وثائق مفيدة (4) الأرمن والدولة العثمانية

تجمع الملاحظين
يقول البروفيسور جستن مكارثي(*): “الأكاذيب التاريخية ما لم يتم محاربتها سوف تخلد نفسها وتتخلد…”.
قبل البدء ببعض الوثائق التي نظن أنها مفيدة إذا اطلعنا عليها. وهي بصدد المذابح التي حدثت بين الأرمن والدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى.
جزء من ذلك التاريخ يخص الشعب الكردي المتهم بالمشاركة في إبادة الأرمن مع الاتحاديين في ذلك الحين. ربما يكون ذلك الجزء من تاريخنا مغيبا عن العديد منا، فلمعرفته لغير المطلعين عليه مهمة، ومفيدة؛ حسب ما نظن.
توطئة مختصرة:
مكانة الأرمن في الدولة العثمانية:
شكل الأرمن إحدى الأقليات التي ضمتها الدولة العثمانية. لم تكن هذه الأقلية كغيرها من الأقليات في الدولة العثمانية؛ لتميزها على جميعها؛ وكانت تدعى “الأمة المخلصة”. 
لقد تبوأت هذه الأقلية مكانة بارزة في تلك الدولة من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ حتى قبل فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية. وفي المجال السياسي كان الأرمن يشغلون مناصب حكومية مختلفة، وأكثرها كثافة بالأرمن كانت في السلك الدبلوماسي؛ لإيجادهم العديد من اللغات، وشغل بعضهم مناصب وزارية، بل حتى منصب نائب الصدر الأعظم (منصب نائب رئيس الوزراء، في الوقت الحالي). لثراء الأرمن نافسوا اليهود في المراباة. وكانت إدارة صك العملة حكرا عليهم لفترة زمنية طويلة، لما تميزوا به من مكانة مرموقة في الدولة العلية. ناهيكم عن التجارة الخارجية والداخلية، ربما هم أول من أسسوا الشركات الدولية التي لها فروع في العديد من العواصم الأوربية والآسيوية.
أما في الجانب الاجتماعي اعتبرت الدولة العثمانية الأرمن كطائفة لها حقوق المواطنة من الدرجة الأولى. ويمكن القول أن الأرمن هم الطائفة الأولى التي أصدر السلطان محمد الفاتح فرمانا بإنشاء بطريركيتها في عاصمته الجديدة إستانبول في العام 1461م.
الوعي القومي الأرمني:
كان لنشاط الأرمن في العديد من الدول الأجنبية له تأثيره الكبير على إيقاظ الوعي القومي لديهم. فالثورة الفرنسية والجامعة السلافية أيضا كانتا لهما دور هام في إيقاظ هذا الوعي، وكانت لهزائم الدولة العثمانية أمام روسيا نارا مؤججة للنزعة القومية لديهم، ولم تتخلف مصالح الدول الكبرى عن الاستفادة من الوعي القومي الأرمني، فاستخدمته لتوسيع نفوذها في هذه الدولة الضعيفة، وأخيرا نقول أن العامل الديني كان له نصيبه فيه. كل هذه العوامل مجتمعة جعلت من الأرمن عاملا قويا يثار في وجه الدول العثمانية من حين إلى آخر، التي نخر الضعف أوصالها.
يتبع
تجمع الملاحظين، عنهم:
كاوار خضر
(*) جوستين مكارثي (من مواليد 19 أكتوبر 1945) هو ديموغرافي أمريكي، وأستاذ للتاريخ في جامعة لويزفيل، في لويزفيل، كنتاكي. وعضو مجلس إدارة معهد الدراسات التركية، ومركز الدراسات الأوروبية الآسيوية (AVIM). مجال خبرته هو تاريخ الإمبراطورية العثمانية المتأخرة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي في ظل الأوضاع المعقدة التي تشهدها سوريا، يبقى النهج الإقصائي الذي تمارسه سلطات الأمر الواقع أحد العوامل الأساسية في تعميق الأزمات بدلاً من حلها. فالتهميش المستمر ورفض التعددية السياسية يضعف أسس الاستقرار، ويؤدي إلى إعادة إنتاج أخطاء الماضي. أي سلطة تسعى إلى بناء دولة قوية ومستقرة لا بد أن تعتمد على مبدأ الشراكة الوطنية، وتعزز التعددية…

نارين عمر   يبدو أنّه علينا كشعب أن نعيش عمرنا بين تساؤلات واستفسارات موجّهة إلى مختلف قيادات الحركة الكردية والأطراف التي ترى نفسنا أنّها تمثّلنا في سوريا دون أن نتلقى إجابات واضحة منهم تهدّئ من صخب فكرنا وتنعش النّفس ببعض الآمال المحققة لطموحاتنا وحقوقنا. في اتفاق أسموه بالتّاريخي بين “قسد” وحكومة دمشق تمّ طرح عدّة بنود منها: (( دمج قسد…

درويش محما قد تصبح الامور عصية على الفهم في بعض الاحيان، وضبابية غير واضحة، حينها يجد المرء نفسه في حيرة من امره، ازاء سلوك او تصرف معين يقدم عليه شخص ما، والسبب بكل بساطة، يكمن في عدم معرفتنا للهوية الحقيقية للشخص صاحب التصرف والسلوك. اما ماهية الهوية كمفهوم، فهناك اجماع على تعريفه، بمجموعة السمات والخصائص المميزة لفرد ما بعينه،…

إبراهيم اليوسف يقتلع”الزور” الجزرأي القوة مثل كردي لقد بلغ العنف والتدمير مرحلة ما بعد الحداثة، فلم يعد مجرد أداة صراع بل تحول إلى نسق شامل، يعيد تشكيل الواقع وفق منطق القتل والفناء. إذ لم تعد الأسئلة الكبرى عن معنى السلطة والشرعية والوجود تجد مكاناً لها، لأن القاتل لم يعد مضطراً حتى لتسويغ جرائمه. إننا- هنا- أمام زمن…