): “يجب أن تشمل الثورة الجامعة أيضًا”. في ذلك الوقت، أدرك جميع الخبراء بالشؤون الإيرانية آنذاك أن هدف خميني من الثورة هو نشر أفكاره الرجعية المتخلفة جدًا.
منذ أوائل أكتوبر 1979 وما بعده، إضافة إلى حملات القمع، كانت المنظمات والأحزاب والجماعات السياسية في الجامعات عبارة عن منظمتين تسميان  بالرابطة الإسلامية والجهاد الأكاديمي، بوصفهما ساعدان للحكومة للتجسس على الطلاب وأساتذة الجامعة التقدميين وقمعهم.
ونتيجة للاستراتيجيات الناجمة عن حديث خميني عن “الثورة في الجامعات”، بدأ الانقلاب الثقافي في الجامعات الإيرانية في مطلع شهر أبريل 1980.
كان الغرض الرئيسي المشؤوم للخميني من “الثورة الثقافية في الجامعة” هو إغلاق محاضرات ”تبيين العالم“ التي كان يلقيها مسعود رجوي.
وفي عام 1979، عقد مسعود رجوي دورات ومحاضرات لشرح أيديولوجية منظمة مجاهدي خلق الإيرانية بعنوان “تبيين العالم”، في جامعة شريف الصناعية (جامعة آريامهر الصناعية، قبل الثورة)، وحضر هذه الفصول 10000 طالب وأكاديمي والشخصيات التقدمية ممن يحملون بطاقات خاصة. وكانت فصول “إلقاء الضوء على العالم” أكبر فصول للنقاشات الفلسفية المدونة القائمة على الموضوعات العلمية المؤكدة حول القوانين التي تحكم تطور العالم، والتاريخ والمجتمع والإنسان، وكانت في جوهرها تمثل هجومًا على أيديولوجية خميني الرجعية ورفضها، وكان من الطبيعي ألا يتحمل خميني ذلك.
في مثل هذا المناخ السائد في الجامعة وبين الطلاب، أدرك خميني أن خطابه في عيد النوروز لا محل له من الاعراب بين الجيل الواعي.
ولذلك قام في مطلع أبريل 1980، بحملة استفزازية في الجامعات. وكان الهدف هو الترويج للحوزات في الجامعة وإخراس الألسنة وكسر أقلام المنتقدين والمفكرين الأحرار. وأسفر هذا الانقلاب عن فصل حوالي 12000 أستاذ جامعي و 17000 طالب من كافة الجامعات في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن عدة آلاف من الطلاب الجدد من الالتحاق بالجامعات بسبب عدم الامتثال للمعايير الدينية وهيمنة الحكومة.
وفي أعقاب هذا الانقلاب المخزي المناهض للعلم والقمعي، بدأت آلة الاغتيال والإعدام وإطلاق النار على الطلاب في الشوارع واعتقالهم وتعذيبهم وسجنهم.
وقام خميني والملالي التابعون له، وعلى غرار رضا خان البلطجي، ونجله الديكتاتور محمد رضا شاه، باجتياح حرم الجامعة.
ونتيجة لإغلاق الجامعات ونهاية آخر قطرة من الحرية في 20 يونيو 1981، تم حتى الآن إعدام 120000 تلميذ وطالب وشخصية تقدمية ومناضل على يد جهاز قمع الفاشية الدينية الحاكمة في إيران أو تم تشويههم على أسرة التعذيب. وقتل 30000 سجين  سياسي من مجاهدي خلق الذين كانوا يقضون فترة عقوبتهم الجائرة، بموجب فتوى خميني في صيف عام 1988، ودفنوا في مقابر جماعية، ولم يعلن نظام الملالي عن مكان دفنهم حتى الآن. 
ومازال هذه الأسلوب من القمع وآلة الإعدام الجهنمية والاغتيال والكبت مستمرًا. والشاهد على ذلك قتل أكثر من 1000 شخص من المتظاهرين في انتفاضة نوفمر في إيران جراء إطلاق قوات القمع الحكومية النار عليهم مباشرة، وإصابة أكثر من 4000 شخص، واعتقال أكثر من 12000 شخص. 
هذا هو ثمن الحرية التي زُرعت بذورها في جامعة طهران في 7 ديسمبر 1953، وروتها دماء الشهداء في جميع أنحاء إيران ونضجت وأصبحت قوية قادرة على اقتلاع جذور الظلم والظالمين وتخصيب الحرية والازدهار في إيران.
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…