بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
بعد الانتفاضة التي اجتاحت جميع أنحاء إيران، تحت احتلال الملالي، خلال الأيام الأخيرة من عام 2017، بات من الواضح أنه من غير الممكن القضاء على هذه الانتفاضة لأن الناس فاض بهم الكيل من هذا النظام ولم يعد بإمكانهم تحمل مثل هذا النظام القمعي. ولهذا السبب، استمرت الانتفاضة في شكل سلسلة من الاحتجاجات والسخط يوميًا؛ على الرغم من زيادة التدابير الأمنية الصارمة التي اتخذتها السلطات الحكومية لقمع الاحتجاجات خلال هذه الفترة، وفي الوقت نفسه اتضح أن استئناف الانتفاضة أمر ممكن في أي وقت، خاصة وأن قوات المقاومة الإيرانية انتشرت بين مختلف طبقات المجتمع في جميع أنحاء إيران خلال العامين الماضيين في شكل معاقل للانتفاضة. والجدير بالذكر أن الفترة الزمنية بين كل مرحلة وأخرى من مراحل الانتفاضة في إيران لا تكاد تُذكر.
وقد أشعل رفع نظام الملالي لأسعار البنزين شرارة المرحلة الجديدة من الانتفاضة، إلا أنه سرعان ما تخطت الانتفاضة الحديثة عن مرحلة البنزين وسعره، واستهدفت الشعارات رأس الديكتاتورية، خامنئي، ونظام الملالي برمته. وهتف الشعب المطحون في أكثر من 120 مدينة و في 31 محافظة ضد نظام الملالي، وعبروا عن استيائهم الشديد من هذا النظام بالهجوم على مراكز النهب والقمع التابعة للنظام، وإضرام النيران في البنوك والمراكز القمعية مثل مراكز الشرطة ومراكز الباسيج والصور الرمزية لخامنئي وخميني، وأثبتوا للعالم عملياً أن الشعب الإيراني – كما ذكر أكثر من مرة – لا يريد هذا النظام بأكمله.
وتفيد الإحصاءات المسجلة أن أكثر من 200 شخص استشهدوا، وأُصيب المئات في المرحلة الأخيرة من انتفاضة الشعب الإيراني، وأن القوات الحكومية ألقت القبض على آلاف الأشخاص.
والشيء الأهم هو أن هذه المرحلة الجديدة من الانتفاضة تظهر أن الوضع في إيران لن يعود إلى ما كان عليه على الإطلاق، وأن الهدف هو الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الديني الذي حكم إيران بالقمع على مدى 40 عامًا. فالشعب الإيراني المجيد وفي مقدمته المقاومة الإيرانية الشريفة واثقين من النصر بهذه الطريقة. فقد عقدوا العزم على سرعة تحقيق هذا التطور العظيم، أي الإطاحة بنظام الملالي برمته في أقرب وقت ممكن.
ومن السمات الأخرى لهذه المرحلة من الانتفاضة، التسارع في التحرك وتأثيرها على علي خامنئي والمسؤولين الآخرين في نظام الملالي، بالإضافة إلى تصاعدها في جميع أنحاء البلاد. وإذا كانت المرحلة السابقة من الانتفاضة في الأيام الأخيرة من عام 2017 قد استغرقت أسبوعًا حتى تصدر خامنئي المشهد وأعلن على الملأ أن الانتفاضة من صنع مجاهدي خلق، وهي القوة المركزية للمقاومة الإيرانية، إلا أن الأمر هذه المرة لم يستغرق 24 ساعة حتى اعترف خامنئي بهذه الحقيقة، نظرًا لأنه خلال الفترة الزمنية بين مرحلتي الانتفاضة كان خامنئي ونظامه الفاسد يواجهون تواجد مجاهدي خلق في جميع الأراضي الإيرانية وبين كافة طبقات المجتمع. والجدير بالذكر أن أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية في نظام الملالي قد أعلنوا أكثر من مرة أنهم خلال الفترة الزمنية التي تفصل بين مرحلتي الانتفاضة ومدتها عامان، قبضوا على المئات من أعضاء معاقل الانتفاضة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق. ومن جانبها نشرت المقاومة الإيرانية بشكل شبه يومي الأنشطة الوثائقية لقواتها في إيران في أجهزتها الدعائية، بما في ذلك التلفزيون الوطني الإيراني (سيماى آزادى)، والآن أصبح انتشار قوات المقاومة المنظمة داخل إيران حقيقة لا يمكن إنكارها.
وما يجب التنويه عليه في ظل هذا الوضع هو أننا لا يجب أن نبحث في السبب وراء قرار خامنئي وروحاني برفع سعر البنزين في جهل قادة النظام بعواقب هذه الخطوة الخطيرة، بل يجب أن نبحث في الحالة الاقتصادية المنهاره في البلاد التي تسبب فيها تصعيد العقوبات الدولية على نظام الملالي ووضعها في هذا الموقف الحرج. والجدير بالذكر أن روحاني اعترف أكثر من مرة بهذه الحقيقة خلال الأسابيع الأخيرة.
هذا وقد ظهرت العلامات الأولى لهذا الذعر والارتباك من رفع أسعار البنزين في مجلس شورى الملالي، في وقت مبكر من اجتماع صباح يوم السبت الموافق 16 نوفمبر، حيث قدم عدد من أعضاء المجلس مشروع بالأسبقية الأولى لوقف رفع أسعار البنزين.
لكن من الواضح أن هذا قرار خارج إرادة أجنحة النظام، وهو قرار خامنئي على وجه التحديد. ويبدو أن خامنئي قد أخطأ في نظرته للوضع المتفجر الاستثنائي في المجتمع، وانتفاضة الشعبين العراقي واللبناني.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الانتفاضة العراقية ليست منفصلة عن الانتفاضة في إيران؛ حيث أنهما يشكلان جبهة مشتركة ضد عدو مشترك برفع شعارات مشتركة لتحقيق هدف مشترك. إذ يهتف المنتفضون في العراق “نظام الملالي بره بره” وفي إيران أيضًا يهتف المتظاهرون “الموت للديكتاتور” و”الموت لخامنئي” .
وبعد بداية المرحلة الجديدة من الانتفاضة المربكة تصدر خامنئي المشهد ودافع صراحةً عن قرار رفع أسعار البنزين، وقال إنه يؤيد قرار رؤساء السلطات الثلاث . وأصدر الأوامر بقمع وقتل المتظاهرين ووصفهم بالأشرار، قائلًا: ” يجب على المسؤولين في البلاد أيضًا تأدية مهامهم بجدية كما ينبغي”.
لكن من جانبه أشار خامنئي في حديثه إلى فلول نظام الشاه الذي تمت الإطاحة به، والتي شرح زعيم المقاومة الإيرانية السيد مسعود رجوي أسبابها بوضوح في رسالته. ويحاول خامنئي عبثًا ربط الماضي بالمستقبل بوضع فلول الشاه بجانب مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، لخدمة الحاضر المتمثل في حكم الملالي. لكن هيهات أن يعود الزمن وعقارب الساعة إلى الخلف. ففي انتفاضة يناير 2017 كان يدعي أن أمريكا رسمت خطة الانتفاضة والسعودية دفعت التكاليف ومجاهدي خلق قاموا بالتنفيذ. لكن هذه المرة، أجج بنفسه النار بإلقاء الشرارة على البنزين وأصبحت تهمة تلقي مجاهدي خلق أموالا من السعودية ورقة محروقة.
كما هدد سكرتير الأمن في نظام الملالي، الحرسي شمخاني، في الجلسة المغلقة في مجلس شورى الملالي، قائلاً: “لقد تم التعرف على عدد من الأشخاص الذين كانوا يحرضون الناس في الشوارع. واتضح أنهم على اتصال بمنظمة مجاهدي خلق. وهم من بين الأشرار في المنطقة وأخذوا أموالاً لإثارة أعمال الشغب ويستهدفون مناطق محددة. وهؤلاء الأشخاص كانوا يعتزمون إثارة الاضطرابات في إيران والعراق ولبنان وبعض الدول الأخرى من خلال اتباع سيناريوهات معدة مسبقًا”.
والجدير بالذكر أن انتفاضة الشعب الإيراني ضد نظام الملالي قد بلغت ذروتها والتطور الكبير الذي يتطلع إليه الجميع سيتحقق في المستقبل القريب جدًا. اليوم المجيد للإطاحة بالديكتاتور الطاغي من المنطقة
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.